من كتاب الحضارة المشرقة المستدامة القادمة – محمد كوراني
القانون والشريعة والدين في الحضارة المثالية يجب ان تكون مثالية أيضا : الحضارة والفوضى لا يجتمعان، لا يمكن أن نتخيل حضارة دون نظام دقيق وحاسم، النظام في الحضارة يتجلى في سلوك الأفراد في أنفسهم وفي سلوك الأفراد في المجتمع، لذلك الحضارة بحاجة لشريعة تنظم سلوكيات الشخص مع نفسه، وبحاجة لقانون تنظم علاقة الافراد فيما بينهم في هذه الحضارة، فكلما كان سلوك البشر في المجتمع سلوكا معقدا، فالنظام يقتضي قانون وشريعة معقدة، لذلك الحضارة المثالية تحتاج الى قانون مثالي وإلى شريعة مثالية، تتناسب مع الانسان وطبيعته وفكره وخياله وفطرته وطموحه ونفسه، …
الانسان لديه نزعات وغرائز تشده الى الاسفل والى الواقعية، ولديه خيال واسع وطموح كبير يشده الى الأعلى ويجعله يظن نفسه حاكما على الكون كله، لذلك وجود التوازن شرط اساسي حيث تقتضي أن تكون الشريعة والقانون عالمان باحاسيس البشر وعارفا بنفسياته، وقادر على توجيه هذه الطاقة الهائلة الى القيم الإنسانية الأصيلة والقيم الاخلاقية السامية ليصل الانسان الى بر الأمان والسلام و يجد الراحة والرخاء ويحقق السعادة واللذة المستدامة، وذلك من خلال سيطرة الانسان على نفسه وفرض العقل والعقلانية على سلوكه وكبح جماح النفس والغريزة لصالح المصلحة والخير، والتحرر من كل القيود التي تحبس النفس البشري في سلوك مضرّ له،
فلذلك القانون والشريعة المثالي يجب أن يحرر الإنسان من كل القيود التي تحبسه وتقيده في إطار سلوك لا يحبذه العقل والمنطق، بل أكثر من ذلك عندما تتعارض المصالح والمنافع والملذات، فالقانون والشريعة يجب أن يساعدا الانسان في الالتزام بسلسلة الأولويات التي هو بنفسه مقتنع بها وهنا لا أتكلم عن آراء الآخرين، إذا كنت مقتع عقلا ومنطقا بأن هذا البرنامج اليومي هو لصالحك، فالقانون والشريعة يجب أن يعطيك القدرة بالالتزام بهذا البرنامج اليوم، من حيث ساعات النوم و نوعية الطعام، وأنواع اللذائذ وساعات النشاط الشخصي والاجتماعي و وحالات القلب والروح،
نعم ليست الأمور بهذه البساطة، القانون المثالي والشريعة المثالية يجب أن تساعد الشخص وتساعد المجتمع الى الالتزام بكل التفاصيل التي تجلب له الخير والعافية وتساعده على التخلي عن كل التفاصيل في حياته التي تجلب له الشرّ والتعب والعذاب بحسب سلسلة من الأولويات المعقدة بحسب تعقيد كل فرد، ليتنعم من جميع النعم بأفضل طريق ممكن ويستلذ من حياته بأفضل اسلوب ممكن، يصل الى جميع أهدافه المصيرية والمهمة بأسهل سبيل ممكن.
عند دراسة شخصية الانسان وسلوكه تجد بأن القانون المثالي والشريعة المثالية تحظى بمجموعة من القواعد الفكرية ليتم تحديدها وتشخيصها وهي قواعد عامة وعلى كل شخص أن يحدد بمفرده ما هو القانون المثالي والشريعة المثاليه له، فاما القواعد الفكرية العامة هي كالتالي:
1) هي مجموعة كبيرة منسجمة ومتناسقة ومتشابكة من القيم لا تتعارض مع بعضها البعض.
2) هي مجموعة منسجمة ومتناسقة ومتشابكة من المفاهيم الدينية، لا تتعارض مع بعضها البعض.
3) هي مجموعة منسجمة ومتناسقة ومتشابكة من المعتقدات، لا تتعارض مع بعضها البعض.
4) تساعدنا على الحصول على أفضل نظام وتوازن ممكن في المجتمع من خلال فرض القواعد والقيم.
5) أن لا تكون سهلة متهاونة وكذلك لا تكون مستحيلة ممتنعة، في سبيل ايجاد النظام والتوازن.
6) لا يمكن أن تكون منشأها بشريا وكذلك ليس حيوانياً عند تقديم الحلول والعلاج وتقديم الوقاية والحماية.
7) تتناسب مع فطرة الإنسان ولا تتناسب مع كسل البعض، في الوصول الى الغاية المطلوبة والهدف المنشود.
8) تتناسب مع العقل البشري فلا تتعارض معه وليس بالضرورة أن يكون خاضعا لعقل الجميع واستحساناتهم
9) أن تشمل كل جوانب حياة البشر وملمة بكل تفاصيله وتكاوينه، تهتم بالعواطف البشرية وفكره واحاسيسه لنيل الكمال
10) تدعو للعقلانية، الاخلاقية، الإنسانية وتدعمها ولا ترفضها بالاطلاق ولا تتخلى عنها حتى للحظة واحدة
11) أن تعرف نقاط الضعف لدى البشر وتعترف بنقصه وجهله النسبي والمطلق وتقدم الحلول والوقاية
12) تتجدد في كل زمان ومكان بحسب الظروف دون أن تبتعد كثيرا عن مبادئها.
13) تقاوم الانحراف بطرق منطقية وعقلانية التي لطالما افسدت المعتقدات وحولتها الى اساطير وخرافات.
14) تعطي اجابة للاسئلة الثلاثة المصيرية للإنسان من أين أتينا؟ و ما هو الهدف من وجودنا هنا؟ و الى أين سائرون وراجعون؟
15) تفسر لنا بشكل منطقى وعقلاني كيفية الوصول للسعادة الأبدية؟
16) تبرر مكانتها ومكانة مجتمعها في الدنيا اذا كانت حاكمة أو محكومة، غالبة أو مغلوبة، وهل وصلت الى الحالة المثالية أم لا؟
17) تقدم أفضل تفسير عن وجود الظلم والأمراض والبلايا والعاهات الدائمة والمزمنة في الدنيا بأفضل شكل ممكن؟
18) تضمن استمرارية القانون والشريعة وصيانتها عن التحريف والانحراف بأفضل الطرق الممكنة.
19) تحكم لألف سنة، أو تعد وعداً صادقاً بتقديم نموذج لحكم ناجح ناجع يمتد ما يقارب ألف سنة .
20) تفتح المجال وتسنح الفرصة للاستفادة من نعيم الدنيا بأفضل طرق ممكنة لا تتعارض من الاستفادة من نعيم الحياة ما بعد الموت.
21) تقدم أفضل وأجمل وأحسن تعريف عن الإله لا يتعارض مع كونه اله قادر ، تحب الخير وتكره الباطل
22) حاملة الشريعة وناقلتها يجب أن تكون هي نفسها صاحبة أفضل وأجمل وأحسن الأوصاف
23) إذا كان هناك عالم ما بعد الموت ينتظرنا فيجب أن يساعدنا القانون والشريعة على نيل السعادة فيها، لكن يجب على القانون والشريعة المثالية أن تقدم أفضل عدالة بشرية ممكنة في هذه الدنيا.
24) لا تخرج الشريعة المثالية والقانون المثالي عن مسار حفظ الإنسان في حياته من خلال حفظ الضرورات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال بشكل عام.
الصراع بين الخير والشر، صراع أزلي، على الشريعة المثالية أن لا تبرر للشر ابدا ولا تهادنه ولا تجاريه، لكن عليها أن تخاطب العقول البشرية وتتناسب وتداري قواهم الجسدية والنفسيه وتساعدهم وتمد لهم يد العون والتسديد وتفتح المجال للتوبة والرجوع عن الخطأ وتساعد الإنسان على البلوغ لأعلى مستوى ممكن من الكمال، لأن النفوس كلها متعطشة للكمال ولو كانت تبحث عنه في المكان الخاطئ.
خصائص الشريعة المثاليّة و أهداف الشريعة المثالية (القانون المثالي) حفظ الكيانات الخمس، وهي: العقيدة، والنفس، والعقل، والنسل، والمال بالوقاية الوجوبية والمستحبية والاخلاقية والادابية والتكاملية والتراتبية.