هل نحن سعداء في حياتنا أكثر من أجدادنا؟ من كتاب خصائص الحضارة المستقبلية – محمد كوراني

هل نحن سعداء في حياتنا أكثر من أجدادنا؟ من كتاب خصائص الحضارة المستقبلية – محمد كوراني -هل نحن راضون عن واقعنا أكثر من أسلافنا؟ رغم التطور والتكنولوجيا والحداثة وما بعد الحداثة، هل أبناء هذا الجيل سعداء أكثر من الأجيال السابقة؟ لم يستطع البشر القضاء على الملل والضجر في عصرنا الحاضر، لم يستطع البشر القضاء على المرض والتعب، لم يستطع البشر القضاء على الوجع والألم (بشرط بقاء العقل والوعي واليقظة والتنبه)، لم يستطع البشر القضاء على الإكتئاب والحزن، ولم يستطع البشر القضاء على الموت والفناء، ولم يستطع البشر القضاء على الجهل والعمى. في الواقع رغم التطور والتكنولوجيا والحداثة وما بعد الحداثة فما حصل هو تبدل بالمشاكل، فعدم الرضى هو نفسه عدم الرضى.. المشكلة اليوم ليست قلة المعلومات عن الآخر بل كثرتها. المشكلة اليوم ليست قلة التواصل مع الآخر بل كثرتها. المشكلة اليوم ليست قلة الرسائل من الحبيب بل كثرتها المشكلة اليوم ليست قلة الأصدقاء وأشباه الأصدقاء، بل كثرتهم المشكلة اليوم ليست قلة الأخبار والأحداث، بل كثرة العاجلة منها المشكلة اليوم ليست قلة التسالي والترفيه، بل الضياع في أنواعه المشكلة اليوم ليست قلة الطعام والطيبات واللذائذ، بل كثرتها. المشكلة اليوم ليست قلة الأدوية وأنواع العلاج، بل كثرتها الحق كما قاله علمائنا، العلم نقطة كثّره الجاهلون، الحق حرف كثّره الغافلون والنور شعاع كسّره التائهون،… في الواقع، اليوم البشرية تواجه، حالة عجيبة وغريبة، لا مثيل لها في تاريخ الإنسان ولا في تاريخ الحضارة، اليوم البشرية تواجه مرض نادر وصعب ولا علاج له في تاريخ المفكرين والفلاسفة، اليوم البشرية تواجه نوع جديد من الحياة يشبه الأموات أكثر من الحياة، أنها لا مثيل لها إلا في حياة الآلات والروبوتات، حياة الزومبي ذي الوجوه الجميلة والمزيّنة… نعم إنها مرض الشرود الذهني وصولا الى قمة الضياع. نعم إنها مرض الذهول العقلي، وصولا الى قمة الانفصال. نعم إنها مرض الانشغال بالعمل وصولا الى قمة التخدير. نعم إنها مرض الغيبوبة عن الإحساس وصولا الى قمة فقدان الوعي. نعم إنها مرض التيه الحضاري وصولا الى حياة الجمادات المتحركة. نعم إنها مرض الشك والترديد وصولا الى فقدان اليقين والثبات. نعم إنها مرض التشكيك في كل البديهيات، وصولا الى خسران جميع المبادئ العقلية. نعم إنها مرض الفضائح ولا تعرفون كم أصبحنا اليوم مكشوفين على الآخرين؟ نعم إنها مرض فقدان البهجة والفرح الحقيقي وصولا الى البدائل الإصطناعية الصناعية،… النكهة الإصطناعية، اللذة الإصطناعية، الموسيقى والأصوات الإصطناعية، الإضاءة الإصطناعية، الروائح والعطور الإصطناعية، الضحكات الإصطناعية… هل حقيقة صناعة البشر هي نفسها صناعة الله ؟ قليلا من التفكير . هم المقصرون، فتطورهم فشِلت وحلولهم انحرفت وخططهم ضاعت وانجازاتهم ذابت فرغم كل المحاولات والدعايات اللادينية لم تصبح ديناً ولاعقيدة، ونظامهم لم يوفر العدالة والاستقرار حتى لجنسهم الأبيض. في المقابل حصل تطور لم يكن بالحسبان في أقصى الأرض، فهؤلاء نجحوا من الخروج من وطأة الاستعباد، رغم استضعافهم، ونجحوا في الصعود من تحت الرماد رغم التعتيم، هؤلاء نجحوا بالبقاء رغم سلبهم كل ما يملكون، هؤلاء نجحوا بتصحيح مسار البشرية من خلال الطفرات الإجتماعية، هؤلاء نجحوا من ترميم ذاكرة الشعوب من خلال الصدمة الغيبية، هؤلاء نجحوا بتحريك الشعوب ودبّ الحياة فيهم من خلال ثقافة التضحية والعطاء، وهؤلاء نجحوا في التوعية والتثقيف من خلال الدمعة والبكاء، هؤلاء نجحوا في تعميم الفرح والبهجة والسرور من خلال لذة الروح والاتصال بالعالم الأسمى، عالم الغيب، هؤلاء نجحوا في تغيير الواقع رغم أن الواقع لم يكن لصالحهم، هؤلاء لم يجدوا بأن العولمة المثالية تتحقق بالتشكيك العقلي وتمييع المبادئ والتنوع الديني وضياع القيم وتسفيه الغيب وتقديس الجنس البشري على باقي ذوي العقول، والانسان ليس الكائن العاقل الوحيد في الكون، هؤلاء يعتبرون بأن في طريقنا الى العولمة، اللادينية ليست حلا للعصبية، واللادينية ليست القاسم المشترك بين الديانات. هؤلاء يعتبرون بأن في طريقنا الى العولمة، الحريات البديلة لا تغنينا عن الحريات الحقيقية، لانها لا تؤدي الا الى الانحراف عن الحق. هؤلاء يعتبرون بأن في طريقنا الى العولمة، اللاجنسية ليست الحل للمشاكل العائلية وظلم الرجال على النساء والنساء على الرجال، لأنها لا تؤدي الا الى العبثية هؤلاء يعتبرون بأن في طريقنا الى العولمة، الإلحاد وعدم طلب المساعدة من الخالق لا يؤدي الى النجاح والفلاح والسعادة الأبدية… فبين هؤلاء وهؤلاء، يا ترى أيّهم يغلب الأخر، وأيّهم يصبح قطب العولمة وأيّهم يصبح حكيم القرية العالمية و… فهل من الممكن أن تصبح الولادة القيصرية ومن الخاصرة، ولادة سهلة طبيعية ؟ نعم يجب تصحيح مسار البشرية في بدايته، عندما يخرج الله من كنزه المخفي، ويعرف الله بأسمائه، ويسجد الإبليس للإنسان وليس العكس، ويتعرف الإنسان على “أبويه” الحقيقيين، وتتعرف البشرية على القضية الأساس في الوجود، ويتميّز صراط الحق عن الطرق الباطلة، ويثأر للقضية الأساس في الوجود… فولادة العولمة المثالية والحضارة المثالية تكون سهلة وبانسيابية عالية.

المزيد

قنواتنا

الوصول إلينا

Our Channels