فشل علم النفس في تحقيق الشفاء الجذري: دراسة في أسباب استمرار الملوثات النفسية بعد العلاج
مقدمة
العلاج النفسي يُعَدُّ أحد أهم الوسائل لتحسين الصحة النفسية وتقليل معاناة المرضى، إلا أن تجارب عملية وأبحاثًا عديدة أظهرت أن الكثير من المرضى لا يحققون شفاءً جذريًا، إذ تعود الملوثات النفسية والمسببات إلى الظهور، مما يُبقيهم في دائرة مستمرة من الاضطرابات النفسية.
يهدف هذا المقال إلى تحليل أسباب هذا الفشل، مع تقديم أمثلة تطبيقية واقتراحات بناء على مراجع علمية.
1. التركيز على الأعراض دون معالجة الجذور
السبب:
العديد من العلاجات النفسية التقليدية، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، تركز على تعديل الأفكار والسلوكيات التي تظهر أعراض المرض، لكنها غالبًا لا تصل إلى جذور المشكلة كالصراعات العميقة أو الجوانب الروحية.
المثال التطبيقي:
مرضى اضطراب القلق العام أو الاكتئاب الذين خضعوا لـ CBT غالبًا ما يظهرون تحسنًا مؤقتًا، لكن الدراسات تشير إلى عودة الأعراض خلال 6-12 شهرًا في نسبة تتراوح بين 40-60% منهم (Hollon et al., 2005).
2. تجاهل البعد الروحي وتأثيره على الصحة النفسية
السبب:
العديد من الأمراض النفسية تنبع من أزمات روحية أو فقدان المعنى في الحياة. غياب هذا البُعد في العلاج يؤدي إلى استمرار المعاناة النفسية.
المثال التطبيقي:
دراسة عن تأثير التوجه الروحي على مرضى الاكتئاب أظهرت أن الذين يمارسون العبادات ويجدون معنى روحيًا يعانون من أعراض أقل حدة (Koenig, 2012).
3. البيئة النفسية والاجتماعية غير المعدلة
السبب:
المريض يعود إلى نفس المحفزات والملوثات التي أدت إلى المرض، مثل الضغوط الاجتماعية أو العلاقات السامة، مما يعيد إنتاج الأعراض.
المثال التطبيقي:
مرضى اضطرابات ما بعد الصدمة الذين لم يخضعوا لتغيير بيئتهم أو تلقي دعم اجتماعي مستدام كانوا أكثر عرضة للانتكاس (Brewin et al., 2000).
4. غياب مراعاة الفطرة والاختلافات الفردية والثقافية
السبب:
استخدام أساليب علاجية معيارية بدون تكييفها مع الفروق الفردية والثقافية يؤدي إلى ضعف النتائج.
المثال التطبيقي:
تطبيق العلاجات النفسية الغربية على مجتمعات شرقية دون تعديلها أدى إلى ضعف الالتزام بالجلسات وعدم فعالية العلاج (Sue & Sue, 2016).
5. الفرق بين التوازن الظاهري والراحة النفسية الحقيقية
السبب:
العلاج قد يجعل المريض يظهر متزنًا اجتماعيًا، لكنه لا يعالج الصراعات الداخلية العميقة، ما يؤدي إلى استمرار العذاب النفسي.
المثال التطبيقي:
تقارير حالات علاجية في مراكز نفسية عديدة تشير إلى أن المرضى يتحسنون وظيفيًا، لكنهم يعانون من معاناة داخلية مستمرة مثل القلق والفراغ الداخلي (Wampold, 2015).
خاتمة : إن الفشل في تحقيق شفاء جذري في العديد من الحالات يعود إلى قصر نظر العلاج النفسي الحديث في التعامل مع الأبعاد الروحية، عدم تعديل البيئة الاجتماعية، وتجاهل الفروقات الفردية والثقافية.
ينبغي تطوير مناهج علاجية شاملة تجمع بين العلاج النفسي والعلاج الروحي والاجتماعي، مع مراعاة خصوصيات الفرد ومحيطه.
مراجع علمية
Brewin, C. R., Andrews, B., & Valentine, J. D. (2000). Meta-analysis of risk factors for posttraumatic stress disorder in trauma-exposed adults. Journal of consulting and clinical psychology, 68(5), 748.
Hollon, S. D., Stewart, M. O., & Strunk, D. (2005). Enduring effects for cognitive behavior therapy in the treatment of depression and anxiety. Annual review of psychology, 56, 285-315.
Koenig, H. G. (2012). Religion, spirituality, and health: The research and clinical implications. ISRN psychiatry, 2012.
Sue, D. W., & Sue, D. (2016). Counseling the culturally diverse: Theory and practice. John Wiley & Sons.
Wampold, B. E. (2015). How important are the common factors in psychotherapy? An update. World psychiatry, 14(3), 270-277.