في الحضارة المشرقة المستدامة ، القائد يكون أفضل الناس قوة و حكمة و ايمانا و عقلا والنظام الحكم والنظام الاداري يكون أفضل نظام من حيث التسلسل الاداري والنزاهة و الدقة والعمل والتأثير والالتزام، ولكن هذا لا يكفي بل الافراد و الناس والشعب يجب أن يحظى بتربية فردية و اجتماعية تناسب هذا المجتمع و هذه الحضارة ، و بطبيعة الحال يجب ان يكون غالبية الافراد والناس والشعب يحظون بصفات اخلاقية راقية و بقيم اجتماعية عالية ، نذكر منها هنا عزيمة الجهاد النفس و محاربة هوى النفس و ملكة التقوى والورع الداخلية والصبر العالي على الحوادث والبلايا و على اوامر والقوانين الحضارة المشرقة المستدامة، و يكون لكل واحد منهم عزيمة و ارادة على متابعة المصلحة والمنفعة الفردية والجماعية مع حفظ الاولويات الاجتماعية، و تغليبها على المصلحة الفردية ، يجب ان يحظى كل واحد منهم بصفات اخلاقية مثل روحية العمل الجماعي والاندفاع الداخلي والاقبال على الخير والانصاف والاخلاص وكظم الغيض والسيطرة على النفس الامارة و على الشهوات والغرائز و يكون لديه مراقبة مستمرة و مستدامة على نفسه و يكون لديه ملكة روحية و نفسية و داخلية تدعوه للخير والعدل والانصاف … ليكونوا مؤهلين لهذه الحضارة المشرقة والمستدامة … ولعل الحروب العالمية القادمة تثبت لجميع الناس ان البشر هو بنفسه سبب دمار الكون و تلوثه و خرابه ، الا اذا كان القائد معصوم عن الخطا و الاشتباه والموظفون ملتزمون بدقة بالقوانين و لديهم ملكة التقوى والورع الداخلي الشديدة على انفسهم والشعب لديهم تربية اجتماعية عالية، قد تتنافى مع الحريات الإفراطية الشيطانية التي يروج لها اليوم هنا نريد ان نتكلم عن الصفة الاخلاقية وهي السخاء والكرم والتضحية هناك صفات ضرورية في المجتمع المثالي تمهد للحضارة المشرقة المستدامة. لا يمكن تخيل حضارة مشرقة مستدامة من دون ان يكون الناس فيها متصفون بهذه الصفة و هي السخاء والكرم والتضحية لا يسعد المجتمع، ولا يتذوق حلاوة الطمأنينة والسلام، ومفاهيم الدعة والرخاء، الا باستشعار أفراده روح التعاطف والتراحم، وتجاوبهم في المشاعر والأحاسيس، في سراء الحياة وضرائها، وبذلك يغدو المجتع كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً. وللتعاطف صور زاهرة، تشع بالجمال والروعة والبهاء، ولا ريب أن أسماها شأناً، وأكثرها جمالاً وجلالاً، وأخلدها ذكراً هي: عطف الموسرين، وجودهم على البؤساء والمعوزين، بما يخفف عنهم آلام الفاقة ولوعة الحرمان. وبتحقيق هذا المبدأ الانساني النبيل (مبدأ التعاطف والتراحم) يستشعر المعوزون إزاء ذوي العطف عليهم، والمحسنين اليهم، مشاعر الصفاء والوئام والودّ، مما يسعد المجتمع، ويشيع فيه التجاوب، والتلاحم والرخاء. وبإغفاله يشقى المجتمع، وتسوده نوازع الحسد، والحقد، والبغضاء، والكيد. فينفجر عن ثورة عارمة ماحقة، تزهق النفوس، وتمحق الأموال، وتهدد الكرامات. من أجل ذلك دعت العقل الى السخاء والبذل والعطف على البؤساء والمحرومين، واستنكرت على المجتمع أن يداههم يتضورون سُغَباً وحرماناً، دون أن يتحسس بمشاعرهم، وينبري لنجدتهم وإغاثتهم. واعتبرت الموسرين القادرين والمتقاعسين عن إسعافهم أبعد الناس عن الانسانية. مجالات الكرم : تتفاوت فضيلة الكرم، بتفاوت مواطنه ومجالاته. فأسمى فضائل الكرم، وأشرف بواعثه ومجالاته، ما كان استجابة لأمر اللّه تعالى، وتنفيذاً لشرعه المُطاع، وفرائضه المقدسة، كالزكاة، والخمس، ونحوهما. وهذا هو مقياس الكرم والسخاء في عرف الشريعة الاسلامية، “من أدى ما افترض اللّه عليه، فهو أسخى الناس”. وأفضل مصاديق البر والسخاء بعد ذلك، وأجدرها – عيال الرجل وأهل بيته، فانهم فضلاً عن وجوب الانفاق عليهم، وضرورته شرعاً وعرفاً، أولى بالمعروف والاحسان، وأحق بالرعاية واللطف. وقد يشذّ بعض الأفراد عن هذا المبدأ الطبيعي الأصيل، فيغدقون نوالهم وسخاءهم على الأباعد والغرباء، طلباً للسمعة والمباهاة، ويتصفون بالشح والتقتير على أهلهم وعوائلهم، مما يجعلهم في ضنك واحتياج مريرين، وهم ألصق الناس بهم وأحناهم عليهم، وذلك من لؤم النفس، وغباء الوعي. لذلك أوصى أهل البيت عليه السلام بالعطف على العيال، والترفيه عنهم بمقتضيات العيش ولوازم الحياة: ف “ينبغي للرجل أن يوسع على عياله، لئلا يتمنوا موته”. “إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه نعمةً فليوسع على أسرائه، فان لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة”. والأرحام بعد هذا وذاك، أحق الناس بالبر، وأحراهم بالصلة والنوال، لأواصرهم الرحمية، وتساندهم في الشدائد والأزمات. ومن الخطأ الفاضح، حرمانهم من تلك العواطف، وإسباغها على الأباعد والغرباء، ويعتبر ذلك إزدراءاً صارخاً، يستثير سخطهم ونفارهم، ويحرم جافيهم من عطفهم ومساندتهم. لأن الاسرة اهم لبنة من بناء المجتمع السليم. المجتمع السليم يبني من خلال الاسرة السليمة.
وهكذا يجدر بالكريم، تقديم الأقرب الأفضل، من مستحقي الصلة والنوال: كالأصدقاء والجيران، وذوي الفضل والصلاح، فانهم أولى بالعطف من غيرهم. بواعث الكرم : وتختلف بواعث الكرم، باختلاف الكرماء، ودواعي أريحيتهم، فأسمى البواعث غاية، وأحمدها عاقبة، ما كان في سبيل اللّه، وابتغاء رضوانه، وكسب مثوبته. وقد يكون الباعث رغبة في الثناء، وكسب المحامد والأمجاد، وهنا يغدو الكريم تاجراً مساوماً بأريحيته وسخائه. وقد يكون الباعث رغبة في نفع مأمول، أو رهبة من ضرر مخوف، يحفزان على التكرم والاحسان. ويلعب الحب دوراً كبيراً في بعث المحب وتشجيعه على الأريحية والسخاء، استمالةً لمحبوبه، واستدراراً لعطفه. والجدير بالذكر أن الكرم لا يجمل وقعه، ولا تحلو ثماره، الا إذا تنزه عن المنّ، وصفي من شوائب التسويف والمطل، وخلا من مظاهر التضخيم والتنويه، كما قيل “رأيت المعروف لا يصلح الا بثلاث خصال: تصغيره، وستره، وتعجيله. فانك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه اليه. وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنيته، وإن كان غير ذلك محقته ونكدته” •الإيثاروهو: أسمى درجات الكرم، وأرفع مفاهيمه، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة، إلا الذين تحلّوا بالأريحية، وبلغوا قمة السخاء، فجادوا بالعطاء، وهم بأمسّ الحاجة اليه، وآثروا بالنوال، وهم في ضنك من الحياة. •البخل وهو: الامساك عما يحسن السخاء فيه، وهو ضد الكرم. والبخل من السجايا الذميمة، والخلال الخسيسة، الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابها الاسلام، وحذّر المسلمين منها تحذيراً رهيباً. “عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء”. البخل سجية خسيسة، وخُلق لئيم باعث على المساوئ الجمة، والأخطار الجسيمة في دنيا الانسان وأخراه. أما خطره الاُخروي: فقد أعربت عنه أقوال أهل البيت عليهم السلام ولخّصه أمير المؤمنين عليه السلام في كلمته السالفة حيث قال: “والشحيح إذا شحَّ منع الزكاة، والصدقة، وصلة الرحم، وقِرى الضيف، والنفقة في سبيل اللّه، وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح”. وأما خطره الدنيوي فإنه داعية المقت والازدراء، لدى القريب والبعيد وربما تمنى موتَ البخيل أقربُهم اليه، وأحبهم له، لحرمانه من نواله وطمعاً في تراثه. والبخيل بعد هذا أشدّ الناس عناءاً وشقاءاً، يكدح في جمع المال والثراء، ولا يستمتع به، وسرعان ما يخلفّه للوارث، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. وهكذا تختلف معائب البخل، باختلاف الأشخاص والحالات: فبخل الأغنياء أقبح من بخل الفقراء، والشحّ على العيال أو الأقرباء أو الأصدقاء أو الأضياف أبشع وأذمّ منه على غيرهم، والتقتير والتضييق في ضرورات الحياة من طعام وملابس، أسوأ منه في مجالات الترف والبذح أعاذنا اللّه من جميع صوره. علاج البخل : وحيث كان البخل من النزعات الخسيسة، والخلال الماحقة، فجدير بالعاقل علاجه ومكافحته، وإليك بعض النصائح العلاجية له: 1- أن يستعرض ما أسلفناه من محاسن الكرم، ومساوئ البخل، فذلك يخفف من سَورة البخل. وان لم يُجدِ ذلك، كان على الشحيح أن يخادع نفسه بتشويقها الى السخاء، رغبة في الثناء والسمعة، فاذا ما أنس بالبذل، وارتاح اليه، هذّب نفسه بالاخلاص، وحبب اليها البذل في سبيل اللّه عز وجل. 2- للبخل أسباب ودوافع، وعلاجه منوط بعلاجها، وبدرء الأسباب تزول المسَّببات. وأقوى دوافع الشحّ خوف الفقر، وهذا الخوف من نزغات الشيطان، وايحائه المثّبِّط عن السخاء، وقد عالج القران الكريم ذلك بأسلوبه البديع الحكيم، فقرّر: أن الامساك لا يجدي البخيل نفعاً، وإنما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً، وقرر كذلك أن ما يسديه المرء من عوارف السخاء، لاتضيع هدراً، بل تعود مخلوقة على المُسدي، وهناك فئة تعشق المال لذاته، وتهيم بحبه، دون أن تتخذه وسيلة الى سعادة دينية أو دنيوية، وإنما تجد أنسها ومتعتها في اكتناز المال فحسب، ومن ثم تبخل به أشد البخل. وهذا هوَس نفسي، يُشقي أربابه، ويوردهم المهالك، ليس المال غاية، وإنما هو ذريعة لمآرب المعاش أو المعاد، فاذا انتفت الذريعتان غدا المال تافهاً عديم النفع. وكيف يكدح المرء في جمع المال واكتنازه؟! ثم سرعان ما يغنمه الوارث، ويتمتع به، فيكون له المهنى وللمورث الوزر والعناء. المجالات التي يشملها الكرم والجود والعطاء متنوعة وكثيرة فمنها: ١ – (العطاء من المال من كل ما يمتلك الإنسان من أشياء ينتفع بها، كالذهب والفضة، والخيل، والأنعام، والحرث، وكل مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، أو يؤوي إليه، وكل آلة أو سبب أو وسيلة ينتفع بها، وكل ما يتداوى به أو يقي ضراً أو يدفع بأساً، إلى غير ذلك من أشياء يصعب إحصاؤها.
٢ – ومنها العطاء من العلم والمعرفة، وفي هذا المجال من يحبون العطاء، وفيه بخلاء ممسكون ضنينون، والمعطاء في هذا المجال هو الذي لا يدخر عنده علماً ولا معرفة عمن يحسن الانتفاع بذلك، والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ينفق منها لمستحقيها، ضناً بها ورغبة بالاستئثار. ٣ – ومنها عطاء النصيحة، فالإنسان الجواد كريم النفس لا يبخل على أخيه الإنسان بأي نصيحة تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نصحه الذي نفعه مبتغياً به وجه الله تعالى. ٤ – ومنها العطاء من النفس، فالجود يعطي من جاهه، ويعطي من عطفه وحنانه، ويعطي من حلو كلامه وابتسامته وطلاقة وجهه، ويعطي من وقته وراحته، ويعطي من سمعه وإصغائه، ويعطي من حبه ورحمته، ويعطي من دعائه وشفاعته، وهكذا إلى سائر صور العطاء من النفس. ٥ – ومنها العطاء من طاقات الجسد وقواه، فالجواد يعطي من معونته، ويعطي من خدماته، ويعطي من جهده، فيعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يحمل له عليها، ويميط الأذى عن طريق الناس وعن المرافق العامة، ويأخذ بيد العاجز حتى يجتاز به إلى مكان سلامته، ويمشي في مصالح الناس، ويتعب في مساعدتهم، ويسهر من أجل معونتهم، ومن أجل خدمتهم، وهكذا إلى سائر صور العطاء من الجسد. ٦ – ويرتقي العطاء حتى يصل على مستوى التضحية بالحياة كلها: كالمجاهد المقاتل في سبيل الله يجود بحياته لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ابتغاء مرضاة ربه، والذي يؤثر أخاه بشربة الماء، وهو على وشك الهلاك، لينقذ أخاه من الموت، يضحي ويجود بحياته من أجل غيره) نتيجة البحث؛ قلنا بأن في الحضارة المشرقة المستدامة، لا يكفي بأن القائد يكون أفضل الناس قوة و حكمة و ايمانا و عقلا والنظام الحكم والنظام الاداري يكون أفضل نظام من حيث التسلسل الاداري والنزاهة و الدقة والعمل والتأثير والالتزام، بل الافراد و الناس والشعب يجب أن يحظى بتربية فردية و اجتماعية تناسب هذا المجتمع و هذه الحضارة، و يجب ان يكون غالبية الافراد والناس والشعب يحظون بصفات اخلاقية راقية و بقيم اجتماعية عالية ليكونوا مؤهلين لهذه الحضارة المشرقة والمستدامة و من أهم هذه الصفات السخاء والكرم والتضحية