لبنان: حقل الألغام نحو التسوية القادمة، محمد كوراني

لبنان: حقل الألغام نحو التسوية القادمة، محمد كوراني

يمرّ الشيعة في لبنان اليوم في مسار بالغ التعقيد، أشبه بعبورٍ دقيق بين ألغام السياسة والحرب، حيث الخطأ الواحد قد يكون قاتلًا. عليهم أن يثبتوا أمام العالم، وخصوصًا أمام عدوّهم، أنّهم انتقلوا من مرحلة الكفاح المسلح المباشر إلى مرحلة الدفاع الصامت، مع الاحتفاظ بكامل عناصر القوة والردع. هذه الرسالة ليست ترفًا، بل شرطًا ضروريًا ليدرك العدو أنّ الانسحاب من نقاط الخمس المحتلة، ووقف الاغتيالات والاستهدافات، ليس هزيمة له، بل خطوة في مصلحة الجميع.

لكن هذه المعادلة لا تكتمل دون التمسّك بالسلاح، لأنّ التجربة القريبة والبعيدة تؤكد أنّ الخطر التكفيري في الجوار لم ينتهِ، وأنّ أيّ تهاون قد يفتح باب الإبادة الشيعية على مصراعيه. وفي الوقت نفسه، على الشيعة أن ينجحوا في إرضاء الرئيس جوزيف عون، بما يتيح تمرير الترتيبات الاقتصادية وتسهيل شؤون الدولة، في ظل الانهيار المتسارع و فقدان الميزانيات.

 

يبقى عنصر الدعم السياسي الإيراني ركيزة أساسية، إذ إنّ هذا الدعم اليوم ليس بالمال والسلاح، بل يظهر على طاولة المفاوضات الدولية حيث تتقاطع المصالح الدولية وتُعقد الصفقات العالمية. هنا، يصبح الحفاظ على هيبة الجيش أمرًا جوهريًا، ليس فقط لضمان تماسك البلد، بل لتجنّب الانزلاق نحو فوضى يستفيد منها الخصوم.

وفي لعبة الوقت، على الشيعة أن يقبلوا دفع ثمن جزئي عبر التخلي عن بعض الصلاحيات أو الامتيازات، لتخفيف الضغط الدولي وشراء الوقت اللازم، بانتظار تحوّل موازين القوى في المرحلة الثانية من الصراعات العالمية. حينها، ومع انشغال الولايات المتحدة وصقور واشنطن — وربما ترامب نفسه — بجبهات أكبر، سيتنفس الجنوب اللبناني شيئًا من الحرية، حتى ولو بقي الحصار الاقتصادي قائمًا.

هذا الطريق ليس مفروشًا بالورود، بل محفوفًا بالألغام التي تتطلّب يقظة دائمة وحسن تقدير في كل خطوة. فالمعركة اليوم لم تعد معركة الرصاصة، بل معركة البقاء في قلب توازنات إقليمية ودولية معقّدة، حتى يحين موعد جولة الحسابات الكبرى ولا شك ان النصر يبقى حليفنا بحسب الوعد الالهي وليس وعد الاشخاص، والمعركة ليس معركة البقاء في المنطقة بل معركة تثبيت الحضور في العالم كله.

 

جبل عامل

إنّ الشيعة في لبنان اليوم لا يقفون على هامش التاريخ، بل هم في قلب عاصفته. كل خطوة يخطونها محسوبة بدقة، وكل كلمة أو موقف قد يغيّر مصير جيل كامل. لقد علّمتهم التجارب أن البقاء للأذكى والأكثر صبرًا، لا للأقوى فقط. لذلك، فهم يعبرون هذا الحقل المزروع بالألغام بثبات، وعيونهم على أفق أبعد من الأزمة الراهنة.

إنّها معركة البقاء حتى يحين زمن النهوض، زمن تتبدّل فيه الموازين الدولية، وتُرفع عن الجنوب قبضة الحصار، ويعود الأذان يختلط بزقزقة العصافير فوق الحقول، لا بأصوات الطائرات المسيّرة. إلى ذلك الحين، سيبقون كما كانوا: أوفياء لأرضهم، متمسكين بحقّهم، متيقّظين لكل مؤامرة الغربية، متسلحين بالإيمان بالله واهل البيت عليهم السلام قبل البندقية والصواريخ.

العلوم الإنسانية الإسلامية

روابط إضافية

مقالات إضافية

باطن الارض أفضل من ظاهرها،…

*بَاطِنُ الأَرْضِ أَفْضَلُ مِن ظَاهِرِهَا* محمد كوراني في زمنِ العواصفِ الجيوسياسيةِ العاتيةِ،…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ نحو الكمال لا نحو الغرق* يُخطئ كثيرٌ…

الاثرياء يبنون ملاجئ لهم

المليارديرات حول العالم يبنون ملاجئ تحت الأرض لأنفسهم بشكل جماعي. • زوكربيرغ…

مقالات إضافية

باطن الارض أفضل من ظاهرها،…

*بَاطِنُ الأَرْضِ أَفْضَلُ مِن ظَاهِرِهَا* محمد كوراني في زمنِ العواصفِ الجيوسياسيةِ العاتيةِ،…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ نحو الكمال لا نحو الغرق* يُخطئ كثيرٌ…

الاثرياء يبنون ملاجئ لهم

المليارديرات حول العالم يبنون ملاجئ تحت الأرض لأنفسهم بشكل جماعي. • زوكربيرغ…