لا شك في أن القضية الأساس عندنا, أن تكون كلمة الله هي العليا ولايتحقق ذلك الا عند الثأر لدم المقتول بكربلاء, والتي هي بدورها لا تتحقق الا بظهور حقيقة قيام الحجة (عج) ودولة الحق وهي المقصودة ب(والله متم نوره ولو كره الكافرون). فنحن نؤمن بأن دولة الحق تؤدي إلى الحضارة الإسلامية الحقيقية والمثالية والتي هي مختلفة عن كل الحضارات التي شهدها العالم. والحضارة حتى تكون حضارة يجب أن تمتد ألف عام على الأقل، لذلك البعض يقول بأن الحضارة الغربية لم تكتمل امتحاناتها وإختباراتها لنسميها حضارة! فكان من الجدير أن نتعرف على الحضارة الإسلامية… إذا أردنا تعريف الحضارة فذلك يتم إما بوصفها أو بوصف العلوم فيها. وصف الحضارات بأوصافها المثالية، تدخلنا في عالم الخيال والمجاز ولعل في عالم الأدب والسرد الأدبي وربما في الإدعاءات المتبادلة، أما وصف الحضارة بوصف العلوم فيها أمر واقعي لإنه يدل على الطرق والمسير الذي نسير فيه بتطور الأشخاص و بتطور المجتمع حتى نصل في النهاية إلى المقصد. لذلك هناك علاقة وثيقة بين الحضارة الإسلامية المثالية وبين وصف العلوم الإنسانية من حصر الحضارة ومن هذا المنطلق دخلنا في موضوع “العلوم الإنسانية الإسلامية” بعيداً عن الجدليات بشأن إمكانية أسلمة العلوم الانسانية أو أدلجتها أو تطعيمها أو روحنتها أو تأصيلها الثقافي وهلم جرى من المصطلحات، يجب أن تبقى العلوم الإنسانية في خدمة الإنسان والأنسانية. والإنسانية هي كل شيء يميزنا كبشر عن الحيوانات. فنقصد من الإسلامية في مفهموم العلوم الإنسانية الإسلامية هو كل المعايير وآليات العمل التي تبقي هذه العلوم في إطارها الإنساني وفي خدمة الإنسان والإنسانية. كما للعلوم الاخرى متخصصين وعلماء، لا يسمحون للآخرين التدخل في كيانهم, وللدين علماء و عرفاء مراجع وواصلون يجدون العلم غير قادر عن الخروج عن عالم المادة، فلذلك “علاقة العلم والدين” موضوع تخصصي ومعقد و قد يجده البعض مستحيل لذلك يلجأ هذا البعض الى مصطلحات مثل التطعيم والتأصيل الديني والثقافي هروبا من هذا الواقع، لكن إذا صرّح العالم بالعلوم العلمية فكرة دينية علمية لا تتعارض مع مبادئ الدين و لم يحكم عليها علماء الدين بأنها متعارضة ولو كانت غير متعارفة فتصبح فكرة “علمية – دينية”، و كذلك علماء الدين اذا قدموا فكرة علمية لا تتعارض مع مبادئ العلم، و لم يستطع علماء الاختصاص أن يعتبروها متعارضة مع مبادئهم الاساسية، فهي تصبح فكرة “دينية – علمية”. عند استشارة بعض العلماء والعرفاء الذين قدموا لنا بعض المفاهيم الدينية غير المتعارضة مع العلم نصحونا بضرورة الاهتمام بعدة معايير فكرية وعدة مفاهيم دينية – علمية، لتبقى العلوم الانسانية علوما في خدمة الإنسان والإنسانية ولا شك أن ليس هناك عالم يعارض هذه الفكرة ، وهذه الآليات لكي لاتنحرف و لا تنجرف هذه العلوم لما يضر البشرية و تنزله لمستوى الحيوانية، وصولا الى الحضارة الاسلامية العلمية.. ما حاجتنا لتبيين الحضارة الاسلامية العلمية؟ الغاية والهدف هي دائما تحفيز وتحريك البشرية للجهد وبذل التضحية والنشاط والعمل، و من هذا المنطلق نجد بأن “استمرارية المقاومة” و استمرارية نهج المقاومة في ما وراء حدود المذهب، و حدود الدين وحدود الوطن وثغور الشعوب، مرتبطة بشكل وثيق في تبيين الحضارة الإسلامية، بعيدا عن المسائل الخلافية في الأديان والمذاهب: – اولا : على العدو أن يعرف على ماذا نقاتلهم؟ – ثانيا : الصديق والحليف والرفيق والمناضل والمجاهد يجب أن يعرف إلى ما نطمح؟ لذلك تتكرر وصف الجنة والنار والحور والنور والحسان في القرآن الكريم لأنها ثمن الجهد ومحرك للعمل و باعث للدوافع فتذكروا يا أولى الألباب. ومن هذا المنطلق لا يمكن تحفيز النفوس وتحريك الدوافع البشرية من مختلف المناهل والمذاهب والطوائف، للمقاومة والجهاد والتضحية والثورة الا من خلال وصف الحضارة الإسلامية المثالية بالعلوم الإنسانية الإلهية و أن لدى هذه المدرسة والمنهج مشروعا حضارياً كبيرا ينطلق من الثورة والمقاومة والجهاد لكي يصل الى حضارة علمية متكاملة متطورة إنسانية، مثالية… وصفنا للعلوم الإنسانية الإسلامية يجب أن يوضح للقاصي والداني وللمؤمن وغير المؤمن، أسباب فشل جميع الحضارات بما فيها الحضارة الغربية المتوحشة، التي سقطت في إمتحان الإنسانية بعد مجيء هتلر و ترامب وقبلهم. كما إنه يجب أن يوضح للمؤمن وغير المؤمن أسباب فشل ظهور نتائج الإسلام الحقيقي بين الأمة الإسلامية خلال ألف عام من الحكم و تداول السلطة بين الأمويين والعباسيين والعثمانيين والمماليك و النهضة العلمانية في البلاد الإسلامية .