من كتاب خصائص الحضارة المثالية القادمة ، محمد كوراني
أهلاً وسهلأ بكم في العالم الجديد الذي أصبح يميزونه بالعولمة، أهلاً وسهلاً بكم في عالم يشبه القرية العالمية، أهلاً و سهلاً بكم في عصر السرعة وهل السرعة دواء كل داء، أهلاً وسهلاً بكم في تواصلكم مع الكل وفي نفس الوقت تواصل الكل معكم. أهلا وسهلاً في الارتباط مع الكل و تدخل الكل بحياتكم.
أهلا وسهلا بكم في عالم لم يعد هناك بابا و ستارا تختبئ من عيون الناس وراءه وتستريح قليلا خلفه، أهلاً وسهلا بكم في عالم لم تعد هناك نافذة تمنع انوار الليالي الصاخبة من ازعاجك وقت النوم والراحة، أهلاً وسهلا بكم في عالم لم يعد هناك جدار يقيك من تشويش الأصوات وأهلا وسهلا بكم في عالم لم تعد هناك خلوة ومأوى تستريح فيها من هجوم الأفكار، وأهلا وسهلاً بكم في عالم لم يعد هناك خصوصية محترمة ولا ستارا ولا خمارا ولا حجلات. أهلا وسهلا في عالم لم يعد هناك لا سر ولا سريرة ولا نجوى ولا حديث الليل.
نعم أنه عصر السرعة، لم يبق باقية ولاحجر على حجر، لم يعد هناك تفاصيل الا وأصبح اساس، عصر انتقال الأفكار والعادات نفسها عصر انعدام الخصوصية، عصر الاخبار العاجلة المملة، هو عصر انعدام السرية، عصر الثقافات المتنقلة والفلوكلور العالمي هو نفسه عصر الحضارات الفصلية، الاسبوعية، بل الآنية. عصر السرعة هو نفسه عصر اللامتناهي من الحلول واللامتناهي من الطرق واللامتناهي من الأهداف.
كان من المتفق أن تصبح الحضارة الغربية حضارة الجميع، والغرب مشتت.
وكان من المتفق أن تصبح آمريكا، حلم الجميع وآمريكا بين صعود وركود.
وكان من المتفق أن يصبح الإلحاد المقنع ديانة الجميع، والإلحاد ينقاض نفسه.
كان من المتفق أن تصبح الليبرالية، عقيدة رضى الجميع، والليبرالية فرس أعرج.
وكان من المتفق أن تصبح محلات مكدونالدز جوامع الجميع، ومسجد الأذواق البشرية مبتذلة.
وكان من المتفق أن تصبح اللغة الالكترونية، لغة الجميع والعالم الديجيتال كل يوم يخترع لنا لغة.
وكان من المتفق أن تصبح الثقافة الغربية، ثقافة الجميع، لكن الكثرة والحرية في التنوع لا تصنع ثقافة.
ففشلوا فشلا كبيرا في تقديم حضارة موحدة في العالم، وفشلوا فشلا كبيرا في تقديم قيادة موحدة، وفشلوا فشلا كبيرة في تقديم حلم واحد، ففشلوا فشلا كبيرا في السيطرة على الحالات الاستثنائية، وفشلوا فشلا كبيرا في تطبيق النظام الواحد، وفشلوا فشلا كبيرا في تنفيذ القطب الواحد ، الزعامة الواحدة والحاكم الأوحد، ألم يسمعوا هذه الحكمة الصينية الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك.
خططوا لكل شيء في الاقتصاد والسياسة والعسكر ولم يظنوا أن البشر لا يمكنهم أن يعيشوا بالثقافات الوهمية.
خططوا لكل شيء في حضارتهم وعالمهم وحلمهم ولم يخططوا للمرحلة الأنتقالية .
خططوا لكل شيء في العالم، ولم يكتشفوا اسباب الطبائع المتقلبة لأنهم لم يؤمنوا بالغيب وبالروح،
أنهم خططوا كيف تنصهر القرية في القصبة، في البلدة، في المدينة، في العاصمة، في أم العواصم، في سوبر عاصمة ولم يجدوا حلا لتطوير العقل البدائي بين أناس لا يريدون التقدم!
إنهم خططوا كيف يصبح المجتمع بديلاً للعائلة، بديلاً للعشيرة، بديلاً للقبيلة، بديلاً للشعب، بديلاً للأمة، ولم يجدوا حلاً لتطويرالعصبية العمياء الحديثة.
إنهم خططوا لكل شيء ولم يجدوا حلاً لعلاج العمى عند من يصرّ على إغلاق عينه عن الإنسانية والحقيقة.
إنهم خططوا لكل شيء ولم يجدوا حلاً لعلاج الغباء عند من يصرّ على إغلاق عقله عن المنطق.
إنهم خططوا لكل شيء ولم يجدوا حلاً لمن يبحث عن السرعة في العدالة بالثأر، لمن يبحث عن السرعة في المتعة بالتخدير، لمن يبحث عن السرعة في الغنى بالسلب، لمن يبحث عن السرعة في الجنة بالقتل، لمن يبحث عن السرعة في التطور بالفوضى وعدم النظام، لمن يبحث عن السرعة في الأمان، بالخطوات الفردية المتضاربة، لمن يبحث عن السرعة في الوصول بالفان رقم أربعة٤.