قواعد فقهية عامة جديدة، الخطوة الأولى لأسلمة القوانين
محمد كوراني
من الملفت في دراسة التجدد والتكامل في الآراء الفقهية لدى قادة الثورة الإسلاميين بعد انخراطهم بعالم الواقع، ومن المؤسف إنهم لم يلجؤوا إلى حلول جذرية عند وقوعهم في مشاكل فقهية بين مصالح الحكومة والثورة والفقه التقليدي بل كانوا يرجعون للحلول التقليدية وغير معاصرة وهي الاعتماد على “عناوين ثانوية في الفقه” مثل الضرورة وغيره لحل أزمات القوانين في البلد في مواجهة المسائل المستحدثة لكن لم يتأخر الوقت ولم يطل ذلك حتى اكتشفوا بأن اعتمادهم الواسع للعناوين الثانوية لحل الأزمات ليس صحيحاً والتي هي في الفقه التقليدي، علاج لحالات استثنائية فقط ، لأنه لا يمكن الاعتماد على “العناوين الثانوية” لهذه المشاكل. فأرسل الأمام الخميني (قد) رسالةً لفقهاء مجلس صيانة الدستور ، يصرح بأن هذا الأسلوب الفقهي الذي يتجاهل حقيقة المسائل الفقهية ويحاول من خلاله تجميع النصوص الموجودة في الكتب ومن خلال بحر من الروايات والأحاديث المتنوعة أن يصل إلى رأى معين ويسميه الاجتهاد فهو لعب أطفال ولذلك وبأمر منه أدخل مفهوم جديد في الدستور الإيراني وهو مصلحة النظام الإسلامي أو “ما يقتضيه استمرارية النظام الإسلامي”حيث حاول تصحيح مسار مجلس صيانة الدستور وفي النهاية أعطى الإمام الخميني (قد) نظرية فقهية جديدة تحمل اسم “دور المكان والزمان في الاجتهاد”حاول من خلالها تصحيح مسار الاجتهاد ليس من خلال العناوين الثانوية والضرورية ولا من خلال المصلحة التي تشكل حالات استثنائية بل من خلال طريقة جديدة لفهم الدين وأنه لا يمكن حل التعارضات والتناقضات والفشل المتكرر الموجود في القوانين من خلال استخراج رواية ودعمها ورفضها بل لابد من تغيير منهجي في دراسة المسائل الفقهية الجديدة لأن الزمان والمكان في عصرنا هذا فرض الكثير من الأمور على المسائل الفقهية حيث غير هذه المسائل من الأساس وأصبحت مسائل جديدة لا تمت بصلة إلى ما كانت عليه في السابق ولا نقصد هنا تغيير الإنسان وذهنيته ورؤيته للمسائل بل المسائل ذاتها تغيرت وتبدلت وأصبحت محكومة بقواعد فقهية جديدة . الكثير من الباحثين الإسلاميين يأملون بان هذا المنهج الجديد قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة بالفقه الشيعي ونفوذه إلى العملانية والواقعية .
و النتيجة أن الفقه الحكومي في إيران يسير بين حافتي مجلس تشخيص المصلحة ومجلس صيانة الدستور ونرى عملياً أن مجلس صيانة الدستور بدأ يتهاون مع كثير من المسائل التي كان يرفضها بشدة ولا يقبلها ويصر على رفضها لكن مجلس تشخيص المصلحة أيد ذلك بعد ما رفضها مجلس صيانة الدستور مما يدل على وعي الفقهاء لما يتضمن مصلحة الأمة والنظام والثورة لكن لا تزال هناك مشاكل كبيرة في منهجية الدراسات الفقهية في الفقه الحكومي وفقه المؤسسات الحكومية لا يمكن حلها بمنظار المصلحة بل لا بد من منهج فقهي جديد.
المشكلة الموجودة هنا أن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى مقاصد ومصالح جميع الأحكام مع أنه يستطيع أن يصل إلى وجود مفسدة في حكم ما ويصل إلى مصلحة معينة في حكم ما لكنه لا يمكن أن يصل إلى جميع المصالح والمنافع والمقاصد الموجودة لجميع الأحكام لكن لابد من الاعتماد على مصلحة في هذا المجال بعنوان انه ولى فقيه وترجع إليه كل صلاحيات الحكومة من إصدار وتطبيق أحكام تراعي مصلحة النظام .
لكن مراعاة المصلحة في الاجتهاد ليس حكراً على الولي العالم بالفقه بل هو منهجية فقهية لابد أن تعمم على جميع الفقهاء والمراجع وحتى المحاولات الأولى للإمام الخميني في تسليم فقهاء مجلس صيانة الدستور وعلماء المجلس النيابي آنذاك (رجال الدين الذين كانوا موجودين في المجلس النيابي) قوة رعاية مصالح النظام كان في هذا الإطار.
و كان عليهم رعاية مصلحة النظام الإسلامي ومراعاة القاعدة الفقهية (الأهم ثم الأهم) وحتى في حالة من الحالات فرض الإمام بنفسه على مجلس صيانة الدستور أن يؤيد رأي ثلثي نواب مجلس النيابي في موضوع ما رغماً عنه .
لهذا يطرح البعض بأنه لابد أن نسري “نظام المصلحة ” على المنهجية دراسة المسائل الفقهية لكن نحن نؤكد بأن الحل يكمن في الاهتمام بالقواعد الفقهية العامة الجديدة مثل قاعدة النظم والعدل الموجودة في القرآن بشكل متكرر.
الإمام الخميني في البداية لم يكن يؤمن بضرورة تأسيس جديد بإسم “مجلس تشخيص المصلحة” إلا بعد ما أخفق فقهاء مجلس صيانة الدستور في وعيهم الفقهي اللازمة لإدارة البلاد من خلال مراعاة مصلحتها، لكن أضطر إلى ذلك مع أن هناك الكثير من الإشكاليات تطرح عليها لأنها ليس منتجة من قبل الناس والشعب ليس له إي سلطة على تشريعاتها وأنها تعارض المبادئ الأساسية والأصول المتفقة عليها في الدساتير وحقوق الشعب التي تؤكد بأن المرجع الوحيد الذي يحق له وضع القوانين هو المجلس النيابي الذي يشارك فيها نواب الشعب ولا يحق للمجلس النيابي أن يفوض صلاحياتها لمؤسسة أخرى (أصل 85 الدستور الإيراني) .
من النماذج الموجودة التي تم ترجيح مصلحة النظام على حقوق الناس هو إصلاحية قانون مكافحة المواد المخدرة التي قررها المجلس تشخيص المصلحة بنفسه ولم يشمل فقط قوانين موضوعية بل شمل قواعد شكلية لتعيين إجراءات جزائية جديدة لهذا القانون في تاريخ 17ـ8ـ1376 مجلس تشخيص المصلحة لا يكتفي بتأييد لوائح المجلس النيابي التي رفضها مجلس صيانة الدستور بل هنا قام هو بنفسه بتقرير قانون جديد لمكافحة المواد المخدرة والتي يعطى صلاحيات واسعة وكثيرة لمحاكم الثورة في هذا المجال ويشدد العقاب بشكل غير طبيعي ويعتبر الأحكام البدوية في المرحلة الأولى أحكام قطعية وهو نتائج السلبية لهذه المؤسسة التي تعمل خارج الإطار الصحيح.
و يتبين من التقارير الرسمية من لجنة مكافحة المواد المخدر في السنوات 1367 حتى بداية عام 1379 أن صدر أحكام إعدام لأكثر من 9000 شخص من قبل محاكم الثورة . مع أن كرارا أشيد دور الحكومة في مكافحة المخدرات وتهريبها وتمريرها بين دول الجوار عبر ايران.
وفي الأساس، نحن لسنا بحاجة إلى دمج القوانين الإسلامية مع تلك العصرية، لأنّه يكفى أن نقوم بتصحيح نمط الاجتهاد والاستنباط الفقهي، في ظلِّ معرفتنا بما توصَّلت إليه القوانين العصرية، وتلقائياً، سوف نصل إلى قوانين إسلامية تحتوي على العناصر المتقدّمة التي تم ذكرها، وتشمل أيضاً ما وصل إليه الإنسان في آلية العمل القانوني لمكافحة الجريمة التي تحدث في مجتمعاتنا اليوم بسبب تلوّثات الحداثة والعصرنة للمجتمع (نذكّر هنا مثال السواك والشوكولا، الذي ذكرناه سابقاً). ولا شك في أنّه لا يمكن تصحيح هذا النمط إلا من خلال الاهتمام بالقواعد الفقهية العامة، كقاعدة النظم وقاعدة العدالة التي ذكرها القرآن أكثر من أي أصل فقهي آخر، ولا يتم ذلك إلا من خلال تضييق دائرة القياس المذموم إلى دائرة القياس المقابل للنصّ، وتحديداً نص أهل البيت، فيصبح القياس المذموم هو القياس الحر التي كان يستخدمها فقهاء السلطة للتهرب وبل لمعارضة نص أهل البيت (ع) لأن فقهاء السلطة، فقهاء الصف المقابل لأهل بيت (ع) توسلوا إلى القياس الحرّ المطلقّ وبعيد المناط وربما مختلف المناط لمواجهة فقه أهل البيت (س) ونصهم المستمدة من نص جدهم (صلى الله عليه وآله) وفقهه، لأن التقيّد فقط بنصوص الرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند فقهاء العامة إي فقهاء السلطة، خاصة البعض منهم حيث كان يعتبر أنّ فقط 17 حديث من أحاديث النبي (ص) هي صحيحة يقينياً كان حاجزاً شرعياً ونفسياً لهؤلاء الفقهاء للتحليق بحرية أكبر في سماء الاجتهاد بتناسب زمانهم المتغير.
وفي النهاية أضيف أن بعد دراسة التطور الذي حصل في القوانين الإيرانية بعد الثورة وأسلمة القوانين صدر قانون أصول محاكمات جديدة بشكل تجريبي حيث يطبق في بعض المدن بشكل محدود ويشبه كثيراً قانون أصول المحاكمات الجزائية في زمن شاه إيران سنة 1290 هـ ق حيث يعتمد على مؤسسة النيابية العامة مع إنها مأخوذة من قوانين الأوروبية آنذاك.
مما يدل أن أسلمة القوانين هو في الحقيقة إدخال العدالة بنسبة أكبر في القوانين وهذا الهدف هو نفس الهدف المتبع في القوانين الأوروبية المتطورة في مجال القوانين ( المادية والتكنولوجيا) مثل فرنسا مع اختلاف بسيط في بعض الأهداف والوسائل (ذات تأثير كبير في النتيجة ) لابد أن تتفاداها بعد معرفتها ولا شك أن تطبيق هذه القوانين مع العدالة بشكل اكبر لابد أن ينعكس على الإحصائيات ولا تخشى من إدخال مفاهيم وتأسيسات ومفاهيم حقوقية غربية نعرف إنها ناجحة بنسبة اكبر في تطبيق العدالة مثل القوانين الغربية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا لأن ما توصل إليه هذه الدول من تجارب علمية هي تجارب علمية للبشرية كافة.
إذ لا يمكن أن نتصور قانون عقوبات أو أصول محاكمات جنائى أسلامي متطور إلا في ظل عنوانين أساسيين هما العدالة والنظم وهما من الأصول والقواعد والاركان الدينية المذكورة في الفقه لكن مع الأسف لم يعرف بأسم قاعدة فقهية مع أن القرآن والروايات دأبت كثيراً للتأكيد عليهم وعدم تجاهلهم مع ذلك لم يتعامل الفقهاء مع الأسف معهم بعنوان قاعدة فقهية عامة.
3 – آلية العمل لإصلاح القوانين من جديد وأسلمتها حقيقتاً
إن دراسة آراء مجلس صيانة الدستور، وتقديم الحلول للمشاكل الموجودة، تتم بأسلوبين منفصلين:
1 – الأسلوب الفقهي الإسلامي التقليدي.
2 – الأسلوب الفقهي الإسلامي المتجدد.
أما الأسلوب الأول والذي يتبع الآن في كثير من الدراسات الفقهية لا يؤدي إلى إصلاحات جذرية. فقد يصلح الأمور من جهة، ويصعبها على النظام القضائي الحالي من نواحٍ أخرى. وتعتمد هذه الدراسة على الحالات الجزئية، مما يولد آراء جديدة في بعض المجالات لكنها لا تؤدي إلى نظام قضائي متناسق ومنسجم في كل تأسيساته ومفاهيمه. على سبيل المثال هناك بعض الدراسات الفقهية التقليدية تعتبر أن مسألة الاعتراض على حكم جزائي موضوع له تبريرات فقهية، وله أدلة فقهية تقليدية، وهذا عكس ما وصل إليه مجلس صيانة الدستور بأن الطعن في الأحكام الجزائية هو موضوع غير إسلامي ، حيث يتبين ذلك في آراء فقهاء مجلس صيانة الدستور حول مسائل قانونية مثل “استشهاد وآراء وأقوال النساء في المحاكم، الطعن، التعزيرات، والتي ذكرها الدكتور حسين مهربور، أحد أعضاء الستة القانونيين في مجلس صيانة الدستور بتفاصيلها الكاملة.
أما الأسلوب الثاني وهو الإسلامي الفقهي المتجدد فإنه يتعامل مع الأحاديث والروايات بنسب متفاوةٌ. فيولي الاهتمام الأول للروايات والأحاديث والمواضيع الفقهية التي تعطي قواعد فقهية عامة، مثل قاعدة النظم وقاعدة العدل والعدالة. وانطلاقاً من هذه القواعد الواضحة والأكثر جلاءً من الشمس، يقوم بدراسة الأحاديث والروايات الأخرى ، إلى أن تصل إلى نظام قضائي متناسق ومنسجم بدقة وبغاية النظم والترتيب، حتى يتمكن من تطبيق العدالة، التي لا بد أن تنعكس في الإحصائيات العلمية، من تخفيف من ارتكاب هذه الجرائم وإعادة ارتكابها بشكل عام. وذلك لا يتم إلا من خلال تضييق دائرة القياس المذموم إلى دائرة القياس المقابل للنصّ، وخاصةً نص أهل البيت، وهذا هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى الإصلاح في النظام الحقوقي الإيراني.
قاعدة قابلية التطبيق العلمي
قاعدة حفظ النظم والانظباط
4 – النظرة الرسالية بين الناس هي الاساس في بروز ايجابيات النظام القضائي الاسلامي
ربما الكثير من الأمور القضائية الإصلاحية القضائية الاسلامية من خلال تقليد الأنظمة الحقوقية المتعارفة في العالم مع بعض الإضافات والملحقات من الشريعة الإسلامية مثل الحدود والقصاص و الديات وإضافة بعض الجوانب التربوية التي تهيئ الأرضية المناسبة لمنع إرتكاب الجريمة و للوقاية من الجرائم في المجتمع لكن الحقيقة أن هناك نظرة وجدانية معنوية في النظام القضائي الاسلامي و هي أن هذه الإصلاحات القضائية حتى مع شبهها بالأنظمة القضائية الأخرى في النتيجة لكن هناك جانب مجهول عليهم مثل الجبل الجليدي التي يظهر فقط قسم منها إلى خارج الماء و الأعظم يبقى في داخل الماء فيبقى مجهول على الناس، فالجانب المعنوي و ما يسمونه ب”الحقيقة الملكوتية” للأشياء (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. يس /83) وفي الحقيقة في هذه الرؤية يتجاوز تأثير حقايق الأشياء على عالم الملكوت وعالم الأخرة وعالم ما بعد الموت ليصبح ذات تأثير مهم و مصيري في هذه الدنيا أيضاً يتحكمه في عواقب الأمور والنهايات والنتائج، بحيث إن إقامة حد من الحدود الشرعية، يعمر الأرض أكثر من مطر أربعين يوم في حين إننا لا نعترف بأن العقوبات القوانين المصنوعة عند البشر لها ذات التأثير.
هذه الرؤية الإسلامية تعتقد بأن اعمال الإنسان المتشابهة في الظاهر، تختلف في نواياها اختلاف جذرية. فالاقتصاد الاسلامي لا تنتج ارباحا مثل الاقتصاد الراسمالي لكنها تنتج “البركة” وهي التناسب بين الحاجات الحقيقية والايرادات المناسبة لها، التي تسير بالمجتمع الى النهايات السعيدة أفضل ما تؤدي إليه الاقتصاد الرأسمالي. و العقوبات الاسلامية هي نفسها العقوبات العصرية في الظاهر لكن تأثيرها في تطبيق العدالة تختلف عن العقوبات العصرية بشكل اساسى .
يسير بفطرته التي أودعها الله في الأرض لكن العبرة في حقائق الأمور التي صححها الله بالوحى في كل مرحلة مصيرية.
فبسبب نظرية الإسلام في مصدر الحق و التي تكون من العند الله فالإصلاحات التي يقوم بها الإسلاميين مع مراقبتهم بأن الله ودينه هو مصدر الحق يتجاوز بكثير التغييرات البسيطة التي تلحق بهذا النظام القضائي الجديد والتي شملت خمسة جريمة فقط في الحدود والديات. ويبقى على الأنظمة الأخرى أن يحكموا بنفسهم ذلك من خلال تقييم هذا النظام الجديد الإسلامي بعد عدة سنوات في مكافحة الجريمة و نشر العدل و القسط وتقويم ثقة الشعب بهذا النظام.
E) فشل اسلمة القوانين في ظل الفشل اعظم للدول العظمى هو انجاز :
بعد مناقشة القوانين والنظام القضائي الإيراني بشكل دقيق وتفصيلي، يجب مقارنة هذه القوانين والنظام القضائي مع البلدان الأخرى، فنجد بأن رغم كل هذه الانتقادات هذا القانون وهذا النظام من بعد تعديلات السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (المتوفى عام …) أصبح من أكثر القوانين والأنظمة القضائية تطورا والاخفاقات الموجودة قد تكون موجودة في البلاد المرفهة اقتصاديا وهي بالتأكيد موجودة في بلدان المجاورة والتي لديها بيئة اجتماعية مشابهة وفي الواقع الكثير من الإخفاقات ونقاط الضعف هي حصلت بسبب الضغوطات أممية وعالمية على ايران لإخضاءها سياسيا وامنيا تحت سلطة الدول الكبرى وبل تحت وصاية الهيمنة الصهيونية على المنطقة وفي الواقع الفشل والنتائج السلبية في التطبيق أيضا حصلت بسبب الضغوطات اممية وعالمية على ايران للابتعاد عن القيم الدينية والاكتفاء بالمعايير العالمية والدولية تجلت من خلال الاتفاقيات الدولية العالمية المنافية للقيم الاسلامية حيث كان يجبر الدولة عن التراجع عن الكثير من المفاهيم الدينية وأخرها كان التخلي عن السماح بالزواج الثاني، لأن كما قلنا في البداية لا يمكن فصل النظام القضائي عن النظام السياسي ونؤكد الان لا يمكن فصل النظام السياسي في بلد عن النظام العالمي المهيمن عن الاقتصاد والعسكر ولذلك نرجع الى اصل أن الولاية هي التي تحدد امكانية تطبيق المعاير العلمية و بالمقدار الممكن يكون هذه العلوم مباحة ومسموحة و مندوحة.
كثير من الضغوطات على النظام القضائي الاسلامي و النظام القضائي في ايران ناتج عن المؤسسات الاممية والعالمية و مؤسسات الامم المتحدة و قرارها فرض الاتفاقيات الدولية على جميع الدول، فثمة انتقادات وجهتها كثير من دول العالم لما يحمله هذا الاتجاه من مقاصد تفتيتية مغرضة تستهدف كيانات الدول وتدفع إلى مزيد من التشرذم بين الدول وتهديدا لاستقلالها السياسي ووحدتها الوطنية انسجاما مع تجليات العولمة ومؤسساتها الاقتصادية وكذلك الاستفادة من القدرات التكنولوجية المتفوقة في مجال الاتصالات والمعلومات لتحقيق الاختراق الثقافي بغية إضعاف المجتمعات وخلق المواطن العالمي (Universal Citizen) وإحلال المؤسسات العالمية لتحل محل الدولة القومية، وهو ما يفسح المجال للدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية للتفرد في تقرير أمور السياسة الدولية والهيمنة على الشعوب وتفتيتها بحجة تمكينها من ممارسة حقوقها.
وتكمن الخطورة في هذا الاتجاه والتحول ليس في رسم ملامحه من قبل الولايات المتحدة أو تبنيه من الدول الغربية بل في تبني المنظمة الدولية ومؤسساتها لهذا الاتجاه وتغليفه بالشرعية والقوانين الدولية، مما يعد تحولا كبيرا في مفاهيم سادت المرحلة السابقة للعلاقات الدولية قبل الحرب الباردة تخص تحولا في مفاهيم السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية والوحدة الوطنية.
تغيرت طبيعة الصراعات في العالم بعد الحرب الباردة حيث شهدت انتقالا من الصراعات الدولية إلى زيادة كبيرة في نسبة الصراعات الداخلية، وانسجاما مع ذلك وظف الغرب آليات جديدة يدار من خلالها الصراع بعد الحرب الباردة، هذه الآليات تتكامل جميعا باتجاه تفتيت الدول القومية وتوظيف المشاكل العرقية والإثنية التي لا تخلو أي دولة منها. وفي سبيل ذلك جرى تفسير مبدأ التدخل الإنساني (Humanitarian Intervention) تفسيرا سياسيا بحتا تتحكم فيه المصالح الغربية، إذ بدأ هذا المبدأ بعد انتهاء الحرب الباردة يفقد حدوده تدريجيا وقيمته بعد أن وظف آلية جديدة لإدارة المنظور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، فأصبح بمنزلة أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول والمساس بسيادتها والضغط على الحكومات من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لصالحها، وتحولت من آليات للتعاون وإشاعة مفاهيم السلام إلى أدوات للضغط والإكراه.
لقد أصبح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان وكيفية تطبيقاتها أمرا ليس داخليا بل شأنا دوليا. وأضفت المنظمات الدولية الشرعية والغطاء الكافي لكي ينحى القانون الدولي ويتحول من حق الدول في عدم التدخل في شؤونها الداخلية إلى الحق في التدخل.
يتجسد مفهوم الحق في التدخل في أنه عملية ضغط وإكراه تمارسه منظمة دولية إقليمية، أو يأخذ شكل تحالف لجمع عدد من الدول أو حتى من جانب دولة واحدة فقط. بقصد إجبار الدولة المتدخل فيها على القيام بعمل ما، أو الامتناع عن القيام به أو العدول عن إجراءات معينة تعدها الدولة أو الدول المتدخلة إجراءات تعسفية ضد رعاياها المقيمين على أراضيها أو الأقليات الإثنية من مواطنيها. كما يعد الحق في التدخل سلوكا خارجا عن المألوف يكون هدفه المعلن أغطية وشعارات إنسانية وأمنية وبيئية تغلف جميعها آليات إدارة الصراع الدولي التي تشكل حقيقة الهدف من وراء التدخل، وهو تحقيق مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية. وهذا ما عانى منه الحكومة الايرانية في طريق اسلمتها للقوانين مبني على نظام فكري متكامل يؤمن به.
المفارقة كانت بعد طوفان الاقصي، حيث شن اسرائيل حرب ابادة على الفلسطينين في غزة و كل المناشدات والمظاهرات والاعتراضات الشعبية في مختلف أنحاء العالم لم تقف حائلًا أمام استمرار الابادة الجماعية في غزة. فإن “استمرار هذه الجرائم يعكس عجزًا هائلًا لكل المنظمات والهيئات الدولية التي تتحدث عن حقوق الانسان والكرامات الانسانية. هذا انهيارٌ لكل المنظومة الحقوقية. لقد سقطت بدعة القانون الدولي الانساني. لم نجد أي مؤسسة تعني بحقوق الانسان بجميع أنواعها وأسماءها وأشكالها أو حتي الجمعيات النسوية أو حتي جميعات الرفق بالحيوان أن تاخذ موقفا عادلا و منصفا بل اكتفى البعض منها مثل المحكمة الدولية الى بعض الخطوات الشكلية لرفع العتب.
فشل الدول العظمى في القضاء والعدالة فشلا عظيما :
قلنا بأن من يريد أن يتحدى العالم و يقدم حضارة مستدامة يجب عليه أن يكون لديه حلول حقيقية ومنطقية لأهم عوامل الانهيار في الأنظمة الديموقراطية والصالحة : وهما في الثقافة 1) التدهور الديموقراطي و خلف غير الصالح 2)الزيف الديموقراطي والدولة العميقة وفي الاقتصاد 1) الاستعمار والهيمنة الخفية 2) اقتصاد الظل واقتصاد الجريمة المنظمة.وجود الدولة العميقة في الدول العظمى واليوم جميع الدول العظمى فشلوا في التخلص من هذه التدهور والزيف والظلم والخداع.
تحكم المافيات المال والدعارة على السلطة والقضاء في العالم
الدولة العميقة عبارة عن عائلات تجارية كبرى مشتتة
نستنتج ان فشل اسلمة القوانين في ايران في ظل الفشل الاعظم للاخرين هو انجاز
لا شك أنّ الشريعة الإسلامية لديه نظام قضائي قوي ومستقل لكن بما أن تطبيق الاسلام المحمدي الأصيل في الظروف غير المثالية وحتى المثالية يحتاج إلى شبكة كبيرة من العوامل المساعدة وخاصة التسديد والعناية الإلهية، عادةً يتجاهلها الإسلاميون ومن هذه العوامل المساعدة، التربية الثقافية والاجتماعية للإنسان الذي يفتح مجالاً ثقافياً وإجتماعياً واسعاً وكبيراً لإقامة أرضية مناسبة تحول دون ارتكاب الجرائم. ومع الأسف يظن البعض أنَّ الفرق بين الأنظمة الإسلامية وغير الإسلامية يجب أن يكون في كل شيء وخاصةً في الشكليات الظاهرة وبذلك نرى أن الشعب الإيراني أصبح في ظل هذه الإجتهادات، كمختبر لتطوير النظام القضائي الإسلامي، لكن في النهاية وصل الى النظام الإسلامي المناسب لعصره و لزمانه وللبيئته الشرقية السلامية المتاثرة بالغرب والعولمة.
وفي النهاية، أقول أنّ هذه التّجربة العملية لتطبيق الشريعة على الواقع، بما فيها من صراعات فكرية وفقهية، كان لها دلالاتّ كثيرة ومفاهيم قيّمة، يجب على كلّ المثقفين الإسلاميين وعلى جميع الدعاة الإسلاميين أن يستخرجوها ويطّلعوا عليها، لأن من الصعب الحصول على فرصة كهذه لدراسة الأخطاء التي وقعنا فيها بحسب التجربة الإيرانية، ولا بد أن تكون القوانين الإسلامية خالية من الأخطاء، لأنّه في بعض الأحيان تكون هذه الأخطاء قاتلة ومميتة، إذا كانت تضر بجوهر الأديان، يعني إذا اضرّت بتطبيق العدل والقسط، ونفي الظلم، حتى إذا كان ذلك بسبب الفوضى في نص القوانين. وهذه التجاذبات والانتقادات هي حركة صناعة العلم وهنا علم القوانين الاسلامية.
وهذا ليس استنتاجاً فردياً غير موثوق بأدلة علمية مقبولة ومتفق عليها، أو ناتج عن توجهات سياسية معارضة للحكومة في إيران، لأنَّ هذا الكلام موثوق بإعترافات رسمية و مربوطة بقوانين و خطوات جديدة، يتم فيها تدريجياً استرجاع ما كان قد تم رفضها بحجة أسلمة قوانين. يجب أن نعرف أن أهم معيار لأسلمة أي قانون، هو مقدار تطبيقه للعدالة والحريات المشروعة، وميزان محاربته للظلم والقهر، وذلك يتجلّى من خلال الإحصائيات العلمية والحسابية والطرق العلمية العالمية التي يتبعها علم الإجرام.
بعد مناقشة القوانين والنظام القضائي الإيراني بشكل دقيق وتفصيلي يجب مقارنة هذه القوانين والنظام القضائي مع البلدان الأخرى، فنجد بأن رغم كل هذه الانتقادات هذا القانون وهذا النظام من بعد تعديلات السيد محمود الهاشمي الشاهرودي أصبح من أكثر القوانين والأنظمة القضائية تطورا والاخفاقات الموجودة قد تكون موجودة في البلاد المرفهة اقتصاديا وهي بالتأكيد موجودة في بلدان المجاورة والتي لديها بيئة اجتماعية مشابهة وفي الواقع الكثير من الإخفاقات ونقاط الضعف هي حصلت بسبب الضغوطات اممية وعالمية على ايران لاخضاءها سياسيا وامنيا تحت سلطة الدول الكبرى وبل تحت وصاية الهيمنة الصهيونية على المنطقة وفي الواقع الفشل والنتائج السلبية في التطبيق أيضا حصلت بسبب الضغوطات اممية وعالمية على ايران للابتعاد عن القيم الدينية والاكتفاء بالمعايير العالمية والدولية تجلت من خلال الاتفاقيات الدولية العالمية المنافية للقيم الاسلامية حيث كان يجبر الدولة عن التراجع عن الكثير من المفاهيم الدينية وأخرها كان التخلي عن السماح بالزواج الثاني، لأن كما قلنا في البداية لا يمكن فصل النظام القضائي عن النظام السياسي ونؤكد الان لا يمكن فصل النظام السياسي في بلد عن النظام العالمي المهيمن عن الاقتصاد والعسكر ولذلك نرجع الى اصل أن الولاية هي التي تحدد امكانية تطبيق المعاير العلمية و بالمقدار الممكن يكون هذه العلوم مباحة ومسموحة.
النتيجة النهاية التي يمكن أخذها من تاريخ اسلمة القانون في الجمهورية أن التطور العلمي حتي في المجالات الإنسانية ليست منفصلة عن الامداد الإلهي والنعمة والرحمة الإلهية الى البشر فجزء منه رحماني و جزء منه ناتج عن أهواء العلماء، فلا يحق لنا رفض هذه العلوم رفضا نهائية و أيضا لا يحق لنا القبول ما هو يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف و مع روح الإنسانية المخلوق بالحكمة الربانية فيجب أخذ ما يتناسب من هذه العلوم مع الإسلام و ما لا يتعارض مع الإنسانية و علينا وعلى جميع المسلمين و غير المسلمين رفض كل ما يعتبرونه قواعد علمية واستحسانات ظنية وتحليلات نفسية تتعارض مع الإنسانية بمعناه الاسلامي لأن معيار العقل السليم هو الايمان بأن الانسان مخلوق بالرحمة الإلهية. ثم يتم تطوير هذا العلوم في ظروف مناسبة نعبر عنا بالدولة الولائية بحسب نظرية الولاية المتدرجة .