فقد جرت العادة في كثيرٍ من كتبنا و مناهجنا عند تقسيم العلوم والمعارف أن يتم تصنيف العلوم التربوية بمختلف فروعها وميادينها ضمن قسم العلوم الإنسانية التي جاءت تسميتُها بهذا الاسم ترجمةً لكلمة Humanities الإنجليزية ؛ ومعلوم أن العلوم الإنسانية مصطلح غربي يُقصد به مجموعة العلوم التي تهتم بدراسة الإنسان ، وتُعنى بكل شؤونه فهي بذلك تستمد مصادرها ، وتستقي مناهجها من فكر الإنسان ، وتجاربه ، و خبراته ، ومجريات حياته ، وتعتمد على ذلك اعتماداً كُلـيًّا .
وبناءً على هذا التعريف فإن العلوم الإنسانية مثل : (علم التربية ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الاقتصاد ، وعلم التاريخ ، … إلخ ) ؛ تختلف اختلافاً كُليًّا وجذريًّا عن تلك العلوم الإلهية الشرعية التي تعتمد مصادرها ، و تُبنى مناهجها ، وتُستمد توجيهاتها من الوحي الإلهي والتشريع الرباني الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وانطلاقاً من كون التربية الإسلامية -كما هو شائع عند الجميع -أحد فروع العلوم التربوية التي تُعنى بدراسة أصول هذه التربية ، وتاريخها ، وفكرها ، وأهدافها ، ومناهجها ، وأساليبها ،…إلخ من وجهة النظر الإسلامية ؛ فإنها في -حقيقة الأمر -تختلف اختلافاً جوهرياً عن بقية تلك العلوم التربوية فهي لا تنتمي إلى العلوم الإنسانية انتماءً كليًّا ؛ ولا يمكن القول بأنها تنضوي تحت لوائها بصورةٍ كليةٍ ومباشرةٍ لأنها علمٌ ثنائي المصدر حيث تعتمد في المقام الأول على الوحي الإلهي المتمثل في كتاب الله العظيم القرآن الكريم ، وسُنة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم قوليةً كانت ، او فعليةً ، أو تقريريةً . فهي بذلك إلاهية المصدر في المقام الأول وهو ما يُعبر عنه بالمصادر الرئيسية للتربية الإسلامية .
كما أنها تُفيد كثيراً من مصدرٍ آخرٍ يُعد مصدراً فرعياً يشتمل على القسمين التاليين :
(أ) تراث ومنهج السلف الصالح المتمثل في مجموع أفكار ، واجتهادات ، وآراء الفقهاء ، و العُلماء ، والمفكرين والمربين المسلمين ، التي لها علاقة بالمجال التربوي عبر العصور الإسلامية المختلفة .
(ب) الصالح من الفكر التربوي المُعاصر والمُستجد : ويُقصد بذلك مجموع الدراسات والأبحاث والملاحظات العلمية والطروحات الفكرية التربوية المُعاصرة التي يُمكن الإفادة منها في مختلف القضايا والمشكلات التربوية ، مع مراعاة أن تتم الإفادة من الجانب الإيجابي فيها ، والذي لا يتعارض بأي حالٍ مع ثوابتنا الشرعية وتعاليم ديننا السمحة .
فهي بذلك إنسانية أو بشرية المصدر في المقام الثاني وهو ما يُعبر عنه بالمصادر الفرعية للتربية الإسلامية .
وبذلك يمكن القول : إن تصنيف علم التربية الإسلامية ضمن العلوم التربوية التابعة للعلوم الإنسانية والاجتماعية تصنيفٌ غير صحيح أبداً ؛ ولا يتفق بحالٍ من الأحوال مع الواقع ، الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن علم التربية الإسلامية ليس علماً أُحادي المصدر ؛ وإنما هو علم ثنائي المصدر ؛ فهو يجمع بين الوحي الإلهي ( في الدرجة الأولى ) ؛ وبين المعرفة البشرية ( في الدرجة الثانية ) شريطة أن تكون هذه المعرفة البشرية ( قديمةً كانت أو حديثةً ) خاضعةً تماماً لما جاء به الوحي ؛ وغير متعارضةً معه .
وهذا يعني أن من الواجب علينا جميعاً في مدارسنا ، ومعاهدنا ، وجامعاتنا ، أن نبادر إلى تصحيح كل ما له علاقةٌ بهذا الخطأ الشائع الكبير الذي انجرفنا فيه مع التيار دونما تفكيرٍ ، أو تأملٍ ، أو تبصر ؛ وأن نعيد النظر في مناهجنا التعليمية ، وما تشتمل عليه من مفردات ، وموضوعات ، ومواد تعليمية هي في حاجةٍ ماسةٍ جداً إلى إعادة النظر ، والمراجعة ، والتصحيح ، و التنقيح ؛حتى تبقى لتربيتنا الإسلامية هويتها المميزة ، وخصوصيتها المصدرية التي تميزها عن غيرها من العلوم الأخرى .
وفق الله الجميع لما فيه الخير و السداد ، و الهداية و الرشاد ، و الحمد لله رب العباد.