المقال الرابع: جهاد النفس كأساس للإصلاح الاجتماعي
يُعد جهاد النفس في الفكر الإسلامي الركيزة الأولى لكل عملية إصلاحية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. فقد أكدت النصوص الدينية أن التغيير الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان، ومن ثم ينعكس على المجتمع والدولة، كما قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11).
1. مفهوم جهاد النفس
جهاد النفس هو محاربة الشهوات والأهواء والانتصار على النزعات السلبية، بما يقود الإنسان إلى كماله الروحي والأخلاقي.
جاء في الحديث الشريف: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، قيل: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس.
ويعني ذلك أن الانتصار على العدو الداخلي أصعب وأعظم من الانتصار على العدو الخارجي.
2. جهاد النفس في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
مدرسة أهل البيت وضعت منهجًا متكاملاً لتزكية النفس، يقوم على:
مكارم الأخلاق: كما قال النبي (ص): “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق.”
الإخلاص لله: حيث لا يتحقق جهاد النفس إلا بربط السلوك بنية التقرب إلى الله.
الابتعاد عن السيئات: قال النبي (ص): “المهاجر من هجر السيئات.”
العمل الصالح والمجاهدة في سبيل الله.
3. جهاد النفس كخطوة نحو الإصلاح الاجتماعي
يرى الإسلام أن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح الأفراد.
إذا تمكن الفرد من تهذيب نفسه، صار عنصرًا إيجابيًا في المجتمع.
المجتمعات الفاسدة تنشأ من أفراد غلبت عليهم الأهواء، بينما تنهض الأمم بفضل الأفراد الأتقياء العاملين.
وهنا يظهر الارتباط بين الإصلاح الفردي و الإصلاح الجماعي، إذ لا يمكن بناء مجتمع عادل إذا كان أفراده غارقين في الأنانية والطمع والظلم.
4. العلاقة بين جهاد النفس والولاية
الولاية السياسية والاجتماعية في الإسلام لا يمكن أن تتحقق بكامل معناها إلا إذا كانت قائمة على ولاية النفس.
فالقائد أو الحاكم الذي لا يسيطر على أهوائه لن يستطيع إقامة العدالة.
وجهاد النفس هنا يمثل المقدمة الطبيعية لقيادة المجتمع نحو القيم الإلهية.
5. أثر جهاد النفس على العلوم الإنسانية
في سياق بناء علم اجتماع إسلامي، يبرز جهاد النفس كعنصر رئيسي:
لأن العلوم التي تُبنى على نفوس ملوثة بالطمع أو المصالح السياسية تصبح منحرفة عن الحقائق.
أما النفوس الطاهرة التي تجاهد نفسها، فإنها تكون أقرب للموضوعية والعدالة في البحث العلمي.
6. جهاد النفس والهدف الأخروي
الإسلام يربط بين جهاد النفس والدنيا والآخرة:
فكلما ابتعد الإنسان عن زخارف الدنيا وزهد فيها، كان أقرب لتحقيق الغاية الأخروية.
هذا الزهد لا يعني ترك العمل أو التقدم، بل يعني استخدام الدنيا كوسيلة للآخرة، لا غاية بحد ذاتها.
7. الجهاد الفردي والجماعي
الجهاد الفردي هو تزكية النفس من الداخل.
أما الجهاد الجماعي، فيتمثل في التعاون على البر والتقوى، ومواجهة الظلم والفساد الاجتماعي والسياسي.
التكامل بين الجهادين هو ما يصنع الأمة الصالحة، ويؤهلها لتحقيق النهضة الإسلامية الحقيقية.
8. الخلاصة
يؤكد الإسلام المحمدي الأصيل أن جهاد النفس هو الخطوة الأولى نحو أي إصلاح حقيقي.
بدون إصلاح الإنسان لن تقوم دولة العدل، ولن تُبنى العلوم الإنسانية على أسس صحيحة.
فالإنسان المجاهد لنفسه هو الذي يحقق التوازن بين المادة والروح، ويقود المجتمع نحو الكمال الأخلاقي والحضاري.