الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور العدالة وسمو القيم الإلهية، محمد كوراني

الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور العدالة وسمو القيم الإلهية، محمد كوراني

في أفقٍ موعودٍ تسطع شمس الحضارة الإسلامية المستقبلية، حيث يُبعث النور المحمدي في قلوب البشرية، وترتفع راية العدالة الإلهية على أركان الأرض. إنها حضارة تُبنى على أساس القيم الدينية العريقة، حيث تتجلى محبة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومعرفتهم بالمقامات النورانية والولاية التكوينية، فتتحقق بذلك قيادة روحية تهدي البشرية نحو الفطرة الإلهية النقية، وتعيد للإنسان كرامته التي حاولت الأهواء المادية طمسها.

العدالة الإلهية: محور البناء الحضاري

العدل هو الميزان الذي تقام به السماوات والأرض، وهو الأساس الذي تقوم عليه الحضارة الإسلامية المشرقة. في هذه الحضارة، تسود العدالة بين الناس، ويختفي الظلم بأشكاله كافة، فلا استعباد ولا استبداد، بل يتحقق حكم الله العادل على الأرض. إن الحق والحقيقة لا يكونان مجرد شعارات، بل هما جوهر الحياة، حيث تُحترم الكرامة الإنسانية، وتُرعى حقوق الجميع وفق منهج إلهي قويم.

الإنسانية الإلهية والفطرة النقية

إنسان هذه الحضارة هو إنسان متصل بربه، متحرر من أهواء النفس ومغريات الدنيا الزائلة، يعيش وفق الفطرة السليمة التي فطره الله عليها. فلا يُقبل الظلم، ولا يُرتضى الفساد، ولا تُطلب الحياة لأجل الترف والاستهلاك، بل يكون الهدف هو السمو الروحي والتقرب إلى الله تعالى. القيادات والنخب والجماهير يرفضون القتل والإبادة والظلم، ويتبرؤون من الطمع والجشع، بل يعيشون بالكفاف والعفاف، متجنبين المنافسة السلبية التي تهدم الروابط الأخوية بين البشر.

رفض المادية المفرطة والتشبث بالحياة القيم السماوية

إن الحضارة الإسلامية المستقبلية ترفض النموذج الغربي الذي جعل اللذة والشهوة والاستهلاك غاية الحياة، بل تسعى لتهذيب الإنسان ورفع مستواه الأخلاقي والروحي، حيث يُنظر إلى الدنيا على أنها ممر لا مقر، ويكون الهدف الأساس هو الآخرة. فلا تغريهم زخارف الحياة الدنيا، ولا تشغلهم الملذات عن ذكر الله والعمل لأجله، بل يُسخرون إمكانياتهم لخدمة الحق ونشر الخير في العالم.

النموذج الحضاري الراقي: دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

لا يواجه أبناء هذه الحضارة الآخرين بالظلم أو القهر، بل بالكلمة الطيبة والدفاع عن النفس والقيم بالسلاح والقوة، والحوار العقلاني المقنع، وتقديم النموذج العملي لحياة راقية قائمة على المحبة والعدل والإحسان. إنهم دعاة سلام ورحمة، يسعون لإصلاح البشرية من خلال تقديم قدوة حسنة تجعل القلوب تهوي إليهم، فتكون دعوتهم مؤثرة، لأنهم لا يقولون إلا ما يفعلون.

النصر الإلهي والتأييد الغيبي

حين يتجسد الإيمان في الأعمال، ويبلغ الإخلاص مداه، يتنزل النصر الإلهي على هذه الأمة، فيسدد الله خطاها ويمدها بإمدادات غيبية، ويظهر فيها التأييد الإلهي والمعجزات التي تكون ثمرة التضحية والجهد والإيمان العميق. وهكذا، تتحقق وعد الله لعباده المؤمنين، ويظهر دينه على الدين كله ولو كره الظالمون.

إنها حضارة ليست كغيرها من الحضارات، إنها وعد الله لعباده الصالحين، وهي آتية لا محالة، لأنها انعكاس لمشيئته في إقامة العدل ونشر النور في أرجاء العالم.

الحضارة الإسلامية المستقبلية: إشراقة النور الإلهي على الأرض

حين تتحقق هذه الحضارة الموعودة، ستشهد البشرية تحولًا جذريًا في كل مجالات الحياة، حيث تترسخ القيم الإلهية، ويختفي الظلم والجشع والطغيان، ويتذوق الناس طعم الطمأنينة الحقيقية في ظل الحكم العادل. إنها ليست مجرد يوتوبيا خيالية، بل وعد إلهي سيتحقق حين يتهيأ الإنسان لتحمل مسؤوليته في إقامة العدل الإلهي على الأرض.

العلم في خدمة الإيمان: نهضة قائمة على القيم الإلهية

لن تكون النهضة العلمية في هذه الحضارة مجرد تقدم مادي منفصل عن الأخلاق، بل ستتخذ من العلم وسيلة لفهم سنن الله في الكون وتوظيفها في خدمة الإنسانية. ستتلاشى النزعة المادية التي حولت المعرفة إلى أداة للهيمنة والاستغلال، وسيتم توجيه العلم لتحقيق العدالة والتنمية الحقيقية، حيث تُسخر التكنولوجيا لخدمة الإنسان وليس لإفساده أو إضعاف فطرته السليمة.

ستتطور العلوم في جميع المجالات، ولكنها لن تُستخدم لتدمير البيئة، أو التحكم في مصائر الشعوب، أو نشر الفوضى كما تفعل الحضارات المادية اليوم، بل ستكون امتدادًا للنور الإلهي، قائمة على الرحمة والتكامل والتوازن. سيعمل العلماء والمفكرون من منطلق مسؤوليتهم الشرعية والأخلاقية، بحيث يكون العلم أداة لرفعة الإنسان لا لاستعباده، ولن يُنظر إلى الاكتشافات على أنها مجرد وسيلة لتحقيق الثراء والترف، بل باعتبارها أمانة يجب أن تُوظف لخدمة الصالح العام.

نظام اقتصادي قائم على الكفاف والعفاف

في ظل هذه الحضارة، ستُلغى النظم الاقتصادية الجشعة التي تقوم على الاستغلال والاحتكار والربا، وستُستبدل بنظام اقتصادي عادل، حيث يُوزع المال بطريقة متوازنة تكفل لكل فرد حاجاته الأساسية من غير إفراط ولا تفريط. لن يكون هناك مكانٌ للطمع أو الجشع أو المنافسة السلبية، بل سيعيش الناس حياةً قائمة على الاكتفاء بالقليل، والزهد في متاع الدنيا، مما يحقق التوازن بين متطلبات الجسد وأشواق الروح.

سيتم استبدال نمط الحياة الاستهلاكي الذي يعتمد على الإغراق في الشهوات والملذات بنموذج حياة بسيط ومتزن، لا يحرم الإنسان من ضرورياته، ولكنه لا يجعله عبدًا للمال أو للترف. وسيكون لهذا التحول الاقتصادي أثر عظيم في تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث لن يكون هناك فقراء معدمون ولا أغنياء مترفون يسيطرون على الثروات.

القيادة الحكيمة: رجال نورانيون يسيرون على نهج أهل البيت

القيادة في هذه الحضارة ستكون قيادة ربانية، مستنيرة بهدي أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، متصلة بالله تعالى، لا تسعى إلى التسلط أو جمع الثروات، بل إلى تحقيق العدل الإلهي على الأرض. سيكون الحاكم رمزًا للنزاهة والورع، يعمل بروح المسؤولية الإلهية، ويكون قدوة لشعبه في الزهد والتقوى، فلا يسكن القصور الفارهة، ولا يكنز الذهب والفضة، بل يكون في خدمة الناس، يقيم الحق، وينصف المظلوم، ويرعى الضعفاء.

كما ستكون الجماهير واعيةً، لا تنخدع بالدعاية والشعارات الفارغة، بل تختار قادتها بناءً على التقوى والعلم والعدل. لن يكون هناك استبداد أو دكتاتورية، لأن النظام سيكون قائمًا على مبدأ الشورى والعدل، بحيث يتحقق الحكم الرشيد الذي يحقق رضا الله ويضمن استقرار الأمة.

المجتمع المثالي: علاقات قائمة على المحبة والإخاء

في هذه الحضارة، ستُبنى العلاقات الاجتماعية على أسس المحبة والتعاون، لا على التنافس والصراع. لن يكون هناك مكان للحقد أو البغضاء أو الحسد، بل سيعيش الناس في وئام، يعين بعضهم بعضًا على الخير، ويربون أبناءهم على الفضيلة والصدق والرحمة. لن تكون هناك حروب عبثية أو صراعات لا معنى لها، لأن الجميع سيدرك أن القوة الحقيقية ليست في فرض السيطرة، بل في القدرة على نشر العدل والإحسان والعمل والجهد والانتاج فالزراعة تصبح تسلية الجميع والكسل والشطارة والنوم الزائد والاتكالية تصبح منبوذا.

كما ستتلاشى النزعات القومية والعرقية التي فرّقت الأمم وجعلت البشر يتصارعون لأسباب واهية، وسيكون معيار التفاضل هو التقوى والعمل الصالح، لا اللون أو العرق أو اللغة.

التواصل مع الآخرين: دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

لن تسعى هذه الحضارة إلى فرض نفسها بالقوة، بل ستعتمد على النموذج الحي الذي يجذب الآخرين إلى الإسلام من خلال سمو أخلاق أبنائها ورقي سلوكهم. سيكون الحوار هو الأساس في التعامل مع الآخرين، وسينطلق المسلمون برسالة السلام والدعوة بالحكمة، بحيث تُفتح القلوب قبل أن تُفتح البلاد.

لن يكون هناك إكراه في الدين، بل سيكون الإسلام نورًا يشع في القلوب من خلال عدالته ورحمته. وحين يرى الآخرون هذا النور، سيدخلون في دين الله أفواجًا، لا بالقوة، ولكن بالحب والاقتناع.

النصر الإلهي والتأييد الغيبي

وحين يكتمل هذا البناء الحضاري، ويصل الناس إلى أعلى درجات الإيمان والعدل والتضحية، سيتنزل النصر الإلهي، ويؤيد الله عباده بالمعجزات والإمدادات الغيبية، كما أيد أنبياءه وأولياءه عبر التاريخ. سيكون النصر مكافأةً لمن بذلوا الجهد وضحوا من أجل إعلاء كلمة الله، وسيتحقق الوعد الإلهي الذي بشرت به الكتب السماوية جميعها.

خاتمة: نحو مستقبل مشرق تحت راية الحق

إن الحضارة الإسلامية المستقبلية ليست مجرد حلم، بل هي وعد إلهي سيتحقق عندما يستعد المؤمنون لتحمل المسؤولية، ويزهدوا في الدنيا، ويعملوا لنشر العدل، ويقدموا نموذجًا حضاريًا راقيًا للعالم. وحين يكتمل هذا النموذج، سيؤيدهم الله بالنصر، وستنقشع ظلمات الظلم والطغيان، وسينتشر نور الله في السماوات والارضين و بين كل الكائنات الاخرى بالرحمة والعافية والرفاهية الايجابية البناءة.

 

روابط إضافية

مقالات إضافية

الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور…

الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور العدالة وسمو القيم الإلهية، محمد كوراني في…

*هل يقود ترامب أميركا نحو…

*هل يقود ترامب أميركا نحو الانحدار؟* كتب المؤلف الأميركي المعروف روبرت كابلان…

الأقتصاد في زمن الحروب

محمد كوراني، لعل كلنا مقبلون على مرحلة النزاعات الدولية و كثرة الحروب…

مقالات إضافية

الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور…

الحضارة الإسلامية المستقبلية المشرقة: نور العدالة وسمو القيم الإلهية، محمد كوراني في…

*هل يقود ترامب أميركا نحو…

*هل يقود ترامب أميركا نحو الانحدار؟* كتب المؤلف الأميركي المعروف روبرت كابلان…

الأقتصاد في زمن الحروب

محمد كوراني، لعل كلنا مقبلون على مرحلة النزاعات الدولية و كثرة الحروب…