الحضارة الإسلامية شرط لتطور الصحيح للعلوم والتكنولوجيا، محمد كوراني

الحضارة الإسلامية شرط لتطور الصحيح للعلوم والتكنولوجيا، محمد كوراني

قلنا أن نشوء العلم الصحيح وتطويره في الظروف المناسبة والسليمة مرهون بمدى تحقق الولاية في الارض. الولاية على درجات ومراتب فالولاية تعني تفويض الاختيار والانتخاب إلى الذات التي يتولاها الإنسان، ويمكن للإنسان أن يستشعر هذه المسألة في أعماق وجوده، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: عليّ أولى بكم من أنفسكم، يعني مع وجود عليّ لا ينبغي أن يكون لكم اختيار وإرادة، فيجب أن تكون إرادته هي إرادتكم واختياره اختياركم، ويمكن للإنسان أن يطوي مراتب الولاية ويزيدها في وجوده وذلك عبر المراقبة والالتزام بالسلوك العلمي والعملي. حتى يبلغ مرحلة الفناء التام في الولاية ويصل إلى مقام التجرّد التام وحينئذ لا يعود هناك حجاب بينه وبين الولي المطلق أبدا. (ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام المجلد الثالث)

معني‌ حقيقة‌ الولاية‌ وولاية‌ الحيوانات‌ والبهائم‌ علی‌ أبنائها

… وبناء علی‌ هذا، فكلّ موجود يمتلك‌ في‌ ذاته‌ ارتباطاً واتّصالاً وهو هويّة‌ مع‌ الذات‌ المقدّسة‌؛ وليس‌ ثمّة‌ فاصلة‌ بين‌ كلّ موجود وعلّته‌ الفاعلیة‌ وعلّة‌ علله‌. وعلیه‌، فلازم‌ وجود كلّ موجود ما، أن‌ يوجد هو، وجود ولاية‌، وذلك‌ بمعني‌ أنَّ الموجودات‌ هي‌ ربط‌ محض‌ بالنسبة‌ إلی‌ الذات‌ المقدّسة‌ لحضرة‌ الحقّ.

فالولاية‌ إذَن‌ بهذا المعني‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌، وآثارها متفاوتة‌ فيها بحسب‌ سعة‌ وضيق‌ الموجودات‌، فيتحقّق‌ معني‌ الولاية‌ بنحو أكبر في‌ بعض‌ الموجودات‌ التي‌ تكون‌ ماهيّتها أكبر وأقوي‌ وسعة‌ وجودها أكثر. بينما يكون‌ وجود الولاية‌ أقلّ في‌ بعض‌ الموجودات‌ الاُخري‌ التي‌ تكون‌ في‌ مرحلة‌ الذات‌ والماهيّة‌ أضعف‌، ومحدوديّتها أكثر من‌ حيث‌ السعة‌.

وعلی‌ كلّ تقدير، فلازم‌ وجود خلقة‌ كلّ موجود من‌ الموجودات‌ هو التوأمة‌ مع‌ الولاية‌. ومن‌ آثار تلك‌ الولاية‌ الاختيار، ومالكيّة‌ الامر، والحاكميّة‌، والتسلّط‌ في‌ الحدود التي‌ تقتضيها تلك‌ الولاية‌.

إنَّ هذه‌ الولاية‌ موجودة‌ في‌ جميع‌ الموجودات‌؛ وأساساً، لايمكن‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ موجود من‌ دون‌ ولاية‌. وعلیه‌، فالولاية‌ تنتشر في‌ جميع‌ الموجودات‌، وَلاَ تَشُذُّ عَنْ حيطَةِ هُويَّتِها وَإنِّيَّتِها ذَرَّةٌ أبَداً. …

ولو لم‌ يكن‌ العالَم‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌، لما كان‌ عالماً يتحرّك‌، ولكان‌ عالماً معدوماً.

أي‌ كان‌ عالم‌ العدم‌ والفناء. فجميع‌ هذه‌ الموجودات‌ التي‌ ترونها قد صارت‌ علی‌ هذه‌ الصور بواسطة‌ الولاية‌، وكذلك‌ عمل‌ الإنسان‌ أيضاً، فكلّ ما يأتي‌ به‌ الإنسان‌، وكلّ سعة‌ يراها في‌ ذاته‌ إنّما تكون‌ علی‌ أساس‌ الولاية‌. فالاب‌ الذي‌ يقوم‌ بحفظ‌ أبنائه‌ وحراستهم‌، فبلحاظ‌ الولاية‌. وهذه‌ الولاية‌ التكوينيّة‌ والفطريّة‌ التي‌ أعطاها الله‌ له‌.

والشاهد علی‌ هذا المطلب‌ هو أ نَّه‌ لو منعناه‌ من‌ العمل‌ ونهيناه‌ عن‌ حماية‌ أبنائه‌ وأمرناه‌ بترك‌ ابنه‌ الوليد في‌ الصحراء، لما انصاع‌ لهذا الكلام‌؛ أو لو طلبنا من‌ القطّة‌ التخلّي‌ عن‌ حماية‌ أبنائها وعدم‌ مراقبتهم‌ والانتقال‌ بهم‌ من‌ بيت‌ إلی‌ بيت‌ لرفضت‌ ذلك‌، ولو أمرنا بخلاف‌ هذا الامر ( كأن‌ نأمرها بأخذ أبنائها إلی‌ وكرالعدوّ) لرفضت‌ ذلك‌ أيضاً. يدل‌ هذا الامر علی‌ نشوء الافعال‌ الولايتيّة‌ في‌ الموجودات‌ من‌ غريزتهم‌ وفطرتهم‌، وذلك‌ أمر لا يتبدّل‌ ولا يتغيّر.

والولاية‌ التي‌ للرجال‌ علی‌ النساء بمقتضي‌ الآية‌ الشريفة‌: الرِّجَالُ قَوَّ ‘ مُونَ عَلَیالنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَهُ بَعْضَهُمْ علی‌’ بَعْضٍ[15]، هي‌ ولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌، لانَّ الرجل‌ يمتلك‌ عقلاً أقوي‌ من‌ القوّة‌ العاقلة‌ عند المرأة‌، ولذا كانت‌ المرأة‌ بالنسبة‌ له‌ ضعيفة‌، وكانت‌ تحت‌ هيمنته‌ وإدارته‌ وعصمته‌. وكان‌ الرجل‌ هو المسؤول‌ عن‌ المحافظة‌ علیها. ولذا، يكون‌ هو الآمر وهي‌ المأمورة‌، وهو الناهي‌ وهي‌ المنهيّة‌، ويكون‌ علیها أن‌ تطيعه‌ في‌ جميع‌ الاُمور.

ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌، وولاية‌ فسّاقهم‌ عند عدم‌ وجود العدول‌

وكذلك‌ ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ علی‌ أساس‌ أموال‌ الغُيَّب‌ و القُصَّر وأمثال‌ ذلك‌ من‌ الموارد التي‌ نعتقد ولاية‌ عدول‌ المؤمنين‌ فيها، إذ تعلن‌ الآية‌ الكريمة‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ .هذه‌ الحقيقة‌، وهذه‌ الولاية‌ هي‌ في‌ عدول‌ المؤمنين‌ أقوي‌، لانَّ إيمانهم‌ أقوي‌ وتقواهم‌ أكثر، ونفس‌ هذه‌ الوحدة‌ الموجودة‌ بين‌ قلوب‌ المؤمنين‌ توجب‌ أن‌ يكون‌ لهم‌ ولاية‌ علی‌ بعضهم‌ في‌ صورة‌ عدم‌ وجود ولي‌ّ أعلی‌ كالإمام والعالم بالفقه‌ الاعلم‌، وتوجب‌ علیهم‌ حماية‌ وإدارة‌ أُمور المؤمنين‌ الضعفاء والعاجزين‌ والذين‌ لايتمكّنون‌ من‌ القيام‌ بأعمالهم‌ ( كالمجانين‌ والسفهاء والايتام‌ وما شابه‌ ).

وكذلك‌ الولاية‌ التي‌ تكون‌ لفسّاق‌ المؤمنين‌ في‌ حالة‌ عدم‌ وجود عدولهم‌، لا نَّهم‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ هم‌ فيه‌ فسقة‌ فهم‌ مقدّمون‌ علی‌ غيرالمؤمنين‌، لا نَّهم‌ يمتلكون‌ الإيمان‌ وهم‌ مشمولون‌، لعموم‌ الولاية‌: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـ’تُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ. ولايصحّ تسليم‌ الولاية‌ للكافر مع‌ وجود فُسّاق‌ المؤمنين‌، لا نّه‌ لا ولاية‌ للكافر علی‌ المسلم‌ بأي‌ّ وجه‌ كانت‌. إنَّ ولاية‌ الكافر علی‌ المسلم‌ « سبيل‌ »، ولم‌ يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ سبيلاً. فتلك‌ الولاية‌ إذَن‌ تكون‌ علی‌ أساس‌ التكوين‌ والفطرة‌ أيضاً. وعلی‌ كلّ تقدير، فجميع‌ أقسام‌ هذه‌ الولاية‌ تكوينيّة‌ وفطريّة‌ ممضاة‌ من‌ قِبَل‌ الشارع‌، لانَّ أوامر الشرع‌ هي‌ علی‌ أساس‌ الفطرة‌ أيضاً، وقد سار علی‌ هذا المسلك‌، ففي‌ كلّ موضع‌ أيّد فيه‌ العقل‌ والفطرة‌ الولاية‌ قام‌ الشرع‌ بتصحيح‌ ذلك‌ أيضاً. وكذلك‌ ولاية‌ العالم بالفقه‌ فهي‌ من‌ هذا القبيل‌، غاية‌ الامر هي‌ في‌ مرحلة‌ أعلی‌ وأكبر وأوسع‌.

فللولي‌ّ العالم بالفقه‌ وظيفتان‌: لاُولي‌: بيان‌ الاحكام‌ التي‌ وصلت‌ إلیه‌ من‌ الشرع‌، والإفتاء بما يجتهد فيه‌، ولن‌ نخوض‌ في‌ هذا البحث‌ حإلیاً، فتلك‌ المسائل‌ ترجع‌ إلی‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ التي‌ يقوم‌ العالم بالفقه‌ ببيانها،

الثانية‌: وظيفة‌ الولي‌ّ العالم بالفقه‌ من‌ لحاظ‌ أعمال‌ الولاية‌. وهذا هو محلّ بحثنا، أي‌ ما معني‌ أن‌ يُعمل‌ العالم بالفقه‌ ولايته‌ في‌ بعض‌ الاُمور (خصوصاً الموارد الجزئيّة‌ ) فيقوم‌ بالحكم‌ والامر والنهي‌؟ إنَّ معني‌ ومفاد حكم‌ العالم بالفقه‌ في‌ هذه‌ الموارد هو الإنشاء. أي‌ أنَّ العالم بالفقه‌ بعد أن‌ يلاحظ‌ جميع‌ الاحكام‌ والادلّة‌ الواردة‌ في‌ الشرع‌ المقدّس‌ (الاعمّ من‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ والاستثناءات‌ والتخصيصات‌ والاحكام‌ الثانويّة‌، مثل‌ الاحكام‌ الإكراهيّة‌ والاضطراريّة‌ والاحكام‌ الواردة‌ في‌ صورة‌ النسيان‌ وعدم‌ الطاقة‌ والاستطاعة‌) وبعد جمعها وضمّها إلی‌ بعضها يقوم‌ بالحكم‌ في‌ تلك‌ الواقعة‌ الخاصّة‌ علی‌ موضوع‌ خاصّ بالشروط‌ الخاصّة‌، وذلك‌ بحسب‌ قدرته‌ النفسانيّة‌ وطهارته‌ الباطنيّة‌ التي‌ حصّلها، وبحسب‌ المدارج‌ النفسيّة‌ التي‌ عرج‌ فيها، ونيله‌ لذلك‌ العالم‌ من‌ التجرّد والإطلاق‌، وبقدر ارتوائه‌ من‌ مَعِين‌ الشريعة‌، فتنشأ من‌ ذلك‌ أحكامه‌ في‌ الموارد المختلفة‌. فقد لاحظ‌ في‌ هذا الموضوع‌ جميع‌ تلك‌ الاحكام‌ بشكل‌ مترابط‌، وتوصّل‌ إلی‌ هذا الحكم‌ الجزئي‌ّ الذي‌ أصدره‌ للناس‌، هذا هو معني‌ ولاية‌ العالم بالفقه‌.

و هو احد مراتب الولاية و اكملها في ظل الغيبة ولكن هناك مراتب مختلفة من الولاية كما ورد في الاعلى و كل مرتبة تسبب بيئة ومناخ و نظام مختلف في المجتمع والذي بدوره ينشأ و يطور العلوم و يربي العلماء ويحافظ على القيم العقلية والمنطقية والعلمية والانسانية في تطويره. فلا يمكن تصحيح العلوم الانسانية الغربية فقط من خلال ادخال بعض المفاهيم الاسلامية في العلوم الانسانية ويجب أن يصحح الاصول و القواعد في كل علم و من ثم يجب أن يكون مناخ التقوي والعفاف والايمان ليبقى هذا العلم ضمن القيم والقواعد الانسانية والحيادية ولا ينحرف.

تطور العلم والولاية

من هذ المنظور الولاية هي على مراتب مختلفة والولاية هنا تقتضي أن من له سلطه ونفوذ و تاثير على الآخر حتي الحيوانات على بعضها البعض بحكم الفطرة وطبيعة الدنيا ولو بالتغلب على الآخر بحكم الطبيعة البشرية وتاريخ الدنيا، يصبح لديهم برعاية الاخر، فالولاية هنا تنشأ مسؤولية لصاحب الولاية برعاية من له عليه سلطه، فمن يصبح له سلطة ونفوذ و تاثير على الأخر بحكم مراتب الولاية مامور على حفظ مصالح الطرف الاخر و لا فرق هنا بين من يصبح ذات ولاية بالاثم أو بالحق، بالغلبة أو بالنص، بالقتل او بالسلم فعليه أن يحافظ على مصالح الطرف الاخر و من هذا المنطلق الطريق الى العلم الصحيح يكون بحسب ظهور ولاية الله بين البشر ولو كان العلم في الصين فاطلبوا العلم في الصين ولكن بطبيعة الحال أصفى وأنقى علم بشري و اقربها الى الحقيقة لا يتحقق الى بعلو درجات الولاية ولاية الاقل شأنا لا يعني عدم السعي الى الوصول الى ولاية من درجة اعلى لكن ما دام هناك حاكم فعلي الحاكم التقيد بما يقتضية الانسانية والاخلاق و من ثم الدين المبين، فالعلم الذي ينشأ و يتطور في زمن النبي ص افضل واقرب واصفي وأنقي مما بعده والعلم الذي ينشأ و يتطور في زمن حكم الائمة افضل واقرب وأصفي وأنقي من العلم الذي ينشأ و يتطور في زمن الغيبة والعلم الذي ينشأ ويتطور في زمن ولاية الفقيه أفضل وأقرب وأصفى وأنقى من العلم الذي ينشأ و يتطور في زمن الغيبة. ومن هذا المنطلق كل علم يحظي بالولاية الممكنة يكون اكثر نفعا من الادنى رتبة و ما دام لا يمكن تطوير اي علم بحسب القواعد الولاية بامكاننا الاستفادة من هذا العلم الموجود بما لا يتعارض مع مبادئ الاسلام وفي نفس الوقت علينا ان نحسن درجات الولاية ليكون العلم من حيث النشأة والتطور ضمن القواعد الاسلامية. فالعلم الذي ينشاء ويتطور في الدولة الاسلامية في الغيبة و في ظلم حكم الولاية العالم بالفقه يكون اقرب الى المثالية و اذا كان قد نشأ علم و تطور في دولة اسلامية في زمن الغيبة و في ظل حكم المرجعية الدينية وهذا المرجعية الدينية ارتكب خطاءا أو ابتعد عن القيم فيتنزل درجة الولاية لديه ويصبح حكمه حكم واقع و بطبيعة الحال العلم في هذه الدولة يتنزل درجة و يبتعد عن المثالية و بالعكس اذا ارتقي الحكم في درجات الولاية فكان الدولة علمانية مثلا و اصبح دولة اسلامية، العلم فيه يرتقي الى درجة اعلى. اذا لا يمكن تصحيح العلوم الانسانية الغربية فقط من خلال ادخال بعض المفاهيم الاسلامية في العلوم الانسانية مثلا السنن الالهية في علم الاجتماع الاسلامي ويجب أن يصحح الاصول و القواعد في كل علم و من ثم يجب أن يكون مناخ التقوي والعفاف والايمان ليبقى هذا العلم ضمن القيم والقواعد الانسانية والحيادية ولا ينحرف لصالح الراس المال ورؤية السلطة او مصالح الطبقة الغنية “فالناس على دين ملوكهم”، فاسلامية العلم هنا تكون بعدم الابتعاد العلم عن الانسانية والحيادية، و المناخ العام في أي مجتمع و أي دولة يجعل نشأة العلم و تطوره يبقى ضمن القواعد او لايخرج عن الاصول. و من هذا المنطلق اسلامية العلم لا يعني أن يتحول العلم الى معتقدات بل هو بجعل العلم يبقى في دائرة القواعد العقلية والمنطقية لها.

 

على طريق العلوم الإنسانية الاسلامية ٠.٠

العلوم الانسانية الاسلامية، هنالك جدل كبير حول هذا المصطلح، لكن لاشك ان العلم علم وليس هناك علم مسيحي وعلم اسلامي، لكن في الواقع العلوم تتاثر كثيرا من التوجهات العامة والجو العام والجو والثقافة والمجتمع والتيارات الفكرية في أولوياتها و في مصطلحاتها. نحن كمسلمين يفتخرون بدينهم ويجدونه دينا وحياً الهياً منزلا من السماء، عندما يريدون أن يمدحوا اي شيء، ينسبونه الى الاسلام لأن الله في الاسلام، هو رب العالمين الكامل المتكامل، المنزه عن الخطأ والاشتباه وعن الضعف والنوم والكسل. فالمسلمون عندما يريدون ان ينسبوا الكمال والخلو من الخطأ لاي شيء ينسبوها إلى الاسلام. فلذلك عندما ننسب عدم الانحراف عن الانسانية ،والكمال والمثالية للعلوم الانسانية نقول عنها إنها علوم انسانية اسلامية. ولا نقصد أن اصول هذه العلوم هي اصول دينية،

التجربة العملية اثبت ان في كل عملية اصلاح وتغيير لابد ان يرفع الانسان مستوى شعاراته حتى تتحقق الحالة الاعتدال والوسطية في نهاية هذه العملية الاصلاحية. (فمن يبدا بالوسط ينتهي الى دون المتوقع) لذلك عندما نستفيد مصطلح العلوم الانسانية الاسلامية نقصد ان تبقى العلوم الانسانية انسانية دون ان تتاثر بالتيارات الفكرية الانتهازية والانحرافية في العالم.

الاسلام نزل من عند الله الى البشر فالله يعرف طبيعة البشر فردا كان او في المجتمع، في بداية تاريخ البشر او في نهاية التاريخ. وايضا يعرف اين كان البشر قبل الولادة واين يذهب بعد الموت و ما هي رسالتنا هنا.

هناك نظريات كثيرة حول علاقة العلم والدين وأيضا هذا لا يعنينا لاننا نعتبر الاسلام خاتمة الديانات ومع احترامنا لجميع اتباع الديانات نعتبر ان الاسلام هو الدين الذي يمثلنا فأي تجارب علمية وغير علمية على جميع الديانات وجميع المذاهب غير الاسلام المحمدي الاصيل لا يعنينا رغم التشابه الظاهري فنعتبر هنالك فارق كبير بين جميع الديانات والمذاهب الاخرى والاسلام المحمدي الاصيل في النتيجة العلمية .

هناك نظريات كثيرة حول علاقة الاسلام والعلم بين المذاهب الاسلامية المختلفة، لنكون صادقين بأن ما نقصده من الاسلام هنا ما عرّف عنه الامام الخميني (قده) بالاسلام المحمدي الاصيل ولا يعنينا اي مذاهب اخرى لانهم حكموا طوال ١٢٠٠ عام وفي النهاية رضخوا للغرب والغرب بنفسه اليوم محل انتقاد كبير.

اذا لكي تبقى العلوم الانسانية في اطارها الانساني يجب ان يكون متوافقا مع الاسلام بل ان يتطور في أجواء الاسلام المحمدي الاصيل .

لكن اليوم، الاسلام المحمدي الأصيل رغم صعوده المتاخر، مغمور في العالم. ومكانته في انتاج العلم في العالم مكانة ضعيفة جدا. العلوم الانسانية الاسلامية اليوم تواجه مشكلتين : المشكلة الاولى الواقعية والمشكلة الثانية الظروف المثالية. بعض الاسلاميين يعتقدون ان اي علم اذا لم يكن هنالك تعارض واضح مع المفاهيم الدينية فبامكاننا الاستفادة منه. والبعض الاخر يقول بانه يكفي ان ندخل مفاهيم اسلاميه في العلوم الانسانية ليصبح اي علما إسلاميا، لكن النظرية الصائبة هي ان العلم ليكون اسلاميا يجب ان تكون النشاة والتطور في بيئة اسلامية مثالية حتى تكون المصطلحات والاصول والقواعد منسجمة كل الانسجام مع الاسلام والجميع يعتقد ان هذه البيئة الاسلامية المثالية لم تتحقق الا في آخر الزمان.

النشأة والتطور العلم في البيئة المناسبة المثالية كلاهما مهمان جدا، النظرية الاساس هي أن العلوم الانسانية اليوم تحتاج الى اصلاح جذري تشمل الاصول والقواعد والمصطلحات و النتائج ، رغم ان العلم هو نفسه علم … لكن تخيلوا نمو بذرة “التوت البري العليق” في المشاتل وفي البرية، هذه البذرة في البرية تتحول الى كتلة اشواك و تسمى العليق و في المشاتل تكون نبتة منظمة ، الشوك جهة والفاكهة جهة ،،، رغم ان البذرة نفس البذرة لكن النتيجة النهائية بين العلوم بحسب البيئة، ستكون مختلفة جدا بحيث ان فوائد ذلك العلم يكون أكثر من ضرره.

في الواقع هذه النظرية الوحيدة الصحيحة لكن ماذا نفعل قبل آخر الزمن حيث هنالك انظمة غير إسلامية بل لعل السلطة تكون بيد اعداء الإسلام فماذا نفعل بالعلوم الإنسانية حينها من منطلق الواقعية وليس المثالية.

هذه نظرية تقول ان العلم حتى في الغرب، يحظى برعاية الولاية بنسب مختلفة و متدرجة. و من هذا المنطلق العلماء والفقهاء ومراجع الدين في المرحله السابقة كانوا يقولون بان خذوا ما لا يتعارض مع الاسلام وارفضوا ما يتعارض معه، لكن في ظل العولمة والهيمنة الغربية على العالم، أصبح اليوم من المستحيل ان نجد مفهوما علميا لايفسر بما يتعارض مع الاسلام، كذلك الامم المتحدة بصدد تصويب معاهدات دولية تعارض ليس فقط الاسلام بل كل الديانات السماوية في الصميم. لذلك لم يعد امامنا طرق للواقعية في ظل هذه الهيمنة و نحن أصبحنا مجبرين على العلوم الانسانية في الظروف الاسلامية المثالية … ما هو الحل؟ط.

كيف يمكن تطبيقة نظرية اسلامية للعلم تنطبق على كل تاريخنا و على كل الظروف والمراحل، منها مرحلة الواقعية و مرحلة المثالية معا …

النظرية الاسلامية الوحيدة التي يمكنها تفسير العلوم الانسانية الاسلامية في الظروف غير المثالية و المثالية معا هي نظرية “الولاية المتدرجة”.

في الواقع، نشأة العلم وتطوره كما قلنا يحتاج الى ظروف مثالية ففي الظروف المثالية قد يحصل تغييرات بسيطة في ذهنية العلماء يشكل حافزاً قوياً لعدم ادخال الاستحسانات الظنية على النظريات العلمية وايضا يشكل سداً منيعاً لعدم ادخال الاهواء والغرائز و النزعات الشيطانية الى النظريات العلمية كما اشرنا الى ذلك في احد المقالات بان تربية العلماء على الخضوع للحقيقة النورانية المطلقة، خالق هذا الكون من خلال طرح ثلاث اسئلة مصيرية، اين كنت؟ وإلى اين ذاهب؟ وماذا علي فعله؟ في هذه الدنيا، يجعل من العلماء ومن العلم في إطار الإنسانية العلمية.

الولاية المتدرجة هي تسمية لنظرية الولاية عند العلامة الحسيني الطهراني احد العرفاء البارزين في مجال العرفان، يتكلم عن انواع من الولاية انزلها الله الخالق على العباد ولكل ولاية غاية وهدف لمساعدة البشرية لكن الولاية الكاملة لا تتحقق الا بحضور وظهور الولي وخلافته على الارض بشكل مطلق وهذا لا يتحقق الا في آخر الزمان. لكن في المراحل السابقة من الولاية هنالك وظيفتان للمؤمن اولا ان يسعى المؤمن الى الحصول على درجة اكبر من الولاية وثانيا ان يعمل بتكليفه بحسب الهدف المتاح من هذه الدرجة او الرتبة من الولاية.

وهكذا بالنسبة للعلم الذي ينشأ ويتطور في المراحل الادنى من الولاية .فبامكاننا ان نستفيد من هذه العلوم بما لا يتعارض مع الشرع المبين وبحسب مقتضيات هذه المرحلة من الولاية.

اذاً بحسب هذه النظرية اسلامية العلوم تتحقق من خلال التمسك بافضل نظرياتها ورفض مفاهيمها الخاطئة وهذا يتطابق مع الواقعية في النظرة الى العالم اليوم .

لكن اليوم في ظل العولمة والهيمنة الغربية على انتاج العلم، لم يعد بحسب تسلسل الولاية ان نتبع الخطة السابقة، فاصبح علينا أن نحظى بدولة اسلامية، تؤمن الميزانيات المطلوبة والبيئة العلمية الضرورية لمناهضة ومقاومة التوجه العالمي والعولمي تجاه النظريات الانحرافية والمتوحشة مثل الجندرة والاقتصاد المتوحش والارهاب العلمانية و الاستراتيجيات العالمية الظالمة و… فحينها يكون اسلامية العلم بطرح نظريات بديلة في كل علم من العلوم. و هذا لا يتنافى مع الواقعية والمثالية في العلوم الانسانية الاسلامية،

اما دائما علينا أن نسعى لظروف و بيئة أكثر مثالية، ليكون العلم اكثر نزاهة، ليتطور العلوم والتكنولوجيا بشكل أ8فضل ، لا ننسى بان هناك من يقول بان التطور علمي بقارة الاتلانتا و اهرامات المصر كانت متطورة جدا بل من نواحي اكثر تطورا من اليوم. و ما يمتاز اليوم هو كثرة التسالي و الرفاهية و انواع اللهو واللعب وليس هناك تطور السعادة و الرضى لكل العالم.

و من هذا المنطلق ندرج بعض انتقادات العلماء الغربيين انفسهم للعلوم الانسانية الغربية ….

 

هناك عدة انتقادات للعلوم الإنسانية، بما في ذلك ما يلي:

1. الافتقار إلى الدقة في المنهجية 2. الاهتمام غير الكافي بالتحليل الكمي 3. التركيز المفرط على التفسير الشخصي 4. الأهمية المحدودة لمشاكل العالم الحقيقي 5. الفشل في التكامل مع التخصصات الأخرى 6. مقاومة التغيير والابتكار 7. التركيز غير المبرر على وجهات النظر الغربية والأفكار الغربية الروايات 8. عدم كفاية الاهتمام بالتعاون بين التخصصات.

 

ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى العلوم الإنسانية ما يلي:

1. الاختزالية: غالبًا ما يتم انتقاد العلوم الإنسانية بسبب المبالغة في تبسيط القضايا الإنسانية المعقدة وتقليصها إلى مشاكل تقنية أو علمية بحتة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى فهم ضيق ومحدود للقضايا المطروحة.

2. الافتقار إلى السياق: يتم انتقاد العلوم الإنسانية أيضًا لعدم مراعاتها للسياقات الثقافية والاجتماعية والتاريخية الأوسع التي تنشأ فيها القضايا الإنسانية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى حلول لا ترتكز على واقع المجتمعات التي من المفترض أن تخدمها.

3. الافتقار إلى التعاطف: تتعرض العلوم الإنسانية لانتقادات لعدم إعطاء الأولوية للتعاطف والتفاهم في نهجها تجاه القضايا الإنسانية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى حلول لا تراعي احتياجات وتجارب الأشخاص الذين من المفترض أن تخدمهم.

4. النهج التكنوقراطي: يتم انتقاد العلوم الإنسانية لتبنيها نهجًا تكنوقراطيًا يعطي الأولوية للحلول التقنية على المناهج الأكثر شمولية وإنسانية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى حلول لا ترتكز على قيم واحتياجات المجتمعات التي من المفترض أن تخدمها.

5. تأثير محدود: يتم انتقاد العلوم الإنسانية بسبب تأثيرها المحدود على القضايا التي تسعى إلى معالجتها. وذلك لأن الحلول التي تقدمها غالبًا ما تكون ضيقة وتقنية، ولا تعالج العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأساسية التي تؤدي إلى ظهور القضايا المعنية.

الدين والعلوم الانسانية

تضمنت بعض أهم الانتقادات الموجهة للعلوم الإنسانية الاعتقاد بأنها تافهة ولا تساعد على النمو الروحي، بالإضافة إلى الحجة القائلة بأنها كانت تركز بشكل كبير على العالم الكلاسيكي وليس على التعاليم الدينية و الالهية. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك مخاوف من أن دراسة العلوم الإنسانية يمكن أن تؤدي إلى الفساد الأخلاقي وعدم التركيز على مسائل أكثر أهمية، مثل الدين والروحانية.

المزيد

قنواتنا

الوصول إلينا

Our Channels