في مناخ الأزمة انطلقت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق الأسس الأخلاقية والدينية في الإٌقتصاد بعد فشل النظم الراسمالي في تحقيق الحياة الرغدة بشقيها المادي والمعنوي للناس. ومن ضمن هؤلاء:
– “موريس آلي” ومنذ عقدين من الزمن تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد “موريس آلي” إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة الليبرالية المتوحشة” معتبرا أن الوضع على حافة بركان، ومهدداً بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة). وأقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%. وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي.
– بوفيس فانسون رئيس تحرير مجلة (تشالينجز) 4/10/1429هـ الموافق 5/10/2008. ففي افتتاحية مجلة “تشالينجز”، كتب “بوفيس فانسون” رئيس تحريرها موضوعا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية. فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرا إلى أن هذا السلوك الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية.
وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم عن موقف الكنيسة ومستسمحا البابا بنديكيت السادس عشر قائلاً أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود.
– “رولان لاسكين” رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال دي فينانس) بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة. وفي مقاله الذي جاء بعنوان: (هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟)، عرض لاسكين المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الإسراع بالبحث عن خيارات بديلة لإنقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية. (مصطفى صـلاح الشيمي)
جدلية الإقتصاد الإسلامي في عالم غير الإسلامي
من أهم المشاكل التي تواجهها الدولة الإسلامية اليوم هي أنها موجودة في بيئة وظروف غير إسلامية، والدولة الإسلامية في سياساتها الإقتصادية لتنظيم القطاع الخاص وإدارة القطاع العام، تقع في بيئة تنافسية يحكمها الإقتصاد الغربي العالمي. والدولة الإسلامية تواجه مشكلتين:
المشكلة الأولى هي ما يتعلق بالإقتصاد الكلي فالدولة من خلال التحكم بالموارد الطبيعية ، بل بالموارد البشرية ومن خلال رسم السياسات المالية، والنقوديه والتجاريه والقوانين والإجراءات الاقتصادية تتحكم بالناتج القومي والدخل والإنقاق القوميين، لكي يتسنى للدولة التطور والإزدهار الإقتصادي إلى جانب حل المشاكل الإقتصادية مثل البطالة والتضخم.
فالإقتصاد الإسلامى في الدولة الإسلامية يجب أن يكون لديه مؤهلتين ؛ والدولة الإسلامية يجب أن تسعى لهدفين وهما “كسر الاحتكار الاقتصادي العالمي” إلى جانب التطور الإقتصادي العادل ومراعاة القواعد دينية الاقتصادية مهما أمكن.
مهمة كسر الإحتكار في النظام الإقتصادي العالمي:
فالدولة الإسلامية التي ليست لها مشكلة مع الإقتصاد العالمي والإقتصاد العالمي مستعدٌ ليمدّ يد العون لها ويدعمها فهي بالأساس ليست إسلامية. لأن لا يمكن أن يتفق إقتصاد مجتمع اسلامي مع إقتصاد الإحتكاري الاستعماري الربوي. إذا المعيار الاساسى لمعرفة اسلامية إقتصادٍ ما هو أن يكون لديه تعارض وصدام مضاعف مع الاقتصاد العالمي إلى جانب ما يسمى بالمشاكل المتعلقة بالتنافس مع الشركات والمؤسسات الحاكمة في الاقتصاد العالمي.
فالدولة الأسلامية يجب أن يكون لديها الخطة والقدرة والمؤهلات لمواجهة “الإحتكار الإقتصادي العالمي” والحصرية والحصانة الظالمة والضمانة غير الحرة، إلى جانب سياساتها الاقتصادية العامة التي ترعى شؤون البلد بقطاعيه الخاص والعام. لذلك في تقييمنا لإسلامية اقتصاد ما يجب أن ننظر بعلاقتها مع الاقتصاد العالمي. فالاقتصاد الاسلامي واقتصاد المجتمع الاسلامي لا يمكن ان يكون بسلام مع الاقتصاد العالمي و هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها في تقييم الحق والباطل والخير والشرّ.
الاقتصاد الخفي :
قواعد علم الاقتصاد الجميلة، اليوم أصبحت غطاءاً لاقتصاد خفي يعطي الحصانة لبعض المحتكري الاقتصاد العالمي و يعطي حصانة دائمة بعض رؤوس الاموال و يعطي حصانة لبعض مجرمي الاقتصاديين العالميين. جمالية القواعد الاقتصاد الحرّ أصبحت خطراً على نفس العلم بحد ذاته، لأنها أصبحت غطاءا لأمور أخرى يتحمل مسئوليتها علماء الاقتصاد والكليات الاقتصاد والساحات العلمية، هذا البزخ والطمّع والشراهة والجنون والقيم السلبية اللا إنسانية اليوم من يتحمل مسئوليتها غير من يقبل أن يكون العلم غطاءا للجريمة بحق الإنسانية والبشر. ولا يفضح هذه الأمور ولا يحاول على الأقل وضع حد لهذه الجرائم ولهؤلاء المجرمين الذين يتحكمون بثقافة الناس و نمط حياتهم و نمط سلوكهم استهلاكي بل يدعمون السياسيين والطبقة الحاكمة وبل يضعون القواعد العالمية والمؤسسات الأممية ليس إضفاء الهدوء في العالم بل من أجل ضمان تفوقهم على الأخرين.
العقوبات السياسية والإقتصادية على دولة محقة
الأسس الدينية تؤكد أن الطريقة الإسلامية الوحيدة لتدوين السياسات الاقتصادية، هي ليست بالتبعية العمياء للنماذج الإقتصادية الأخرى ولو كانت نماذج ناجحة بحسب تعابيرهم ولا بد أن يتم تدوين هذه السياسات وفق النظام الولائى الإسلامي، لأن التسديد الإلهي شرط اساسي للنجاح حسب المعتقد الديني الإسلامي. لا شك أن الخطط الاقتصادية وبرامج التطور والازدهار الاقتصادي هي مؤلفة من الاسباب والعلل العلمية والعملية ألا أنه لا يكتب التوفيق والنجاح الحقيقى لهذه الخطط والبرامج إلا من خلال التبعية الكاملة للنظام الولائي الإسلامي ومن خلاله نصل إلى أفضل الطرق لمواجهة هذا الكمّ الهائل من المشاكل والأزمات الإقتصادية- السياسية – الاجتماعية العالمية. ونأكد أن وجود معايير اقتصاديه خفية مثل “معيار الإحتكارية العالمية المبطنة” ،يجعل الكثير من معايير النجاح مجرد نجاحات اقتصادية وهمية. لذلك نرى أن في الدولة الإسلامية يتم التركيز على النجاح في الخطط الإقتصادية المتعلقة بالصناعات الاستراتيجية والمشاريع البنيوية الكبرى بدل من الاقتصاد الخدماتي واقتصاد الكماليات و …
نجاح القيادة الدينية في السياسات الاقتصادية
دور القيادة الدينية اليوم في انجاح الخطط والسياسات الاقتصادية دور اساسي و مهم ، لأن الاقتصاد في الحقيقة ليس مجرد عمليات حسابية ومعادلات تجارية، فهناك أمور مهمة وخطيرة مثل التحفيز الشعبي والتعاون العام و ايجاد التوازن بين الأفرقاء والتيارات السياسة والتطبيقات الاقتصادية في البلد لها دور اساسي في نجاح الخطط الاقتصادية وفي هذا الإطار سوف نتكلم عنه في نظرية الولاية المتدرجة وتاثيرها في تطوير العلوم الانسانية الاسلامية في الظروف المثالية وغير المثالية، بل ربما يقضى القائد بإقصاء طبقة اقتصادية بكاملها عن سلطة المال والاقتصاد العام من خلال تغيير الحكومة لمصلحة العسكر والفئة كادحة و هذا أمر طبيعي في مجتمع يعيش وسط حرب امنية وعسكرية طاحنة و وسط صراع بين الحق والباطل والخير والشر. فمظاهر هذا النجاح قد نجده في النماذج التالية