“نهايةُ التاريخ” و”صراعُ الحضارات” و”حوارُ الحضارات” ثلاثُ نظريات رئيسة في الدّراسة الحضارية تمثّل اتجاهات في فهم طبيعة العلاقات القائمة بين الحضارات وتفاعلها فيما بينها. ولا يعنينا تصنيفُ رؤيته لمفهوم الحضارة وإلحاقُها بإحدى تلك النظريات المشهورة لما فيه من مجازفةٍ علميةٍ؛ حيث يحتاج ترسيمُ حدودِ كلٍّ من هذه النظريات إلى بحثٍ تفصيلي، قبل نسبة رأيٍ إليها. على كلِّ حال، يمكن أن تُستفاد خطوطٌ عريضة في رؤيته لما ينبغي أن تكونَ عليه العلاقةُ بين الحضارات، فيُقال إنّ الإسلام دينُ الحوار وقبول التّعدّدية واحترام الآخر وهويته ضمن معايير الإنسانية والحقوق والحكمة والموعظة الحسنة،لذلك تفتح الحضارةُ الإسلامية باب الحوار والبحث والنّقاش ، ومرجعُ ذلك إلى الثّقة بالإسلامِ وتعاليمِه وقيمه والإيمانِ بقدرة الحضارة الإسلامية على التّعبير عن نفسها وهويتها وإثبات أحقيتها في إزاء الحضارات الأخرى ؛ وهذا الفهمُ لتفاعل الحضارة الإسلامية مع غيرها لا يلائم نظريةَ صراع الحضارات بما تتضمّنه من عداءٍ وتكريسٍ لمبدأ القوة والهيمنة والعنف والاستكبار. على أنّ موقفَ الحضارة الإسلامية في الصّراع -لو فُرض عليها – موقفُ القويِّ الواثقِ المستعدِّ للمواجهة والدّفاع بما يضمن تحقيقَ الانتصارِ الحضاري، من فكرٍ وقوةٍ وطاقاتٍ وثروات ، وليس أدلَّ على ذلك من المنجزات الضخمة التي حققتها الجمهورية الإسلامية، خلال أربعينيتها الأولى ، رغم العداء الغربي والحشد العالمي في سبيل خنقِها وإضعافِها . هكذا يرى معيار تفاعل الحضارات فيما بينها، أما الموقع الفعلي لمشروع الحضارة الإسلامية، رغم عدم اكتماله، فإنّ القائدَ يراه قد احتلّ، نتيجةَ الفكر والتضحيات والعمل الدؤوب والتزام قيمِ الإسلام الأصيل، مقعداً في القطبية العالمية ، فصارت أكثرَ ما يرعب الاستكبارَ العالمي ويهدّدُ حضارتَه المنهكة . المستقبلُ مشخّصٌ واضحُ المعالم، قد بانت بشائرُه وعُلمت خواتيمه؛ إنّما المستقبل للإسلام وهذه أعلامُ “الحضارة الإسلامية الحديثة” قد لاحت في أفق البشرية ومن خلفها شمسُ آخرِ الزمان وربيعُ خاتمةِ التّاريخ، صاحبُ حضارة الخلافة الإلهية،