«مرحلة الهيمنة الإلكترونية — ثمّ الهيمنة الكمومية: نحو نظام مراقبةٍ شاملٍ بلا مهرب؟»
محمد كوراني
ملخّص: أنتجت تطورات السنوات الأخيرة أن العالم يدخل عصرًا يتكامل فيه التحكم الرقمي، الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الكم والبيوتكنولوجيا لتشكيل منظومة هيمنةٍ جديدة قادرة على الإحاطة بكلّ أبعاد الحياة — من التعليم والدعاية إلى اتخاذ القرار والتحكّم الحيوي. هذه المقالة تعرض الأدلة العلمية والسياسية الداعمة للاحتمال، توضيح آليات العمل، وتقييم المخاطر الأخلاقية والاجتماعية، مع خاتمة روحانية ترى أنّ خلاص الحرية لا يتحقق إلّا بتحوّل روحي وقيادةٍ ترتبط بالله.
1. دليل التحوّل: من الرقمي إلى الكمّي
أ — الهيمنة الرقمية قائمة الآن: تحوّل نمط الأعمال وسياسات الدول باتجاه اقتصاد البيانات والمراقبة؛ الأدب الأكاديمي والبحثي يتحدث عن «رأسمالية المراقبة» حيث تُجمع بيانات الأفراد وتحول إلى أدواتٍ للسيطرة الاقتصادية والاجتماعية. هذه الظاهرة موثَّقة ومحلّ نقاش نقدي واسع.
ب — التحول الكمّي يسرّع المشهد: بحوث حكومية واستراتيجية تشير إلى أن تطبيقات تقنيات الكم — الاستشعار الكمّي، الحوسبة الكمومية، والاتصالات الكمومية — ستُعزّز قدرات المراقبة والدقّةّ في الكشف والتعقّب، كما قد تُقوّي منصّات تشفيرٍ تساعد أو تحجب النفوذ على نطاقٍ عالمي. المؤسسات البحثية الاستراتيجية تضع هذه التطبيقات في صدارة أولويات الأمن القومي.
ج — البيوتكنولوجيا كعنصر تكميلي: التقدّم في التعديل الجيني وأدوات البيولوجيا التركيبية يُحوّل المسألة إلى ما هو أبعد من الرقمي؛ إذ تُصبح هناك إمكانية للتدخّل في البيولوجيا البشرية أو البيئية بطرقٍ تحمل آثارًا سياسية واجتماعية كبيرة إن أُسيئ توظيفها. تقارير علمية تُحذّر من مخاطر «الاستعمال المزدوج» لهذه التقنيات.
2. كيف تُترجم هذه التقنيات إلى «هيمنة مطلقة»؟
التحكّم بالمعلومات والدعاية: منصّات الذكاء الاصطناعي تحلل سلوك الملايين لتهيئة رسائلٍ مخصّصة تغيّر التفضيلات والسلوكيات. عند السيطرة على شبكات الإعلام والتعليم، تُصبح إعادة تشكيل الوعي وسلوك الجماهير قيد التنفيذ بآليات خفيّة.
أنظمة اتخاذ القرار المُؤتمَتة: الحكومات والشركات تتّجه لاستخدام نظم اتّخاذ قرارٍ آلي في الرعاية الصحية، القروض، التوظيف، والأمن. دمج هذه النظم مع بنى بياناتٍ مركزية يمنح أصحاب المنصّات قدرةً فعلية على «السماح» أو «المنع» للحياة اليومية لمواقعٍ ضخمة من الناس.
المراقبة الشاملة المدعومة بالكمّ: حسّاسات كمومية واستشعار متقدّم يمكن أن تخلق شبكات رصد دقيقة جدًّا (حركة، إشارة، حتى استدلالات فيزيولوجية) يصعب إخفاؤها أو التملّص منها، ما يجعل مقاومة النظام صعبة تقنيًا إن امتلكت جهةٌ واحدةُ بنيةً كهذه.
التحكم الحيوي/البيولوجي: في سيناريوهات أقصى التطرف، التداخل بين التحكم الرقمي والبيوتكنولوجيا قد يمكّن من إدارة خصائصٍ صحّية أو غذائية أو بيئية بطرقٍ تجعل الاعتماد على الدولة أو المنظومة التقنية ضرورياً للبقاء والازدهار — وهذا يفتح أفقًا لما يمكن وصفه بنظام قسري للمقاييس الحيوية.
3. أمثلة واقعية ووقائع سياسية
دول ونظم اتجهت بالفعل إلى بنيات المراقبة الرقمية الشاملة، مع تجاربٍ في تقييم السلوك الاجتماعي والاقتصادي، وتوظيفها في قمع المعارضة أو إدارة المجتمع. تقارير من منظمات دولية تُظهر نماذجَ لتطبيقات «الرقابة الرقمية» كأداةٍ سياسية.
سباق الدول الكبرى لتطوير تقنيات الكمِّ جعل من امتلاك «شبكة كمومية متقدّمة» طريقًا محتملاً للهيمنة التكنولوجية — وهو نوع جديد من القوة الاستراتيجية لا يقلّ أهمية عن السيطرة على موارد مادية تقليدية.
4. المخاطر الأخلاقية والاجتماعية والسياسية
فقدان الخصوصية وحرّيّة التفكير: تحويل البيانات إلى أدوات تلاعبٍ يجعل عملية تكوين الرأي العام عرضةً للاستغلال المنهجي.
تركيز القوة: من يملك بنيات البيانات، الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الكم قد يفرض قواعده الاقتصادية والاجتماعية على الآخرين.
أخطار بيوأخلاقية: استغلال أدوات التعديل الجيني أو التحكم البيئي من دون رقابة دولية قد يقدّم أدوات ضغطٍ لا تُقاس بعقود سابقة.
كل هذه مخاطرٌ حقيقية ومُسجّلة في تحليلات سياساتية وعلمية حديثة.
5. المنهج البديل: الحاكم الروحي والقيادة الإيمانية
فكرةً أساسية: أنّ تحوّل الهيمنة التقنية إلى نظامٍ لا يترك للإنسان نفسًا أو حريةً إلا إذا قادته سلطةٌ روحانية أخلاقية عليا — «حاكم من جنس الملاك» مرتبطٌ بالله، متجاوزٌ لشهواته، مرشَدٌ بمقوّمات إيمانية أخلاقية والعرفانية العليا. من منظورٍ أخلاقي وفكري، هذا الطرح يطرح خيارين عمليين: إما تقوية مؤسسات مدنية وقانونية تحمي الحرّيات، أو بناء قيادةٍ روحية أخلاقية تحمي المجتمع من الانحراف التقني. كلا الخيارين يتطلّبان وعيًا جماعيًا وتحصينًا ثقافيًا وروحيًا.
رفض القمع الآلي من منطلق ديني ووطني
بناءً على المعطيات العلمية والسياسية، فإنّ إمكانية نشوء منظومة هيمنة إلكترونية — وثم هيمنة كمومية — قائمة فعلاً كمخاطر استراتيجية ووجودية. من منطلق ديني ووطني، لا يمكن للمسلمين الأحرار، وخاصة الشيعة الحسينيين الذين تستند مقاومتهم الروحية إلى قيمٍ عميقة، أن يقبلوا بنظامٍ يُغلق عليهم أبواب الحرية ويجعل حياتهم مرهونةً بإذن سلطةٍ تقنية واحدة. كما ذكرت الآية المباركة: «وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» (النساء: 141) — هذه الآية تُستخدم هنا كحجة قِيَمِيّة على رفض الاستلاب والتسلّط الظالِم.
ملاحظات ختامية ومراجع مختارة
هذه المقالة تستند إلى تقارير وأبحاث سياساتية وعلمية عن تطور تقنيات الكم، الرقابة الرقمية، والبيوتكنولوجيا: تقارير ومعاهد أبحاث دولية وتحليلات حول «رأسمالية المراقبة»، أبحاث SIPRI وUNIDIR حول الأبعاد العسكرية للكمّ، وتقارير عن مخاطر التعديل الجيني. للمطالعة المعمّقة: تقرأ أعمال Shoshana Zuboff حول «رأسمالية المراقبة»؛ تقارير SIPRI/UNIDIR وملخصات تحليلية للحكومات حول تقنيات الكم؛ ومراجعات علمية عن مخاطر CRISPR والـgene drives.
#حضارة_إسلامية_مستقبلية_مشرقة
https://t.me/M_Civilization #Merciful_Dignified_Civilization
#حضارة_الرحمة