عناصر الإنتاج بحسب الرؤية الاسلامية
محمد كوراني
بعد أن تحدثنا عن أهميّة الإنتاج في حياة الإنسان ودوافعه وبعض قوانينه جاء دور بيان عناصر الإنتاج وصلتها بالعمليّة الإنتاجيّة، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة عناصر هي:
أوّلاً: الطبيعة (بما تضمّ من أرض ومياه ومعادن).
ثانياً: العمل الإنساني.
ثالثاً: رأس المال.
لقد دأب الاقتصاد الحديث على اعتبار الإنسان عنصراً من عناصر الإنتاج، إلاّ أنّ الاقتصاد الإسلاميّ ينظر إلى الإنسان في موقع الهدف الذي يجب أن تتحرّك صوبه عمليّة الإنتاج برّمتها، وليس هو عنصراً من عناصر الإنتاج. لكن في الواقع بحسب الاقتصاد الإسلامي لا مانع بأن يكون الانسان عنصر من عناصر الانتاج و في نفس الوقت محور عملية الانتاج.
رابعا : البركة :
مفهوم ديني اسلامي من فعل الله سبحانه و تعالي والبركة تعني أن يصلك المال المناسب في الزمان المناسب في المكان المناسب لشراء الشيء المناسب بحيث يسد الحاجة بأفضل طريقة ممكنة وبأقل الاثمان الممكنة وبافضل النتائج الممكنة.
العمل في الفكر الإسلامي
لقد منح الإسلام العمل الإنسانيّ قيمة رفيعة؛ لأنّه الوسيلة التي تحقّق الغاية التي وجد الإنسان من أجلها، وهي ممارسة خلافته على الأرض، فبالعمل يتحقّق إعمار الأرض واستخراج كنوزها، ويكون الإنسان جديراً بموقعه بوصفه خليفة الله.
إنّ العمل ـ في نظر الإسلام ـ ميدان عمليّ لبناء الشخصيّة الإسلاميّة، حيث تبرز مواهب الإنسان في غمار احتكاكه بالطبيعة من أجل تطويعها لخدمة المجتمع.
إنّ فهم الطبيعة يحقّق للإنسان معرفة أعمق بالآيات الكونيّة الدالة على الله وصفاته الحسنى، ويحقّق للمجتمع وسيلة للتّعاون والاتّحاد حيث يجمع أفراده في وحدة تسعى لتحقيق التّقارب الاجتماعي، ممّا يُعمّق الشعور بالانتماء الاجتماعي في ضمير الفرد.
إنّ الإنسان مسؤول عن عمله محاسب عليه: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) المدثر: 38.
كما إنّ العمل يحدّد مصير الإنسان ومساره العملي في هذه الدنيا (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) الليل: 5 ـ 10.
وانطلاقاً من دور العمل في تجسيد مفهوم الخليفة، اعتبره الإسلام عبادة يثاب المرء عليها كسائر العبادات الشرعيّة. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال)).
بل في بعض المواقع يكون العمل أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام، فقد (سأل أبو عبد الله عن رجل… فقيل: أصابته الحاجة، قال: ((فما يصنع اليوم؟)) قيل: في البيت يعبد ربّه، قال: ((فمن أين قوته؟)) قيل: من عند بعض إخوانه، فقال أبو عبد الله الصّادق عليه السلام: ((والله، للذي يقوته أشدّ عبادة منه)).
ورغم أنّ الإنسان يمارس العمل بشكل فطريّ لتلبية حاجاته، رغم كلّ ذلك، فإنّ الإسلام أوجب العمل على الإنسان كما أوجب على أفراد المجتمع ـ وعلى نحو الكفاية ـ الاهتمام بالصناعات والحرف والمهن الضروريّة، كالطبابة، والهندسة، وأعمال النقل والمواصلات، والتّجارة، والبناء، وجميع الأعمال التي يحتاج إليها المجتمع.
وفي الحقيقة إنّ الإسلام يستهدف من جعل العمل واجباً الغايات التالية:
1 ـ دفع أفراد المجتمع الإسلامي إلى ممارسة الأعمال الضروريّة لبقاء وتطوّر المجتمع، وبذلك يحفظ للمجتمع الإسلامي استقلاله ووحدته.
2 ـ منح العمل طابعاً شرعيّاً ليكون أكثر قدرة على دفع العامل نحو العمل والإنتاج، إذ العامل المؤمن الذي يرى العمل واجباً شرعيّاً يندفع نحوه، ولا يشعر وهو في غمار العمل أنّه ابتعد عن الله، أو أنّه انصرف إلى الدنيا المذمومة، فقد روي أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ لمّا رأى يد معاذ الصحابي الجليل قد كبنت (أي خشنت) سأله النبيّ قائلاً: ((كبنت يدك يا معاذ؟!!)) فيجيبه معاذ قائلاً: ذلك من أثر المسحاة يا رسول الله. فيأخذ يد معاذ ويقول: ((هذه يد يحبها الله ورسوله، هذه يد لا تمسها النّار)).
فالإنسان المسلم حين يؤمن بهذه القيمة الكبيرة للعمل سوف يندفع نحوه بكلّ جدّ وشوقٍ، فلا يشعر بالقلق والازدواجيّة؛ لأنّ العمل في مفهوم الإسلام من أجل الآخرة، ولأنّ الله قد أمر بذلك.
وهكذا يبني الإسلام الأساس النفسي والفكري للعمل لينطلق الفرد في ميادين الإنتاج، ويمارس نشاطاته المختلفة دون قلق.
وفي الواقع إنّ نظرة إنسان العالم الإسلاميّ إلى السماء قبل الأرض بوصفه مؤمناً بالله وبرسالاته، يمكن أن تؤدّي إلى موقف “واقعي و محدد” تجاه الأرض وما فيها من ثروات وخيراتٍ، يتمثّل في الزهد، أو القناعة، أو الكسل إذا فُصلت الأرض عن السماء. وأمّا إذا اُلبست الأرض إطار السماء، وأُعطي العمل مع الطبيعة صفة الواجب ومفهوم العبادة، فسوف تتحوّل تلك النظرة الغيبيّة لدى الإنسان المسلم إلى طاقة محرّكة، وقوّة دفع نحو المساهمة بأكبر قدرٍ ممكن في رفع المستوى الاقتصاديّ، وبدلاً عمّا يحسّه اليوم المسلم السّلبي من برود تجاه الأرض، أو ما يحسّه المسلم النشيط الذي يتحرّك وفق أساليب الاقتصاد الحرّ، أو الاشتراكي في قلق نفسيّ في أكثر الأحيان ولو كان مسلماً متميّعاً، سوف يولَدُ إنسجام كامل بين نفسية إنسان العالم الإسلاميّ ودوره الإيجابي المرتقب في عملية التنمية، وفي جميع حقول الإنتاج.
تقسيم العمل
إنّ تطوّر عمليات الإنتاج أدّى إلى تقسيم العمل على عدّة مراحل، في كلّ مرحلة يعمل العشرات من العمال؛ لإنجاز المهمّة الموكّلة بهم. هذا يؤدّي إلى تطوير مهارة العامل وإتقان عمله المختصّ به الذي يؤدّي إلى ارتفاع مستوى الإنتاج، كما يؤدّي إلى مساعدة العامل على الابتكار واستحداث تحسينات جديدة على وسائل الإنتاج.
تنظيم العمل
إنّ ظهور المرحليّة في الإنتاج استتبع ضرورة تنظيم عمليّة الإنتاج، …
ثالثاً: رأس المال
تعريف رأس المال: (هو الثروة التي تُستخدم في إنتاج ثروة أخرى).
هنا يتّضح خطأ المفهوم الشائع الذي يرى إنّ رأس المال هو (الأموال النقديّة) فقط. والحقيقة إنّ لفظ (رأس المال) في معناه الاقتصاديّ ينطبق على السّلع الإنتاجيّة كالآلات والمكائن، وعلى السّلع الاستهلاكيّة كالغذاء أو اللباس، كما ينطبق على الأوراق النقديّة.
يمكن تقسيم رأس المال إلى قسمين رئيسيّين هما:
أ ـ رأس المال الاستهلاكي: وهو المال المعدّ للاستهلاك كالورق، والأثاث المنزليّة، والمواد الغذائيّة، وما شابه ذلك.
ب ـ رأس المال المنتِج: وهو المال الذي يساهم في علميّة الإنتاج. وهذا الأخير يقسّم إلى نوعين:
تكوين رأس المال المنتِج
عرفنا إنّ رأس المال المنتِج عنصر أساسي من عناصر الإنتاج، فلابدّ من توفيره في جميع المشروعات الإنتاجيّة، وهناك طريقان لتكوين رأس المال المنتِج وهما:
الطريق الأول: الادّخار
الطريق الثاني: قروض المصارف
أن يقترض العامل المال من البنوك أو من أصحاب الأموال بصورة القرض الحسن، أي لا يلتزم المقترض بمنح البنك أو صاحب المال نسبة من الربح، إلاّ أنّه في هذه الحالة يضمن المال حتّى على تقدير الخسارة.
وقد شجّع الإسلام على منح القرض سواء كان قرضاً استهلاكيّاً (أي لغرض صرفه في شراء حاجات استهلاكيّة)، أم كان قرضاً إنتاجيّاً (أي توظيفه في ميدان الإنتاج). قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) البقرة: 245. لكن الاسلام حرم القروض الربوية لأنها تخل بالتوازن المالي والاقتصادي بشكل خطير و تسبب احتكارا مستداماً في السوق والاقتصاد والتجارة و هذا الموضوع من أهم مواضيع الاقتصاد الاسلامي حتى وصلت بأن الروايات اعتبرت الربا أقبح من الزنا.
توزيع الثروة
يمارس النّاس في حياتهم الاجتماعيّة عمليّتين مختلفتين: إحداهما عملية الإنتاج، والأخرى عمليّة “التوزيع وادخار”، فهم من ناحية يخوضون معركة مع الطّبيعة في سبيل إخضاعها لرغباتهم، ويتسلّحون في هذه المعركة بما تسمح به خبرتهم من أدوات الإنتاج. ومن ناحية أخرى يقيم هؤلاء النّاس بينهم علاقات معيّنة تحدّد صلة الأفراد بعضهم ببعض في مختلف شؤون الحياة، وهذه العلاقات هي التي نطلق عليها اسم (النظام الاجتماعي)، وتندرج فيها علاقات التوزيع للثروة التي ينتجها المجتمع، فالأفراد في عمليّة الإنتاج يحصلون على مكاسبهم من الطّبيعة، وفي النظام الاجتماعي الذي يحدّد العلاقات بينهم يتقاسمون تلك المكاسب. الاسلام لديه مجموعه قوانين اساسية في مجال التوزيع العادل للثروة و هو أيضا من المواضيع المهمة في الاقتصاد الاسلامي. هل لله دور في التوزيع ؟ هل البركة يمكن تقديمه بمفاهيم علمية؟
ولقد تقدّم في الفصل السابق تقسيم عناصر الإنتاج إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1 ـ العمل.
2 ـ الأرض (أو الطّبيعة بما فيها من ثروات).
3 ـ رأس المال.
وفي مايلي نستعرض استحقاقات هذه العناصر من الإنتاج، وكيفية توزيع الثروة عليها وفق دورها في عمليّة الإنتاج والادخار.
يطلَق على استحقاق العمل من الإنتاج لفظ (الأجور)، ويختص نصيب الأرض (بالربح)، كما يكون نصيب المال هو الربح
