الرؤية الاسلامية للمجتمع الانساني، من كتاب العلوم الانسانية الاسلامية ، محمد كوراني

الرؤية الاسلامية للمجتمع الانساني، من كتاب العلوم الانسانية الاسلامية ، محمد كوراني

الاسلام قائم على اصول الدين في العقيدة وهي التوحيد والنبوة (والإمامة) والمعاد الذي يفسر مكانة الانسان في الوجود وسير الخلق من قبل الولادة الى ما بعد الموت حتي يوم القيامة واما العدل والامامة هي تطبيقات عملية للتوحيد والنبوة والإمامة: وهو الإيمان والتصديق بإمامة الأئمة الإثني عشر وهو من ضروريات المذهب، كما تعتقد أنّ الأئمة كلهم معصومون ، وهم المسؤولون عن حفظ الشريعة، وعن هداية الناس إلى طريق الحقّ والحقيقة كما يجب على الجميع إطاعتهم. والإمام الثاني عشر الإمام المهدي الحجة المنتظرعجل الله تعالى فرجه. حيّ غائب و ينوب عنه في عصر الغيبة “رواة الحديث” الذي يسمونهم اليوم المراجع العظام وفي فترة القرن العشرين تتجلي اعلى درجات “رواة الحديث” ب”الولي الفقيه” ودولته حيث تعني “حاكميّة المجتهد الجامع للشرائط في عصر الغيبة”. فالامامة هي تجلي لفكرة الولاية أي ولاية الله على الخلق والوجود وكذلك الاسلام قائم على فروع الدين في الاحكام العملية والعبادات الدينية فأنّ فروع الدين عشرة، وهي: الصلاة، الصوم، الحج، الجهاد، الزكاة، الخمس، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، التولّي والتبرّي. حيث نجد أن هنا تظهر التولي والتبري كعنوان اساسي للاحكام العملية. و تحقق اصول الدين والفروع الدين في أفضل حالتها وأكمل درجاتها في كل زمن بحسب “قواعد الولاية” فتشكل  الولاية القواعد الاساسية لدراسة علم الاجتماع الاسلامي على سبيل المثال.

الولاية في زمن الغيبة

وردت كلمة الولاية في القرآن الكريم, وفي نصوص أهل البيت عليهم السلام، وفي كلمات العلماء المسلمين, واستخدمت باستخدامات متعددة، منها المحبة والنصرة والسلطة و…، والولاية التي هي موضوع بحثنا هي بمعنى السلطة وبالتحديد سلطة الفقيه على الناس في عصر الغيبة الكبرى … وقد رسم المعصومون الأطهارعليهم السلام معالم هذا السبيل وأبرزوا بعضاً من جوانبه, فبذور ولاية الفقيه موجودة في صريح أحاديثهم عليهم السلام, إن ولاية الفقيه ليست مجرد نظرية فكرية يبحثها العلماء في طيات كتبهم، ولا هي مجرد حلم يراه المثاليون ويصورونه في مخيلاتهم، بل هي حياة وواقع ومنهج ونظام، يقوم على أساسها المجتمع الإسلامي ليحقق الإنتصارات الواحد تلو الاخر ببركتها. ولاية الفقيه هي النهج الإسلامي في هذا العصر الذي استطاع أن يقدم الإسلام بأبهى صوره.

جهاد النفس كخطوة فردية في الاسلام تكتمل بالخطوات الجماعية

ورد كثيراً من الأحاديث عن النبي وأهل بيته(صلى الله عليه واله وسلم) بعنوان أبواب جهاد النفس، عسى أن ينتفع به من يحرص على إصلاح ما بينه وبين خالقه، فان مدرسة أهل البيت وتعاليمهم هي وحدها تكشف ما ينطوي عليه قول جدهم سيد الكونين (صلى الله عليه واله وسلم): انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وقوله: الدين النصيحة والمعاملة. وقوله: المهاجر من هجر السيئات. وقوله: الدين بذل الجهد وصدق العمل.. إلى غير ذلك مما يربط الإسلام بالحياة، ويسير بها إلى ما هو أحسن وآمن وهذا الموضوع مهم جدا لأنه يحدد علاقة الانسان بالدنيا والأخرة بحسب الهدف الذي يختاره لنفسه فاذا اختار لنفسه اعلى درجات الأخرة فعليها ان يزهد بالدنيا بأكثر مقدار ممكن له فالزهد هنا حكم فردي يعفيه عن واجبات الشأن العام بحسب قدراته.

الحكومة وسيلة لتحقيق الأهداف السامية

تولي أمر الحكومة في حد ذاته ليس مرتبةً ومقاماً، وإنَّما مجرد وسيلة للقيام بوظيفة تطبيق الأحكام, وإقامة نظام الإسلام العادل. يقول أمير المؤمنين عليه السلام لابن عباس عن نفس الحكومة: “ما قيمة هذا النعل؟ فقال ابن عباس: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: والله لهي أحبُّ إليَّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً (الحق هو مفاهيم الاسلام وقيمه) أو أدفع باطلاً” (اقامة العدل والقسط) إذاً فنفس الحاكمية والإمارة لا قيمة لها الا أنها مجرد وسيلة للوصول الى هدف مقدس. وهذه الوسيلة إذا لم تؤدِّ إلى عمل الخير وتحقيق الأهداف السامية، فهي لا تساوي شيئاً عند أهل الله. ولذا يقول ورد في نهج البلاغة “لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر… لألقيت حبلها على غاربها” (أي لتركت تلك الحكومة والإمارة) وذلك بديهي، فتولي الحكومة هو مجرد تحصيل وسيلةً وليس مقاماً معنوياً. إذ لو كان مقاماً معنوياً لما تمكن أحد من غصبه أو التخلي عنه. فبمقدار ما تكون الحكومة والإمارة وسيلةً لتطبيق الأحكام الإلهية وإقامة النظام العادل للإسلام، بمقدار ما تكون ذات قدر وقيمة في نشاة العلوم و تطويره، ويكون المتولي لها جليل القدر، سامي المقام. بعض الناس هيمنت عليهم الدنيا، فهم يتوهمون أنّ الرئاسة والحكومة بحدِّ ذاتها شأن ومرتبة لكن هذه السلطة والنفوذ والقدرة السياسية يجعلونها وسيلة لتحقيق اهداف الشريعة من خلال تطبيق القوانين والسياسات الإنسانية. الأئمة والفقهاء العدول مكلفون بالاستفادة من النظام والتكشيلات الحكومية من أجل تنفيذ الأحكام الإلهية، وإقامة النظام الإسلامي العادل، والقيام بخدمة الناس ونشر العلم وتطويره. فمسألة ولاية الفقيه هي مسألة تنفيذ مهمة والعمل بالتكليف

فلسفة الصراع بين الخير والشر

رغم أن الشر في الفكر الاسلامي موضوع عدمي وهو من جنس العدم ولكن لو تأملنا الواقع فنجد بأن في التاريخ البشري، صراع أبدي بين الحق والباطل، والخير والشر، والنور والظلمة، والقسط والعدل، والجور والظلم، وبالتالي بين الأنبياء، والأوصياء، والأولياء، والمجرمين، والأشقياء، والسلاطين، بين جنود الرحمن وأتباع الشيطان، و النفس الامارة والنفس اللوامة و جنود العقل وجنود الشيطان والنفس وعلى طول التاريخ هذا الصراع محتدم، ولكن لكل منهما مواصفات يُعرفون بها، وأخلاقيات يتصفون بها ويتقيدون فيها وفي كل مرحلة كانت الغلبة لصالح احدهما.

فجنود الرحمن لهم من هذا الاسم الشريف المبارك النصيب الأوفر فتراهم راحمون، طيبون، أخلاقيون، أتقياء أنقياء، ينشرون القسط في المجتمعات والعدل في الأحكام، ويبسطون الأمن والأمان والسلم والسلام بين البشر بجهدهم وجهادهم.

وأما جنود الشيطان فلهم من سيدهم وسندهم واسمه الخبيث النصيب الأكبر فتراهم ظالمون، خبيثون، منفلتون لا أخلاقيون، لعناء أشقياء، ينشرون الظلم في المجتمعات والجور أينما حلوا ويعملون على نشر الظلم والظلام، والخوف والذعر والإرهاب، بكل طريقة ووسيلة استطاعوها من إبليس فأينما نزلوا حلَّ الدَّمار والخراب وانتشر العنف والإرهاب، فوسيلتهم القتل وسيرتهم الجهل والتخلف والفساد والإفساد.

ولكن ما هي فلسفة الصراع بين الخير والشر وما هي علله، وأسبابه؟ والظاهر أن أهل الباطل هم الذين يسيطرون ويحكمون وأهل الحق شهود على الظلم وشهداء في الأمم، وكان سبب ذلك التحمّل والصبر حسب ما جاء في الروايات امتحان الناس، حيث ينبغي أن يُميَّز الخبيث من الطيّب، ويرتقي مَنْ هو جدير بالرُّشد والتكامل إلى أعلى المراتب، ويختبر ما يحمل من الإرادة، فمقدر للجميع أن يتعرضوا للفتنة والبلاء والإمتحان. ففلسفة الصراع هي الامتحان، والاختبار، والغربلة ليُعرف الحق وأهله والباطل وجنده، فالفتنة والامتحان سُنَّة من سُنن الله في هذا الخلق، لتخلص النفوس الطيبة لتكون بجوار الرب القدوس وهو طريق الفلاح يوم القيامة.

 

أهداف الإنسان‏ ومستقبل العالم

للإنسان أهداف كثيرة في الحياة يسعى إلى تحقيقها، ولكنه قد يعطي قيمة لبعض الأشياء التي لا قيمة لها في الواقع، وفي نفس الوقت يسخِّرُ العلمَ لتحقيق أهدافه وغاياته كلها المشروعة واللامشروعة، والاسلام هو الوحيد الذي يوجه الإنسان نحو الحقيقة، وهو الذي يعلم الإنسان القيم والمبادئ العالية ويرغبه فيها، ويبعده عن كل العادات والتقاليد والأهداف اللامشروعة، وهو الذي يقوِّم كلّ‏ الغرائز الإنسانية ويسلك بها الطريق الصحيح الموصل إلى الأهداف المطلوبة. والا فالنهاية مؤلمة تنتظر العالم من حروب ودمار وفناء للبشريَّة، وتذهب بالتالي كلّ‏ جهود الناس عبر السنين لإعمار الأرض أدراج الرياح، وهذه نتيجة طبيعيَّة لما يرونه من أعمال ظاهرية وآثار ملموسة، فهم يعيشون مضطربين في هذه الحياة قلقين خائفين من المستقبل المخيف. لكن في ظل الاسلام نهاية العالَم تملؤها التفاؤل والخير والسعادة الحقيقية، تعم الجميع وليس فقط طبقة او بلاد معينة او قومية معينة من البشر.

صحيح ان اليوم الشر والظلم والبلاء والانحراف غالب في الدنيا لكن ليس بعد الشدَّة إلا الرخاء وليس بعد العسر إلا اليسر، فلا بدَّ أن يظهر المخلص والمنقذ للبشريَّة ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وكما كان يرسل الله الأنبياء في محتلك الظروف لهداية وإنقاذ الناس من الهلاك، سيرسل المخلص للأرض من أيدي المجرمين والقتلة، فلا يلمع البرق إلا في مدلهَّمات الغيوم، وهذه هي فكرة المهدويّة المنتظر والمخلص التي موجودة في كل الديانات السماوية، فهم يعتقدون بظهور إمام عادل من ذرية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يخلص البشرية كلها لا المسلمين فقط، ويحكم بالعدل بين الناس، ويملأ الخير والسعادة والهناء كلّ‏ أرجاء المعمورة،

فهو يحكم بين كل الناس بحسب معتقداتهم  وحكم بين الناس بحكم داوود وحكم محمد صلى الله عليه وآل، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها.

فللإيمان بالغيب والاخرة (عالم الملكوت وعالم ما بعد الموت) تأثير عملي على الإنسان وسلوكه في الحياة و تاثير كبير على بقاء الحيادية والانسانية في العلوم العصرية و عدم الانحراف عن الاصول العلمية والعقلية الاساسية.

 

الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء

في اطار كلامنا البيئة والمناخ والدولة المناسبة لنشأة العلم و تطويره نشير الى قول المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) عن الامام الحسين (عليه السلام): “حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط” من جانب آخر، حيث أن الحسين (عليه السَّلام) نهض في وجه الانحراف و الظلم و الفساد، و ثار في وجه المحاولات الخطيرة التي قام بها بنو أمية للقضاء على الاسلام فضحى بنفسه و أهل بيته و أصحابه من أجل بقاء الاسلام و الحفاظ على تعاليمه. فكما أرسل الله عزَّ و جلَّ رسوله المصطفى محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه و آله ) ليكون للعالمين نذيرا، و لكي يُخرجهم من الظلمات الى النور، و ينقذ الناس من الجهل و الظلم، و يبلِّغهم رسالة السماء و يقيم حكم الله في الارض، و من أجل هذه الأهداف السامية ضحى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بأغلى ما عنده و تحمَّل الكثير من الأذى حتى استقرت دعائم الدين الاسلامي و الشريعة المحمدية الغراء حتى يبقى الدين بعدها ولو في صدور المؤمنين.

و لم يمض وقتا طويلاًعلى وفاة الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) حتى نشطت البذور النائمة للكفر و النفاق فخططت حتى وصلت الى سدة الحكم لتتحكم بمصير الامة الاسلامية و تقضي على كل ما جاء به الرسول الكريم ( صلى الله عليه و آله ) و جدَّت في أن لا يبقى من الاسلام الإ اسمه و من القرآن إلا رسمه فاقتضي ثورة الحسين عليه السلام في كربلاء حتي يبقا علما هاديا و راية للهداية فالاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء فهذا أبو سفيان لمّا تمّت البيعة لعثمان بن عفّان يقول لبني أمية نجده يُظهر ما أخفاه و يقول: «تلقّفوها يا بني أُميّـة تلقّف الكرة، فما الأمر على ما يقولون».و هذا معاوية بن أبي سفيان كلما سمع صوت المؤذن يقول “أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله” يقول: لا والله إلا دفناً دفناً. ولكن شهادة الامام الحسين وضع النقاط على الحروف ولا يحق الحق في العالم الا بعد الثار للحسين عليه السلام ولذلك لا يصل الدنيا الى عزها و العلم الى كالها حتي يثار المهدي للحسين عليه السلام.

روابط إضافية

مقالات إضافية

اختصاصات العلوم الانسانية الإسلامية ،…

العلوم الانسانية الإسلامية بأن *العلوم الانسانية* اليوم تشمل الكثير من النظريات المتنوعة…

الخطوة الاولى في تأسيس العلوم…

الخطوة الاولى في تأسيس العلوم الإنسانية المثالية، من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية”…

الاقتصاد الاسلامي والتحفيز ،من كتاب…

الإقتصاد الإسلامي والتحفيز في الانتاج والتوزيع العادل للارباح والانتاج. صحيح أن علم…

مقالات إضافية

اختصاصات العلوم الانسانية الإسلامية ،…

العلوم الانسانية الإسلامية بأن *العلوم الانسانية* اليوم تشمل الكثير من النظريات المتنوعة…

الخطوة الاولى في تأسيس العلوم…

الخطوة الاولى في تأسيس العلوم الإنسانية المثالية، من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية”…

الاقتصاد الاسلامي والتحفيز ،من كتاب…

الإقتصاد الإسلامي والتحفيز في الانتاج والتوزيع العادل للارباح والانتاج. صحيح أن علم…