كيف تتحول ثورات «المظلومين» والمستضعفين إلى أحزاب النخب والأغنياء؟
الحركات الجماهيرية والأحزاب مثل الثورة الفرنسية، أحزاب التحرر في العالم العربي، أو حتى تجارب أمريكا اللاتينية التي تولد من ألم الفئات المهمشة تحمل طاقة هائلة في بداياتها: شرعية شعبية، حماسة، رغبة في تغيير جذري. لكن تلك الطاقة إما تُحافظ عليها بمؤسسات قوية ورقابة داخلية، أو تُستغل لتكوّن كيانات قابلة للاستحواذ.
التحوّل لا يحدث دفعة واحدة بل هو عملية تراكمية تتداخل فيها عناصر مؤسسية واقتصادية وثقافية وشخصية. الأهم أن أدوات الإزاحة نادرًا ما تكون مباشرة بالحديث عن الأيديولوجيا؛ بل عبر سلوكيات «عملية» تبدو شرعية أو محايدة: الكفاءة، العلاقات، الكاريزما، الإنجازات التقنية، إلخ.
خارطة الطريق: المراحل النموذجية لعملية الاستحواذ على الحركة
المرحلة المؤسِّسة (ولادة الحركة / الحزب)
قادة جذريون من البيئات المهمشة يخلقون شبكة أولية تعتمد على الثقة المتبادلة والتجارب المشتركة.
غياب أطر إدارية واضحة؛ التماسك يعتمد على الاحتدام الوجداني والأهداف المشتركة.
المرحلة المتوسّطة (توسع، حاجة للاحترافية)
الحركة تبدأ بالتوسع: تحتاج إلى موارد، إدارة مالية، تعامل مع الإعلام، علاقات دبلوماسية.
يدخل عناصر «متعلمين» أو «محترفين» — مدراء برامج، مستشارون إعلاميون، مُموّلون أو داعمون اقتصاديًا.
مرحلة الاحتراف والمؤسساتنة
يتم إنشاء هياكل إدارية: لجان، موازنات، وظائف دائمة. هنا تنشأ قواعد اختيار الكفاءات (شهادات، خبرة، علاقات).
النخبة تُستعان بها لتدبير الأمور التقنية — من التمويل إلى العلاقات الدولية.
مرحلة التسيّس الداخلي (تحوّل مراكز القرار)
مع احتدام العمل الإداري والتحكّم بالموارد، تنتقل مراكز القرار من الشبكات الشعبية إلى شبكات خبراء ومانحين.
القادة الأصليون يجدون أنفسهم خارج دوائر صنع القرار بحُجج عملية: «نحتاج محترفين»، «هذا يتطلب مؤهلات».
مرحلة الاستحواذ النهائي (حكم النخب)
تُطبّق سياسات وممارسات تكرّس وجود النخب: توظيف أقارب وأصدقاء في مناصب تنفيذية، استبعاد منتقدي المسار تحت ذريعة الكفاءة أو الانضباط.
استمرار التغطية الإعلامية وبناء سرد جديد يجعل تحول القيادة يبدو «طبيعيًا» أو «ضروريًا».
الآليات العملية — كيف يترقّى النخب
1. الهيمنة على الموارد المالية
التحكم في صناديق التمويل: من يتحكّم بالمال يتحكّم بالسلطة. المانحون المؤسسيون (خارجية أو داخليّة) يفضّلون واجهات ذات مظهر احترافي.
التحويل للشركات والكيانات القانونية: تحويل أنشطة الحركة إلى شركات أو مؤسسات غير ربحية، ما يمنح النخب أدوات محاسبية وقانونية تستبعد القواعد الشعبية من الإطلاع الحقيقي.
انتقال مركز الثقل الشعبي من الارياف الى المدن.
2. الاحترافية والـ«تكنوقراطية» كمعيار للشرعية
رفع معيار الشرعية من «من وقف معنا» إلى «من يملك شهادة وخبرة».
استبعاد القادة الشعبيين بوصفهم «غير مؤهلين» لإدارة مؤسسات كبيرة أو للتعامل مع المُموّلين والشركاء.
3. شبكات العلاقات والأنساق الاجتماعية
النخب تستخدم علاقاتها الشخصية (زواج، صداقات جامعية، روابط مهنية) لملء المناصب الحيوية — ما يُعرف بـ«البطانة» أو الـ«كلاينتلزم» الراقي.
تلك الشبكات تمنح أصحابها ثقة المانحين والمؤسسات الدولية، فيُبرَّر استبدال القادة «العاطفيين» بقادة «العلاقات».
4. السيطرة على القيم الرمزية والسرد الإعلامي
إعادة صياغة خطاب الحركة: من «حقوق مستضعفين» إلى «إصلاح مؤسسي»، وهو تحول ظاهر علمي ومنطقي، لكنه يزيل أولوية مطالب القاعدة.
تسويق قادة جدد بصفتهم وجوهاً «مؤهلة» و«عصرية» عبر وسائل الإعلام، وبذلك يغيّبون الوجوه الأصلية عن الساحة.
5. إدخال آليات قانونية وإجرائية محايدة الظاهر
تعديل الأنظمة الداخلية: وضع شروط انتخابية (شهادات، فترة إدارية، قواعد حضور…) تبدو موضوعية لكنها تستهدف استبعاد القيادات الشعبية.
تطبيق معايير تقييم أداء مهنية لا تراعي العمل المجتمعي غير الموثق.
6. احتكار آليات اتخاذ القرار (اللجان المغلقة)
إنشاء مجالس استشارية ومجالس تنفيذية لا يخضع اختيار أعضائها لانتخابات شعبية.
أهمية مواقع القرار (المالية، الاتصالات، التعيينات) تكون بيد مجموعة صغيرة تُحكم السيطرة على الاصلاحات.
7. استراتيجيّة «الشفافية الانتقائية» والتقارير المصمّمة
نشر تقارير إنجازات مركّبة تُبرز دور النخب في إدارة المؤسسات، بينما تُهمش نشاط القواعد.
استخدام مؤشرات قياس مصمّمة لقياس الأداء المؤسسي بدلًا من مقاييس العدالة الاجتماعية.
8. «التعبئة العكسية» — تغيير الحشد
استهداف قواعد جديدة: استقطاب طبقات وسطى أو أثرياء شبّههمً بالثقة المهنية و«الحيادية».
إعادة توجيه برامج الحركة نحو مشاريع بنى تحتية أو ثقافية تجذب الطبقات الأعلى وتبعد الفئات الأصلية.
طرق إزاحة الأشخاص الأصليين
الاستبعاد الإداري: عدم تجديد العقود، تحويل المناصب إلى مناصب بدوام كامل تتطلب أوراقًا وشهادات.
المحاصصة الرمزية: إبقاء الأصليين في مناصب شرفية بلا صلاحيات تنفيذية.
التهم الإدارية: فتح تحقيقات داخلية عن «سوء إدارة» أو «اختلالات إجرائية» بحق مسؤولي القاعدة.
التصنيف الأمني/المالي: ادعاء وجود مخاطر على التمويل أو العلاقات مع الجهات الخارجية.
تجييش خطوط الاعلام الداخلي: جعل الأصليين يظهرون بمظهر «رجعي» أو «غير مهني»، ثم استبدالهم بوجوه «حديثة».
أدوات شخصية واجتماعية تساعد النخب على التدرج في السلم القيادي
الكاريزما والظهور الإعلامي: القدرة على التحدث بلغة العصر، الظهور ببراجماتية، وجذب الانتباه الإعلامي.
الذكاء الشبكي (Networking): القدرة على بناء تحالفات استراتيجية مع جهات تمويلية وإعلامية.
المرونة التكتيكية: تغيير المواقف الصغيرة للتوافق مع قواعد التمويل أو الشركاء دون المسّ بالرسالة الأساسية.
الاحتواء والذبذبة (Co-optation): إشراك وجوه شعبية بصورة رمزية ليبدو وكأن الحركة تحتفظ بجذورها.
المظهر المؤسسي: ارتداء ملابس «مهنية»، استخدام لغة إدارية، تنظيم مؤتمرات وورش عمل احترافية.
مؤشرات مبكرة تُنبئ بأن حركة ما في طريقها إلى «أسرنة النخب»
تغيير في مسارات التمويل (من تبرعات صغيرة إلى منح مؤسسية كبيرة).
زيادة في التعاقد مع استشاريين خارجيين بدلًا من تأهيل الكوادر الداخلية.
إدخال شروط مهنية جديدة للترشح للمناصب.
تراجع وجود القواعد في صنع القرارات الأساسية.
ارتفاع نبرة «الاحتراف» على حساب نبرة «العدالة» و«الإنصاف».
مرحلة انتقال مركز الثقل الشعبي: من الأرياف إلى المدن
في البدايات: معظم الحركات الثورية أو أحزاب المظلومين تنطلق من الأطراف المهمشة: القرى، الأحياء الفقيرة، العمال، الطلاب البسطاء.
مع مرور الوقت: ينتقل مركز الثقل تدريجيًا إلى المدن الكبرى حيث مقار المؤسسات، السفارات، الإعلام، والشركات.
النتيجة: تهميش قواعد الريف، التي كانت أصلًا العمود الفقري للثورة.
صعود طبقة مدينية متعلمة، أكثر قدرة على التواصل مع الإعلام والتمويل، لكنها أقل ارتباطًا بهموم المزارعين والفقراء.
من الشخصيات الشعبية إلى الشخصيات النخبوية
الشخصيات الشعبية الأصلية (قادة ميدانيون، خطباء جماهير، وجوه من الأحياء الفقيرة) يتم استبدالهم بوجوه جديدة أكثر قبولًا في دوائر المال والسياسة والإعلام.
هذه الشخصيات «النخبوية» تتميز غالبًا بالكاريزما المدنية: لغات أجنبية، إطلالة إعلامية، شهادات جامعية، علاقات مع منظمات دولية.
تدريجيًا، تتحول شرعية القيادة من «شرعية التضحيات» إلى «شرعية الإنجاز المؤسسي» أو «التمثيل الدولي».
المفارقة اللافتة: عودة الإقطاع بلباس حديث
القيادات الجديدة، وإن كانت تحمل شعارات ثورية وحديثة، تأتي غالبًا من نفس البيئات والمناطق التي أنجبت الإقطاعيين القدامى.
ما تغيّر هو اللغة والخطاب (من “عشيرة” أو “عائلة إقطاعية” إلى “منظمة مدنية” أو “مؤسسة سياسية”)، لكن البنية الاجتماعية نفسها تعيد إنتاج ذاتها.
بهذا تصبح الثورة مجرد دورة إعادة تمركز: ينتقل الحكم من إقطاع قديم إلى إقطاع جديد يتزين بلباس النخبة المعاصرة.
آليات وقائية وعلاجية
بناء مؤسسات داخلية ديمقراطية وشفافة
قوانين داخلية تحمي نسبة تمثيل القاعدة في كل مستوى تنظيمي.
آليات مساءلة دورية ونِظام انتخابي شفاف.
التحكم في الموارد المحلية
تنويع مصادر التمويل: الاعتماد على اشتراكات القاعدة، صناديق صغيرة، اقتصاد تعاوني محلي يقلّل اعتماد الحركة على المنح الكبيرة.
بناء قدرات إدارية للقاعدة
تدريب الأعضاء الشعبيين على المهارات البيروقراطية المطلوبة (محاسبة، علاقات عامة، إدارة مشاريع)، كي لا يستغل النخب فجوة المهارة.
الشفافية في التوظيف والتعيين
معايير واضحة للوظائف ومسارات ترقية معلنة، مع لجنة رقابة تضم ممثلين عن القاعدة.
حماية الرموز الشعبية
ضمان أماكن تمثيلية حقيقية للقادة الأصليين (لجان، مجالس رقابية) لا تكون شرفية.
استقلالية إعلامية
إنشاء قنوات إعلامية تمكّن الأصوات الشعبية من التعبير دون مرشّحات تمويلية خارجية.
تحويل البُنى القانونية إلى عامل تحصين
توثيق قرارات داخلية، عقود تمنع التغييرات الأحادية على المبادئ التأسيسية للحركة.
التحالفات الأفقية
تواصل مع حركات شعبية أخرى لتشكيل تضامن يحمي من الإقصاء المؤسسي.
مثال تخيُّلي قصير يوضّح عملية التحوّل (ملخّص زمني)
المرحلة 1: ثورة شعبية، قيادات من الأحياء الشعبية تقود الاحتجاجات.
المرحلة 2: نجاح جزئي وتجميع موارد، ظهور خبراء إداريين ومتطوّعين من الطبقة المتعلمة.
المرحلة 3–4: دخول منظمات تمويلية ومحطات تلفزيونية، توصية باستقدام مدير تنفيذي «محترف».
المرحلة 5: تحويل الصندوق المركزي إلى مؤسسة غير ربحية، مجلس الإدارة يضم ممثلين عن المانحين.
المرحلة 6: القادة الأصليون يُعينون مستشارين شرفيين؛ المناصب التنفيذية تهيمن عليها وجوه ذات مؤهلات تقنية.
المرحلة 8: السرد العام تغير: «حركة الإصلاح أصبحت مؤسسة وطنية»، مع بقاء الأصليين محافظين على رموز وهمية.
ملاحظات ختامية وتحذيرات
التحوّل ليس حتمًا كارثة: في بعض الحالات، دخول الخبرات والنخب يحسّن الكفاءة ويحوّل حركة عاطفية إلى مؤسسة قادرة على تحقيق إصلاح مستدام. المشكلة حين يتحوّل التحسّن الشكلاني إلى استبدال جوهري للقيم والأهداف الأساسية.
الفخّ الشائع هو أن تُستخدم حجّات «الكفاءة» و«الشرعية المهنية» كستار لاستبعاد أولئك الذين لا يملكون أوراقًا وشبكات، رغم أنهم يمثلون الروح والشرعية الشعبية.
التحوّل يمكن توقّيه ويُواجه إذا طبّقت الحركة آليات وقائية مؤسسية كما ذكرت أعلاه.
الدلالة العميقة لهذا التحول
الثورة لم تفشل فقط على مستوى الأفكار أو القيادة؛ بل أعادت إنتاج التراتبية الاجتماعية القديمة في ثوب عصري.
الأرياف والمهمشون خسروا مضاعفًا: خسروا مواقعهم في القيادة، وخسروا الواجهة التي ادّعت تمثيلهم.
بينما استعاد مراكز النفوذ التاريخية (مناطق العائلات الكبرى والطبقات الميسورة) زمام الأمور عبر قنوات أكثر «حداثة» ولكن بذات الجوهر الطبقي.
أولاً: آليات إزاحة المظلومين وصعود النخب
1. العلاقات الشخصية والشبكات الضيقة
مع استقرار الحزب أو الحركة، تضعف معايير التضحية والمبدئية، ويصبح معيار الترقّي هو القدرة على تكوين شبكة علاقات قوية مع القيادات العليا، أو الارتباط بعائلات وأسماء نافذة.
2. الكاريزما والشطارة بدل التضحية
يُستبدل القائد الميداني الذي عرفته الساحات بشخصية “نخبوية” تجيد الخطابة أمام الإعلام، وتحمل شهادات جامعية أو لغة أجنبية، فيُمنح شرعية جديدة لا تقوم على الفداء بل على “الصورة”.
3. البطانة والدوائر الداخلية
القيادات العليا تُحاط ببطانة من المستشارين والأقارب وأصحاب المصالح، فيغلق الباب أمام المستضعفين الذين كانوا شركاء الدم والتضحية.
4. الشرعية المؤسسية بديلاً عن الشرعية الثورية
بدلاً من أن يكون المعيار هو حجم المعاناة والتضحيات، يتحول المعيار إلى “الإنجاز المؤسسي”: إدارة مؤسسة، فتح قناة إعلامية، عقد صفقات، أو حضور مؤتمرات دولية
ثانياً: انتقال مركز الثقل الشعبي
من الأرياف إلى المدن
الحركات تبدأ من الأرياف المهمشة، لكن مع الوقت ينتقل مركز القرار إلى المدن الكبرى حيث الإعلام والسفارات والشركات، فيُهمّش الريف الذي كان العمود الفقري للثورة.
من الشخصيات الشعبية إلى الشخصيات النخبوية
تُستبدل القيادات الميدانية بشخصيات مدينية أكثر انسجامًا مع دوائر النفوذ، فتغيب الوجوه الشعبية ويحل محلها وجوه ناعمة الخطاب، بارعة في التسويق الإعلامي.
عودة الإقطاع بلباس حديث
اللافت أن كثيرًا من القيادات الجديدة تنحدر من المناطق نفسها التي خرج منها الإقطاعيون السابقون. يتغير الخطاب (من “زعامة إقطاعية” إلى “مؤسسة سياسية” أو “حزب حديث”)، لكن البنية الاجتماعية التي تعيد إنتاج النفوذ تبقى نفسها.
ثالثاً: الشعبوية المزيفة كقناع للنخبوية
حين تبتعد الأحزاب والثورات عن قواعدها الشعبية، لا تستطيع البقاء من دون غطاء شعبي. هنا تلجأ إلى الشعبوية المزيفة:
شعارات بسيطة تُطلق في المهرجانات.
خطاب “نحن مع الشعب” لكن بلا سياسات فعلية لصالحه.
اعتماد العصبية على انواعها محل المبادىء الثورية و العقائدية
اعتماد مناطق جديدة محل المناطق السابقة
توزيع مساعدات رمزية لإبقاء الولاء، بينما القرارات الكبرى تُخدم مصالح النخب والطبقات الجديدة.
هذه الشعبوية ليست استمرارية للروح الثورية، بل مجرد قناع يغطي التحول النخبوي.
رابعاً: نماذج تاريخية
1. الثورة الفرنسية (1789)
انطلقت الثورة من الأحياء الفقيرة والفلاحين ضد الإقطاع والملكية.
لكن بعد سنوات قليلة، صعدت البرجوازية المدينية (التجار، المحامون، النخبة المثقفة) إلى السلطة.
انتهى الأمر بأن استُبدل الإقطاع القديم ببرجوازية جديدة تمسكت بالسلطة، فيما تراجع دور الفلاحين الذين فجّروا الثورة.
2. ثورات أمريكا اللاتينية (القرن 19 وما بعده)
في بداياتها، قاد الفلاحون والعبيد السابقون نضالات الاستقلال ضد الاستعمار الإسباني والبرتغالي.
لكن مع الاستقلال، سيطرت النخب الكريولية (أبناء الأوروبيين المولودين في أمريكا اللاتينية) على الحكم.
استُبدلت سلطة المستعمر بسلطة “محلية” لكنها مرتبطة بالطبقة المالكة للأرض ورأس المال، فيما بقي الشعب في التهميش.
3. حركات الاستقلال العربي (منتصف القرن 20)
بدأت بالعمال، الطلاب، والمزارعين الذين شكلوا القوة الحية ضد الاستعمار.
بعد الاستقلال، تسلّمت السلطة قيادات عسكرية أو نخب مدينية، غالبًا من عائلات كبرى أو مراكز نفوذ قديمة.
تحولت الدولة من مشروع تحرري اجتماعي إلى سلطة مركزية تُعيد إنتاج الامتيازات نفسها بلباس قومي أو اشتراكي.
تظهر هذه الأنماط أن تحوّل الأحزاب والثورات من “قوة للمستضعفين” إلى “أداة بيد النخب والأغنياء” ليس حادثًا عارضًا، بل مسارًا متكررًا عبر التاريخ. تبدأ القصة دومًا بالدماء والتضحيات، وتنتهي غالبًا بالوجاهة والعلاقات والمصالح.
إن فهم هذه الدينامية ضروري لتصحيح المسار، عبر إبقاء قنوات تمثيل حقيقية للمستضعفين داخل الأحزاب والحركات، ومنع النخب من اختطاف الثورة بقناع الشعبوية المزيفة. فالثورة التي لا تُجدّد دماءها بالشعب، تتحول عاجلاً أو آجلاً إلى مؤسسة للطبقة ذاتها التي ثار الشعب عليها.