دفاعا عن الكنيسة أمام هجمة الفضائح المسيسة

من كتاب خصائص الحضارة المثالية القادمة – محمد كوراني

قيل أنه من الطبيعي أن يسارع المجتمع الغربي في نشر الفضائح المتعلقة برجال الدين والكنيسة، فمن باب الحرية من جهة وصيانة مكانة رجال الدين والكنيسة من جهة ثانية، تقتضي نشر هذه الأمور بسرعة. أنا هنا لا أريد أن أبرئ ذمة أحد من أي اتهام أو إدانة، بل فقط أريد أن أحمل مسؤولية هذه الفضائح لمن يستحق أكثر من هؤلاء.

مبدأ الحرية، مبدأ مهم جداً، سعى ويسعى أليه المجتمع الغربي بكل ما أوتى من إعلام وصحافة، ونحن لهم من الشاكرين، و أتمنى أن يبقى المجتمع الغربي ملتزماً بهذا المبدأ، حتى بعد أن تتغير موازين القوى في العالم لصالح غيرهم ، عندما تكون الرياح حسب ما لاتشتهي سفنهم الحربية. مبدأ الحرية مهم جداً، لكن هذا المبدأ أصبح المبرر والمحفز الأساسي للتخلي عن الكثير من المبادئ الأخلاقية والإنسانية وهذه المبادئ لا تكاد تقلّ أهمية عن مبدأ الحرية، بسبب دورها المهم والحاسم والمفصلي في النظام العام وصناعة الحضارة واستمرارية التطور والتقدم البشري.

لعل جميع البشرية يتفقون على نتائج الموبقات السبعة المميتة أو على ذنوب الكبار العشرة أو الذنوب الكبيرة والاساسية … فتتفق جميع الديانات السماوية بأنَّ للمعاصي والذنوب المضرّة بالإنسانية والأخلاق والعقيدة والإيمان، لها تأثيراًت سلبية على الفرد والمجتمع وقد ربطت هذه الديانات السماوية بين إقتراف المعاصي وبين تّدهور نظام العدالة والأمن والسلامة والعافية للفرد والمجتمع. ومن أثرها على المجتمع أنها تسبّب التّمزق والتّفرق والإختلاف وهذا ما تشكو منه أمّتنا في الوقت الرّاهن. ومن النتائج المترتّبة على الذّنوب والمعاصي ومنها إضعاف الوجدان والضمير والفطرة الإنسانية وعدم تعظيم الرّب عزّوجلّ، ويذهب حياء القلب وغيرته وفطرته والتي تساعدنا في تمييز القبيح والجميل، تنكس القلب وتزيغه فلا يكاد يطمئنّ بشيء في الكون , يسبح في بحر الشك والترديد حتى الغرق والغيبوبة، وتوهن القلب وتظلمه وتزيل النّعم بمختلف أنواعها وأشكالها وتحلُّ النّقم والمحن والفتن وتسلب العافية من الأبدان وتهيمن العاهات النفسية على الأرواح وهي السبب الأكبر في حلول هزائم الشعوب والمجتمعات في الحروب أيضاً. إنَّ القلب إذا غرق في رجس المعاصي والآثام وركن إليها واطمأنّ بها فإنّ القبيح يكون لديه حسناً والحسن قبيحا والمعروف منكراً والمنكر معروفاً فما وافق هواه فهو الثّواب والحلال وما خالفه فهو الخطأ والحرام، وقد إكتشف العلم الحديث أنّ كلّ المعاصي التي نهى عنها الإسلام كالخمر والمخدرات والزّنا وغيرها تسبّب للإنسان والمجتمع أكبر الآثار المدمّرة.

مبدأ الحرية مهم جدا ونشكر ونقدّر ونثمّن جهود المجتمع الغربي لجعل هذا المبدأ وكذلك مبدأ الديموقراطية، ذا مكانة عالية في الحضارة الغربية التي هي مسيطرة اليوم على كل المجتمعات، بما فيها المجتمع العربي وحتى على الكنيسة والكثير من المؤسسات الدينية الأخرى. الحرية مطلوبة مطلقاً لكن ليس على حساب الإيمان والفطرة والأخلاق والإنسانية.

في المقابل يلفت النظر كل هذه الفضائح التي يتم الإعلان عنها أو لا يتم في المؤسسات الدينية؟ لماذا هذا الكمّ الهائل من الفضائح ؟

لماذا كل هذه الفضائح تنشر يومياً عن رجال الدين في اوروبا وفي آميركا وفي استراليا؟ رغم أن هذا المرض عالمي و لايخلو من أي مؤسسة دينية في العالم بل من؟ وأنّها موجودة في كل زي وفي كل مؤسسة وفي كل مكان هناك من يذل نفسه بالمعصية وينتهز مكانته ويستتر به.

حصلت سلسلة من الدعاوى والملاحقات الجنائية والفضائح المتعلقة بالجرائم الجنسية التي يرتكبها القساوسة الكاثوليك وأعضاء الرهبانيات الدينية خاصة على الأطفال، والتي حازت اهتمام الرأي العام وعلى نطاق واسع، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وهناك العديد من الكتب والمجلات والبيانات والمقالات عن هذا الموضوع في العقدين الأخريين، بشكل ملفت للنظر!

لماذا شاعت كل هذه الأسماء في الإعلام العالمي وهزّت العالم: الكاردينال الاسترالي جورج بيل، القس جيميس فيلتشر الاسترالي, أربعة مطارنة ايرلنديين: جون تشارلز ماكويد، ديرموت ريان، كيفن ماكنمارا، وديزموند كونيل، القس برندان سميث الايرلندي، أوليفر اوغرادي كاهن كاثوليكي أيرلندي، القس جيمس بورتر الأميركي، الكاهن جيلبرت جاوثة من لويزيانا، اللكاهن سيان فورتشن، برندان سميث، فالتر ميكسا القس الكاثوليكي الألماني و… كل هؤلاء قساوسة وكهنة متهمون بالجرائم الجنسية وتحولت قضاياهم الى قضايا رأي عام، في المقابل لم يهتمّ الإعلام والرأى العام بمتهمين ومدانين من الطبقة السياسية أو من رجال الأعمال أومن شخصيات هاليوودية مثل هارفي واينستين و جيمس توباك، كما يجب.

– لماذا فجأة كل هذه الوثائقيات تتكلم عن فضائح الكنيسة؟

… وثائقي كولم اوجورمان، وثائقي كولم اوجورمان ووثائقي وفيلم راهبات مجدلين و…

– لماذا كل هذه التقارير الإعلامية تتصدر الإعلام العالمي عن فضائج رجال الدين؟

… تقرير مورفي، تقرير جون جاى، تقرير ….

– لماذا كل هذه الحملات الدعائية للنيل من المؤسسات الدينية؟

… حملة ضد ارادتنا، حملة انا أيضاً، حملة قاطعي الصمت، حملة شبكة سناب ولها فروع لجميع الجماعات الدينية، مثل سناب المعمدان، سناب الأرثوذكسية، وسناب المشيخية، وكذلك فروع بالنسبة للمناطق الجغرافية، مثل: سناب في أستراليا وسناب في ألمانيا و…

– كيف تحول هاشتاغ #أنا أيضاً من منصة لقول الحقائق وعدم التستر على الجريمة الى هاشتاغ# تتهم الكنيسة (#ChurchToo) أيضاً لتتحول الى حركة عالمية للنيل من الكنيسة ورجال الدين؟

– لماذا في المقابل يتساهل مع الأرقام الصادمة عن هذه الجرائم في المجتمع الاسترالي و الايرلندي والإميركي الذي يشغل الرأى العام؟ وبالذات كنائسها تشهد حملات تشهير.

– لماذا لا يتم تشهير مرتكبي هذه الجرائم من بين السياسيين في العالم وينشروا الفضائح الجنسية بين السياسيين؟

– لماذا لا تثار هذه الجرائم عندما يكون مرتكبها المنتجين والمخرجين والممثلين والمتدربين في هاليوود وأخواتها؟

ألم تقل مارلين مونرو بأن هاليوود محل دعارة مكتظ، ألم تقل بأن هاليوود هو مكان يدفعون لك مبلغ 50.000$ مقابل قبلة ويشترون روحك مقابل 50 سنت. مما يثبت أن الحلم الأميركي هو أكبر كذبة في هذا المجتمع.

لماذا لا تثار هذه الجرائم وفضائح الوسائل الإعلامية العالمية التي تنادي باسم الحرية والعدالة؟

لماذا لا تثار هذه الجرائم في الجيش الأميريكي ولا تحول الى قضية رأى عام؟ رغم أن مسؤول مكافحة الإعتداءات الجنسية بالجيش الأميركي هو نفسه متهم بالتحرش؟

هل صحيح أن هناك الكثير من الاتهامات والإدانات، لكن التشهير في هذه الملفات لا يتم الا لاهداف غير معلنة ولتصفية حسابات شخصية؟

لماذا صناعة الإباحية بشكل عام داعمة لـحركة هاشتاغ أنا أيضا، وتناولت هذه المواضيع في جوائز سخية؟

لماذا فشل الغرب في مكافحة التحرش الجنسي في مكان العمل فشلا ذريعاً؟ أوردت صحيفة الدايلي تلغراف إحصائية تقول: 100% من النساء العاملات في اميركا تعرضن لأحد أنواع التحرش الجنسي بواسطة رؤسائهم.

لماذا في جميع الأمثلة المثارة عن هذه الجرائم، تكون بتواريخ قديمة؟

لماذا جميع الشبهات والدعاوي والاتهامات والإدانات تحصل بعد سنوات عديدة من ارتكاب الجريمة من قبل القسيسين؟

لماذا جميع هذه الجرايم التي يتم اثباتها تحصل بعد عقود من الزمن؟

هذه الأسئلة جميعها تقودنا الى مكان واحد وهو أن الهجمة المنظمة والشعواء ضد المؤسسات الدينية في العالم، لا تهدف ألاّ الى محاربة الدين والأخلاق وهدم القيم الإنسانية وليس فقط محاربة الدين المسيحي أو الكنيس؟ بل تهدف الى محاربة الإيمان في قلوب البشر.

إذا كان عندنا يتجسد العنف الجنسي في “ثالوث” الفقر والكبت والدائرة الواسعة للمحرمات، فلماذا ينتشر التحرش الجنسي هكذا في الغرب؟ ورد في (رسالة مفتوحة من 200 امرأة أميركية عاملة في قطاع الأمن القومي الأميركي) : “إن مشكلة التحرش الجنسي ليست مشكلة خاصة بهوليوود، ولا بغرف الإعلام أو حتى بالكونجرس فحسب.. إنها مشكلة منتشرة في كل مكان في أميركا!”. والمتهم ليس المجتمع الذكوري كما يتهمون الشرق، وليس كما يدعون بأن في الجرائم الجنسية عندنا في الشرق، الضحية تعاقب وفي الغرب الجاني. امّا في مسئلة الإحصائات لا ننسى أن دائرة الأمور غير الأخلاقية في الشرق واسعة جدا وتشمل الكثير من الأمور مباحة في الغرب؟ فلماذا هذا الانتشار الواسع للتحرش في الغرب بحسب أخر احصائيات المراكز الرسمية؟ وإذا كان الكبت هو السبب لماذا المشاهير في الغرب، أكبر منتهكي حرمة الأشخاص والأطفال، وأعظم مرتكبي هذه الجرائم، فالشهرة قد تصيب صاحبها بالنرجسية والغرور، وتوهمه أنه قادر على السيطرة على كل من حوله دون رقابة، وتتيح له الإفلات من العقاب، أي أنه يقزّم هوية ضحيته ليشعر بالسيطرة والنفوذ غير المحدود. لكن لماذا فشل الغرب في مكافحة هذه الظاهرة مع كل هذه الإمكانات ؟

فتخبط الغربيين في مواجهة الجرائم الجنسية والتحرش الجنسي والابتزاز الجنسي لا نهاية له، وانتشار هذه الجرائم في كل المجالات الحياتية والإجتماعية في الغرب، في وسائل الإعلام والصناعات الترفيهية، في السياحة، في التعليم، في أماكن التعليم، من المدارس والجامعات والمعاهد و في المؤسسات والشركات المالية والتجارية، بين السياسيين والطبقات الحاكمة، في الرياضة والتسلية، في الطب وفي الموسيقى وفي المؤسسات العسكرية والأمنية الغربية، التخبط فيها لا نهاية لها. تخبط الغربيين في أساليب مواجهة هذه الجرائم ومكافحته أكبر وأكبر، يصل هذا التخبط بأنّ أعتداءات الشريك في الحياة الزوجية على شريكته, قد تصل عقوبته في القوانين الإيطالية الى السجن لمدة عشر سنوات، وهذا ناتج عن التخبطهم في القيم الأخلاقية والإنسانية…

أنا لا أريد أن أبرئ ذمة أحد من أي اتهام أو إدانة، بل فقط أريد أن أحمل مسؤولية هذه الفضائح لمن يستحق أكثر من هؤلاء. فأريد أن أحمل مسؤولية هذه الفضائح للمجتمع الغربي ذاته وللحضارة الغربية. رغم أنه يوجد بيننا رجال دين يستحي إبليس من شناعة أفعالهم، ألا أن القلة الجيدة والدور المفصلي والمهم للدين في صيانة القوانين والمجتمع يقتضي الدفاع عنهم وعن المؤسسات الدينية أمام هجمة الفضائح التي يسارع الاعلام الغربي في نشرها وفضحها، رغم أن المجتمع الغربي بنفسه أصبح يروج لهذه الأفعال بمسميات مختلفة ويرتكبها باسم الحرية وباسم المساواة بين الرجل والمرأة وبإسم محاربة الجهل حتى لو كانت في قمة السادية أو قتلا رحيماً أو …

أنجيلا لانزبري، ممثلة في هوليود تصرّح بأن :”التحرش الجنسي سلوك مشين ولا يمكن تبريره، لكن في بعض الأحيان فإننا -كنساء- يجب أن يقع علينا اللوم” وهذا يرجعنا الى المربع الأول أي القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية في ترك الموبقات المميتة والذنوب الكبيرة وجميع المنظومة الثقافية القيمّيّة الموجودة في الديانات السماوية.

 

روابط إضافية

مقالات إضافية

الأقتصاد في زمن الحروب

محمد كوراني، لعل كلنا مقبلون على مرحلة النزاعات الدولية و كثرة الحروب…

كيف عوّض الغرب حرمانه من…

كيف عوّض الغرب حرمانه من الروحانية وسقوطه في الماديّة القاتلة – د.…

كفى قوانين لا تنفذ الا…

من كتاب خصائص الحضارة المشرقة المستدامة القادمة، محمد كوراني كفى قوانين لا…

مقالات إضافية

الأقتصاد في زمن الحروب

محمد كوراني، لعل كلنا مقبلون على مرحلة النزاعات الدولية و كثرة الحروب…

كيف عوّض الغرب حرمانه من…

كيف عوّض الغرب حرمانه من الروحانية وسقوطه في الماديّة القاتلة – د.…

كفى قوانين لا تنفذ الا…

من كتاب خصائص الحضارة المشرقة المستدامة القادمة، محمد كوراني كفى قوانين لا…