المشاكل الاقتصاديّة وطريقة الإسلام في علاجها: يواجه العالم الإسلاميّ مشاكل اقتصاديّة تعيق نموّه الاقتصاديّ والحضاريّ، فلابدّ من إثارة أهمّ تلك المشاكل، وإلقاء ضوء على طريقة الإسلام في علاجها. إنّ أهمّ المشاكل الاقتصاديّة هي:
•أوّلاً: مشكلة التخلّف الاقتصادي. (التخلف بين المنافسة العالمية والظروف العامة)
•ثانياً: مشكلة الفقر .(الفقر بين المجتمع الاستهلاكي والمجتمع الكفاف).
•ثالثاً: مشكلة البطالة.(السنن الإلهية الفردية والاجتماعية في الدنيا)
ولابدّ أن نحدّد معالم هذه المشاكل، وأسلوب الإسلام في علاجها:
أوّلاً: مشكلة التخلّف الاقتصادي
لا يوجد تعريف ثابت للتخلّف الاقتصاديّ، فقد عرّفه البعض بأنّه (ضعف الخدمات المتاحة لأفراد المجتمع). وعرّفه آخر بأنّه (ضعف استثمار الثروات الكائنة في الطّبيعة). وفي الواقع أنّ هذه التعاريف تنظر إلى جانب من المشكلة وتحدّدها في ضوئهِ. إنّ التخلّف الاقتصاديّ فضلاً عن كونه يعيق حركة النموّ والرشد الاقتصاديّ يعكس آثاره على مجمل الحياة الاجتماعيّة ويعرقل حركتها باتّجاه التّكامل. التخلف الاقتصادي في الغرب هو كل نمط حياة مختلفة عن نمط حياتهم والحرمان من كل شيء يرونه مهما و مفيدا لانفسهم بل التخلف عندهم في عدم القدرة على استعمار الأخرين اقتصاديا.
ويمكن تحديد أسباب التخلّف الاقتصادي بما يلي:
1.العامل الاقتصادي.
2.العامل السياسي.
3.العامل الفكري.
وينبغي إلقاء ضوءٍ خاطفٍ على عوامل التخلّف، وطريقة الإسلام في علاج هذه المشكلة:
1 ـ العامل الاقتصادي: توجد عدّة عقبات اقتصاديّة تحول دون النموّ الاقتصادي، وهي كما يلي:
أ ـ إنّ بعض الدول مارست التجربة الاشتراكيّة، ودول أخرى اختارت التجربة الرأسماليّة في الميدان الاقتصادي، مع أنّ هذه الأنظمة نشأت في بيئة خاصّة وفي ظلّ ظروف فكريّة وماديّة معيّنة، ممّا يعني أنّ تطبيقها في العالم الإسلامي لا يمكن أن يؤدّي إلى النموّ الاقتصادي المطلوب.
إنّ الإنسان الشرقيّ الذي تولّت تربيته رسالات السماء، وخاض تجربة رساليّة في ظل الإسلام، ينظر بطبيعته إلى السماء قبل أن ينظر إلى الأرض، ويأخذ بعالم الغيب قبل أن يأخذ بالمادّة والمحسوس، ولقد عبر هذا الشعور عن نفسه على المستوى الفكري في حياة المسلمين باتّجاه الفكر في العالم الإسلامي إلى المناحي العقليّة من المعرفة البشريّة دون المناحي التي ترتبط بالواقع المحسوس، وإن كان الأخير حضي بنصيب معيّن من الاهتمام.
وفي ظلّ هذا التركيب النفسي والفكري والحضاري للإنسان المسلم، فإنّ اتباع الأنظمة الاقتصاديّة المادّية سوف يُعمق ركائز التخلّف والجمود على خلاف ما يستهدفه المخطّطون، إنّ هذه الحقيقة وحدها هي التي تُفسر فشل جميع التجارب الاقتصاديّة التي خاضها العالم الإسلامي، والتي كانت تنطلق من الإيمان بالاقتصاديّات الماديّة… وهي نفسها تشكّل ضمانة نجاح للنظام الاقتصادي الإسلامي.
2 ـ ضعف التقنية: يعيش العالم الإسلامي فقراً حاداً في امتلاك الوسائل التكنولوجيّة الحديثة، ممّا يجعله يعتمد على الطّرق والأساليب المتخلفة في العمل الإنتاجي، ففي الكثير من الدول الإسلاميّة لا يزال المنجل يمثّل الوسيلة الرئيسيّة في العمل الزّراعي إلى جانب بعض الأدوات اليدويّة الأخرى، ممّا يعيق الحركة الاقتصاديّة ويضيع الفرص أمام الاستثمار الأمثل لثروات الطّبيعة.
3 ـ ضعف الإنتاجيّة: والمقصود بضعف الإنتاجيّة هو عدم تكافؤ زمان عمل العامل مع وحدة إنتاجيته، حيث نجد أنّ بعض الأفراد لا يمارس دوره الإنتاجيّ بوعيّ بأهميّة العمل في حضارة المجتمع، إنّما يقدم على العمل مع شعور باللامبالاة بحجم نتائج عمله، فالمهمّ عنده هو انتهاء فترة العمل ليعود إلى منزله. وهذا الشعور نشأ في ظلّ الأفكار والنظم المادّية المهيمنة على السّاحة، والتي تولّد في نفس العامل فكرة سلبيّة عن الإنتاج والعمل.
موقف الإسلام من العامل الاقتصادي
إنّ علاج هذه المشكلة ينبع أساساً من النظرة الشموليّة التي يتمتّع بها الإسلام، حيث لم يقتصر النظام الإسلامي على تنظيم الجانب الاجتماعي والسياسي للمجتمع الإسلامي، إنّما صمّم نظاماً اقتصاديّاً يكفل تنظيم جميع العمليّات والمبادلات الاقتصاديّة وفق نظريات الإسلام حول العدالة والحقّ، وبذلك يتخلّص المجتمع الإسلامي من النظم الاقتصاديّة المادّية التي عمّقت التخلّف في العالم الإسلامي.
وفي الواقع إنّ المجتمعات الإسلاميّة حين تعيّ وجود النظام الاقتصادي في الإسلام، فإنّها سوف تلتزم به جنباً إلى جنب مع التزامها بنظامه الاجتماعي والسياسي، إلاّ أنّ المثقفين المتأثّرين بالأفكار المادّية شوّهوا صورة النظام الاقتصادي في الإسلام، ووضعوه في صيغة أقرب إلى صيغ الإرشاد الأخلاقي والنّصح الروحي منه إلى كونه نظاماً اقتصادياً يعالج مشاكل الإنتاج، ويحدّد حصص جميع أفراد المجتمع من الثروة المنتجة.. بل إنّ بعضهم جعله في صورة الاقتصاد الرأسمالي، وبعض آخر وضعه في صورة الاقتصاد الاشتراكي وقدّمه للمجتمع بوصفه النظام الاقتصادي في الإسلام. يبقى مسئلة واحدة و هو أن الاسلام أصبح 73 فرقة و علينا أن نكتشف أي اسلام صحيح ؟ الاسلام السلفي أوالاسلام الاخواني ام الاسلام المحمدي الاصيل.
2 ـ العامل السياسي
يقوم العامل السياسي(نقصد بالعامل السياسي طبيعة النظام السياسي الحاكم، وخياراته السياسيّة، ومواقفه من العمليّة الديمقراطيّة ومن قضية التنمية الاقتصاديّة، وعلاقاته مع العالم الخارجي) (الاستعمار القديم و الحديث) بترسيخ دعائم التخلّف في العالم الإسلامي من خلال الإجراءات والمواقف السياسيّة التي يتّخذها، والتي تحول دون انفتاح الأمّة على جوهر مشاكلها، والانطلاق في علاجها، وهي:
1ـ عدم التكافؤ في العلاقات السياسيّة مع الدول التي تستحوذ على صنع القرار السياسي الدولي، إنّما تقيم معها علاقة بالشكل الذي يجعلها تعمل تبعاً للخطّ السياسي المرسوم لها داخليّاً وخارجيّاً(وأفضل نموذج لذلك نظام صدّام حسين في العراق، حيث شن حروبه المتتالية على إيران ثمّ على الكويت وفقاً للمخطّط الأمريكي).
2ـ توجيه عمليّة التنمية والبناء الاقتصادي واجهة سطحيّة لا تستجيب لمصالح الأمّة، ولا تحقّق أهدافها الجوهريّة في التقدّم والاستقلال.
3 ـ خلق المشاكل والعقبات التي تحول دون صرف الطّاقات والجهود في طريق البناء(وللمثال نذكر دور بريطانيا وأمريكا في إيجاد إسرائيل في قلب العالم الإسلامي، لتكون رأس حربة ضدّ نموّ العالم الإسلامي، وإيجاد التفرقة بين الأديان السماويّة وبين المذاهب الإسلاميّة).
موقف الإسلام من العامل السياسي
يسعى الإسلام لتكوين نظام سياسي قادر على تحقيق الأهداف العليا التي أنيطت به بوصفه نظاماً إسلاميّاً، وهي: تحقيق الاستقلال والعدل والرفاه لجميع أفراد المجتمع في إطار تطبيق أحكام الإسلام. إنّ الإسلام يمنح القوّة والثقة بالنفس للنظام من خلال دعوة المجتمع لدعمه ومنحه التأييد اللازم، والوقوف إلى جانبه في الأزمات والمشاكل التي تعترض مسيرة النظام الإسلامي.. إنّ النظام السياسي حيث يشعر أنّ الشعب يقف إلى جانبه سوف تتعاظم قوّته وثقته بقدراته، فليس من مبرّر لتقديم التنازلات واتّخاذ المواقف الضعيفة تجاه الدول التي تستهدف إضعاف العالم الإسلامي وسلب مقدّراته، كما أنّ النظام السياسي الإسلامي يقوم على أساس ركائز مبدئية ثابتة تدفعه دوماً إلى الابتعاد عن الوقوع في الفخّ الذي تنصبه تلك الدول لإذلال العالم الإسلامي.
وهكذا نعرف أن تنشيط دور الشعب في تشكيل الدولة ومؤسّساتها وفي اتّخاذ قراراتها والأسس المبدئية التي يستند عليها النظام السياسي الإسلامي، كفيلة بمعالجة الجذور السياسيّة التي تؤدّي إلى بقاء التخلّف الاقتصادي للأمّة. لكن الاسلام لايعطي الحرية الكاملة للشعب ولا يتركها دون توجيه وفي نفس الوقت لا يضحك عليها بدموقراطيات مزيفة و مخترقة بالاعلام الماسوني.
3 ـ العامل الفكري
إنّ ثمّة صلة أساسيّة بين الاتّجاهات الفكريّة السائدة في المجتمع، وبين حجم الحركة الإنتاجيّة والابداعيّة في الميادين التكنولوجيّة ذات الصّلة بالعمل الإنتاجي وغيره؛ وذلك لأنّ طبيعة الاتّجاه الفكري يُحدّد موقف الإنسان، ودرجة فاعليته في الحركة الاقتصاديّة برمّتها. ففي ضوء ذلك يمكن القول: إنّ الأفكار السلبيّة ساهمت في تعميق تخلّف الأمّة الإسلاميّة، وفيما يلي أهمّ تلك الأفكار:
1ـ سعي الدول الاستعماريّة في تجريد الإسلام عن طابعه الحضاري واعتباره مجرّد صلة قلبيّة تربط الإنسان بربّه.
2ـ نشاط الفكر الغربي في طرح أفكاره بوصفها الأفكار العصريّة القادرة على صناعة الإنسان، وعلى قيادة الحضارة الإنسانيّة باتّجاه الازدهار، وإنّ ما يقابلها من أفكار يمثّل الاتّجاه الرجعي أو المنحرف الذي يجب إبعاده عن دائرة التأثير والفعل.
إنّ هذا الهجوم الفكري على العالم الإسلامي والذي استهدف الطعن بأفكاره وقيمه كان هجوماً شرساً بحيث استطاع أن يغرّر بأغلب رجالات الفكر في العالم الإسلامي، وأن يؤثّر تأثيره البالغ في إيجاد الفاصلة بين المجتمع وبين الإسلام بوصفه نظاماً للمجتمع وللدولة (ومع انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بدأت غيوم الشبهات تتبدّد وتظهر حقيقة النظام الإسلامي ودوره الحضاري في قيادة الأمّة).
موقف الإسلام من العامل الفكري
رغم شراسة الحملة الفكريّة ضدّ الإسلام، استطاع هذا الدين أن يواصل عمله في صنع القيادات الرساليّة الفذة القادرة على المواجهة الفكريّة والميدانيّة، وعلى صنع الأجيال المؤمنة به، ومع استمرار المواجهة المعاصرة والشرسة بين الفكر المادّي وبين الإسلام، وعلى امتداد ثمانين عاماً منصرمة استطاع الإسلام أن يحقّق الانتصارات السياسيّة والفكريّة التي فاجأت المفكّرين والساسة والغربيين الذين ظنّوا أنّهم نجحوا في إبعاد الإسلام نهائياً عن ساحة الفعل والتأثير في حياة الفرد فضلاً عن حياة المجتمع والمحيط الدولي. إنّ هذه القوّة التي تشعّ من الفكر الإسلامي من خلال نصوصه القرآنيّة وأحاديث رسوله لا تزال قادرة على شدّ أبناء الأمّة إلى الإسلام، وعلى خوض المواجهة الفكريّة والخروج منها بنجاح، كما أثبتت التجربة الإسلاميّة المعاصرة.
ثانياً: مشكلة الفقر
تعريف الفقر
يمكن تعريف الفقر بأنّه: (قصور الدّخل الفردي عن إشباع حاجات الإنسان).
ولا نقصد من حاجات الإنسان في التعريف خصوص الحاجات الأساسيّة كالحاجة إلى الغذاء والسكن وما شابه، إنّما نقصد بها تلك الحاجات التي اعتاد المجتمع على إشباعها وإن كانت ليست أساسيّة، فلو اعتاد أفراد المجتمع على أن يكون لكلّ فرد سيّارة خاصّة، أو جهاز خاصّ فإنّ الحرمان منهما يعني تحقّق الفقر. لكن هناك حاجات تفرضها ضعف النفس والاعلام والدعاية وكلام الناس علي الشخص وهي غير اساسية لكنها قد تشكل ضغط نفسي وروحي قد يتخيلها الانسان الضعيف النفس بأنها أهم من الحاجات الأساسية. وهنا يدخل الكماليات و نمط المعيشي الاستهلاكي و مفاهيم خطرة جدا على القيم الانسانية والأخلاقية عند الشخص.
أسباب الفقر
يمكن إرجاع سبب الفقر إلى ما يلي:
1ـ ضعف دخل الفرد الناشئ من ضعف مستوى عمله أو ضعف كفاءته، فمن الواضح أنّ المستخدم العادي لا يظفر بدخل كفيل بتحقيق جميع مطاليبه وحاجاته بالمعنى المتقدّم من الحاجة.
2ـ عدم العمل والمشاركة في الإنتاج، لأسباب صحّية أو لأسباب اقتصاديّة، فإنّ الفرد الذي لا يعمل لا يحصل على نصيب من الثروة المنتَجَة بوصفه منتجاً، لأنّه لم يشارك في العمليّة الإنتاجيّة.
3- الظلم في توزيع المال والانتاج وهذا الظلم اما داخلي وإما ظلم الدولة وإما ظلم أممي واستعماري.
4-ثقافة خاطئة في التبين الحاجات المادية الاساسية والنشاط الاقتصادي الصحيح.
إنّ النظريات الاقتصاديّة المعاصرة لا تُقدّم أيّة مساعدة إلى الصنف الأوّل من أصحاب الدخل الضعيف؛ لأنّه ـ في زعمها ـ ينال حظّه من الإنتاج بمقدار عمله، فلا مبرّر نظري لمنحه مساعدة. أمّا الصنف الثاني فإنّه أيضاً لا يوجد مبرّر لإعطائه حصّة من الثروة المنتَجَة؛ لأنّه خارج عن دائرة الإنتاج وبدوره خارج عن دائرة التوزيع، ورغم أنّ بعض النظم الاقتصاديّة تمنح العاطلين عن العمل مبلغاً ماليّاً شهريّاً إلاّ أنّها على مستوى النظريّة عاجزة عن تفسير ذلك الحقّ، كما أنّ ذلك العطاء يمثّل الحدّ الأدنى من حاجة الفرد.
نتائج الفقر
يؤدّي الفقر إلى مشاكل فرديّة واجتماعيّة معقّدة، وفيما يلي أهمّ تلك المشاكل:
1 ـ حرمان الفرد من حقه في الحياة بصورة تليق به كإنسان.
2 ـ تفكّك المجتمع وبروز حالات الحقد والحسد بل والتوسّل بالطّرق غير المشروعة للحصول على المال، كما هو المشاهد في المجتمعات الغربيّة.
3 ـ وقد يؤدّي الفقر إلى نشوء حروب طاحنة بين الطّبقات الفقيرة والطّبقة الغنية.
علاج الإسلام لمشكلة الفقر
لقد أدرك الإسلام حجم الآثار التي يولّدها الفقر في المجتمع الإسلامي، واهتمّ بعلاج هذه المشكلة اهتماماً بالغاً على مستوى النظريّة وعلى مستوى الإجراءات الموضوعيّة.
الثقافة الاقتصادية الصحيحة
في المجال النظري دعا الإسلام إلى العمل وشجّع عليه واعتبره عبادة، وهذا الاهتمام المباشر بالعمل كفيل بدفع الإنسان المسلم نحو النشاط والمثابرة؛ لأنّه بذلك يحقّق أهداف الإسلام ورضى الربّ، وبذلك يتجاوز مشكلة الفقر. كما نفّر من الفقر واعتبره موتاً أكبر، بل كاد أن يكون كفراً كما في بعض النصوص. إنّ هذا التصوّر يضع الفقر في موقع الشرّ الذي يجب على الفرد أن يسعى من أجل تخطّيه. إنّ هذه الأسس النظريّة التي تملأ فكر الإنسان ووجدانه كفيلة بدفع الفرد نحو العمل والإنتاج.
علاج الفقر من خلال تصحيح مفهوم الحاجة عند الانسان
من منطلق أخشوشنوا فأن النعم لا تدوم و من باب الوسطية والاعتدال في الاستهلاك و من باب حث الأغنياء على مداراة الفقراء وحث الأمراء على نمط المعيشي لدى عامة الناس و من باب مراعاة الاخلاقيات والقيم الانسانية في الدعاية والاعلانات والترويج للسلع الاستهلاكية و … نجد أنفسنا أما حالة ثقافية وتثقيفية كبيرة في المجتمع لتصحيح مفهوم الحاجات الانسانية والتي بدورها تنمي الاحساس بالقناعة والغنى الداخلي في الإنسان و تزيل الفقر الزائف في المجتمعات.
الضمان الاجتماعي لمعالجة الفقر في المجتمع
لم يكتفّ الإسلام بمجرّد التعاليم والإرشادات الفكريّة والعاطفيّة لإنقاذ الإنسان من مشكلة الفقر، بل اتّخذ إجراءات عمليّة حاسمة لمواجهة هذه المشكلة. ويمكن ملاحظة هذه الإجراءات ضمن ثلاث خطّوط، هم: خطّ الضمان الاجتماعي، وخطّ التوازن الاجتماعي. والخطّ الأوّل يوفّر للعاجزين عن العمل أو للذين لا يجدون عملاً نصيبهم من الثروة. والخطّ الثاني تصحيح مصار الانتاجية و توزيع الثروات بشكل عادل. والخط الثالث : الدولة العالمية الصالحة.
فرض الإسلام على الدولة ضمان معيشة أفراد المجتمع الإسلامي ضماناً كاملاً، وهي عادة تقوم بهذه المهمّة على مرحلتين، ففي المرحلة الأولى من خلال مكانة الأسرة في الاسلام و تهيئ فرصة المساهمة الكريمة في النشاط الاقتصادي المثمر ليعيش على أساس عمله وجهده، فإذا كان الفرد عاجزاً عن العمل، أو كانت الدولة في ظرف استثنائي لا يمكنها منحه فرصة العمل، جاء دور المرحلة الثانية التي تمارس فيها الدولة تطبيق مبدأ الضمان عن طريق تهيئة المال الكافي، وتوفير حدّ خاصّ من المعيشة له. ومبدأ الضمان الاجتماعي هذا يرتكز في المذهب الاقتصادي للإسلام على أساسين، ويستمدّ مبرراته المذهبيّة منهما، أحدهما التكافل العامّ، والآخر حقّ الجماعة في موارد الدولة العامّة.
الأساس الأوّل للضمان الاجتماعي التكافل العامّ، وهو المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية كفالة بعضهم لبعض، ويجعل من هذه الكفالة فريضة على المسلم في حدود ظروفه وإمكاناته يجب عليه أن يؤدّيها على أيّ حال كما يؤدّي سائر فرائضه.
والضمان الاجتماعي الذي تمارسه الدولة على أساس هذا المبدأ للتكافل العامّ بين المسلمين، يعبّر في الحقيقة عن دور الدولة في إلزام رعاياها بامتثال ما يكلّفون به شرعاً، ورعايتها لتطبيق المسلمين أحكام الإسلام على أنفسهم. وبموجب هذا الحقّ يتاح لها أن تضمن حياة العاجزين وكالة عن المسلمين، وتفرض عليهم في حدود صلاحياتها مدّ هذا الضمان بالقدر الكافي من المال الذي يجعلهم قد أدّوا الفريضة وامتثلوا أمر الله تعالى.
وينتج عن ذلك: إنّ الكفالة القائمة على هذا الأساس إنّما هي في حدود الحاجات الشديدة، فالمسلمون إذا كان لديهم فضل عن مؤونتهم فلا يسعهم أن يتركوا أخاهم في حاجة شديدة، بل يجب عليهم إشباع تلك الحاجة وسدّها. وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الأخوّة العامة بين المسلمين والإنسانية بين كل البشر.
الخطّ الثاني: التوازن الاجتماعي
يجب على الدولة الاسلامية تصحيح مصار توزيع الثروة و تصحيح مصار الانتاج و هذا هو مبدأ التوازن الاجتماعي الذي تُعتَبَر الدولة مسؤولة بصورة مباشرة عن تطبيقه وممارسته في المجتمع الإسلامي. وأمّا الأساس النظريّ الذي ترتكز فكرة التوازن في هذا المبدأ عليه فمن الممكن أن يكون إيمان الإسلام بحقّ الجماعة كلّها في موارد الثروة (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً). القاعدة المذهبيّة للتوزيع القائلة بأنّ العمل هو أساس الملكيّة ومالها من حقوق.
الخط الثالث : الدولة العالمية الصالحة
حين عالج الإسلام قضية العدالة الاجتماعية وهكذا نخرج من تسلسل المفاهيم إلى مفهوم الإسلام عن الضمان الإجتماعي والتوازن الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، وجعل وليّ الأمر المسلمين مسؤولاً عن تحقيقه بالطّرق المشروعة بين المسلمين و في الدول الإسلامية و بل بين المستضعفين وبين الدول المستضعفة من خلال اقامة دولة عالمية وحضارة اسلامية ناصعة
وهكذا تكتمل في ذهننا الصورة الإسلاميّة المحدّدة لمبدأ العدالة الاسلامية العالمية لأن في ظل العولمة والتكنولوجيا المتطورة لا يمكن العيش في جزيرة منفصلة عن العالم، ونعلم أنّ الهدف الموضوع لوليّ الأمر هو العمل لإلحاق الأفراد المتخلّفين في كل العالم بمستوى أعلى على نحو يحقّق مستوى عامّاً مرفّهاً للمعيشة.
ثالثاً: مشكلة البطالة
تعني البطالة عدم وجود فرصة عمل أمام الشخص القادر فعلاً على إشغال تلك الفرصة. وينبغي أن نفرّق بين شكلين من أشكال البطالة، أحدهما بطالة مصطنعة، ونقصد بها طلب الشّخص لفرصة عمل في وقت يعتبر من فرص استراحته، كفراغ الطّالب في التعطيل الصيفي للمدارس، أو بالنسبة لموظّف أو عامل يتمتّع بإجازة قصيرة يحاول استثمارها بالعمل. والثانية البطالة الحقيقيّة ونقصد بها عدم وجود فرصة عمل لعامل غير مكلّف بالتزام معيّن. وهناك بطالة مقنعة شخص يعيش على المساعدات ولا يبحث بجد عن فرص العمل.
أنواع البطالة
توجد عدّة أنواع من البطالة نذكر أهمّها:
1 ـ البطالة الجماعيّة: وتتولّد عن الدورات الاقتصاديّة، أو التقلّبات في الأعمال التي أخذت تصيب الدول الصناعيّة بشدّة وبصورة منتظمة تقريباً منذ نشوء الثورة الصناعيّة، وسبب هذه البطالة هو ركود الفعاليّات الاقتصاديّة وكساد عامّ يقلّ على أثرها الطّلب، ويتقلّص الإنتاج وتتولّد البطالة.
2 ـ البطالة الموسميّة: وتنشأ في المشاريع التي يتأثّر العمل فيها بتغيير المواسم أو تغيير المناخ، وذلك مثل أعمال البناء والطّرق والجسور، فإنّ سوء الأحوال الجويّة تؤدّي إلى توقّف الأعمال فيها، ومثل مشاريع تعليب الفواكه والمخضّرات، فإنّ العمل فيها ينشط في مواسم نضج الفاكهة، ويتقلّص في المواسم الأخرى.
3ـ البطالة الهيكليّة: وتعني تحوّل الطّلب عن بعض الصناعات إلى الأخرى، أو تغيّر كبير في الهيكل الصناعي للدولة، فتتولّد البطالة في الصناعات التي تقلّص الطّلب فيها.
4ـ البطالة التقنيّة: وهي تنشأ نتيجة التقدّم الفني في الإنتاج وإحلال الآلة وطرق الإنتاج الحديث محلّ العامل.. فيستغنى عن بعض العُمّال، فتنشأ البطالة.
5ـ البطالة المقنّعة: وهي ممارسة بعض الأعمال البسيطة التي لا تعود بأرباح محسوسة كبيع السكاير مثلاً.
6ـ البطالة الفنيّة: وهي الاختصاص بفرع إنتاجي معيّن لا يستطيع صاحبه ممارسته في بلده الذي يعيش فيه.
7ـ وقد تنشأ البطالة نتيجة اضطراب سوء الأحوال الصحّية للفرد ممّا يضطر إلى ترك العمل، أو لا يجد عرضاً بالعمل يناسب وضعه الصحّي.
هذه هي أهم أنواع البطالة.
آثار البطالة على الوضع الاقتصادي
أنّ البطالة تلحق أضراراً فادحة في الوضع المعاشي للعُمّال واُسرهم، حيث لا يستطيعون تلبية متطلّبات المعيشة إلاّ بصعوبة بالغة، وهذا بدوره يثير المشاعر النفسيّة المؤلمة في نفوس العمّال وذويهم. كما تحدث البطالة أضراراً فادحة في اقتصاد البلد، إنّ حجم الركود الإنتاجي يأخذ أبعاده تبعاً لحجم البطالة وانتشارها في المجتمع، كما أنّ استفحال ظاهرة البطالة يؤدّي إلى التوقف عن تنفيذ المشاريع الجديدة؛ للعلم مسبقاً بعدم وجود طلبات تدفع أصحاب المشاريع إلى تنفيذ تلك المشاريع.
أساليب علاج ظاهرة البطالة
إنّ وجود ظاهرة البطالة واستمرارها لا تهدّد استقرار العُمّال فحسب، بل تهدّد الحركة الإنتاجية بالشلل، يمكن ممارسة الخطوات التالية لمعالجة البطالة:
1 ـ توسيع نطاق المشاريع العامّة كإنشاء المصانع الإنتاجيّة ومشاريع العمران التي تؤدّي إلى استحداث فرص عمل للعاطلين، وإلى توسيع الطّلب على السّلع والخدمات الذي بدوره يُصعّد حركة الإنتاج.
2 ـ خفض معدّلات الضرائب حيث يساهم ذلك في رفع القدرة الشرائيّة للفرد، وهذا يؤدّي إلى زيادة الطّلب. إنّ هذه الإجراءات سوف تتمخّض عن زيادة معدّلات الإنتاج الذي يستدعي تأمين فرص للعاطلين عن العمل.
3 ـ خفض مستوى القيود الإداريّة والتنظيميّة عن المشاريع الفرديّة الحديثة وتقديم يد المساعدة إليها للدخول إلى ميدان الإنتاج، ممّا يوفّر ملاكات عمل جديدة للعاطلين. من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية” لمؤلفه محمد كوراني