الرؤية الإسلامية لعلم النفس: أساسات ومقومات، تمثل الرؤية الإسلامية لعلم النفس إطارًا فكريًا متكاملاً لدراسة النفس البشرية، ينبثق من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، ويعتمد على فهم الفطرة البشرية كما خلقها الله سبحانه وتعالى.
تختلف هذه الرؤية جوهريًا عن المنهجيات الغربية، فهي تشمل البُعد الروحي الذي يفتقده الكثير من النظريات النفسية الحديثة، وتعطي أهمية بالغة للتوازن بين الجوانب الجسدية والعقلية والروحية.
1. مرتكزات الرؤية الإسلامية لعلم النفس
أ. النفس ككائن مركب
في الإسلام، النفس ليست مجرد كيان مادي أو طيف نفسي، بل هي تركيب معقد يجمع بين الجسد والعقل والروح، ويُعتبر الإنسان مسؤولًا عن تربية وتنمية هذه الأبعاد معًا.
ب. معرفة النفس من خلال الوحي
يُعتقد أن الله وحده هو الذي يعلم حقيقة النفس وأسرارها، كما ورد في قوله تعالى:
“وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا” (الشمس: 7)، مما يعني أن الفهم الكامل للنفس لا يتم إلا من خلال الوحي الإلهي.
ج. الفطرة كأساس طبيعي
الفطرة هي الطبيعة السليمة التي خلق الله عليها الإنسان، وهي أساس فهم السلوك النفسي، والتوازن الروحي والصحي.
2. الصحة النفسية في التصور الإسلامي
التوازن الروحي والنفسي لا يتحقق إلا بالارتباط بالله، من خلال العبادات والتزكية.
السعادة الحقيقية هي راحة القلب والطمأنينة التي تأتي من الاقتراب إلى الله، وليس مجرد غياب الأعراض المرضية.
الصحة النفسية تشمل سلامة النفس من الأمراض الروحية مثل القلق والهم والشكوك.
3. العلاج النفسي الإسلامي
أ. العلاج الشامل
يركز العلاج في المنهج الإسلامي على شفاء النفس من الجوانب الروحية والعقلية والجسدية، وليس على تدارك الأعراض فقط.
ب. مقومات العلاج
الذكر والعبادات: كالأذكار، والصلاة، والتوبة، التي تُعدّ من أعظم وسائل التوازن النفسي.
التزكية النفسية: تنقية النفس من الأمراض الأخلاقية والروحية.
الاحتساب والصبر: فهم القضاء والقدر كجزء من العلاج النفسي، مما يعزز الصبر ويخفف من الضغوط.
4. الانتماء الإلهي مقابل الانتماء الاجتماعي
في الإسلام، الانتماء الحقيقي هو للّه، وهو فوق كل انتماء دنيوي.
هذه القاعدة تخلق في النفس طمأنينة وحرية من التعلق المفرط بالآراء الاجتماعية أو الضغوط الثقافية.
الانتماء لله يُعطي الإنسان معنى وغاية أسمى لحياته، ويقود إلى توازن نفسي عميق.
تقدم الرؤية الإسلامية لعلم النفس نموذجًا متكاملًا يدمج بين العلم الروحي والتجريبي، معتمدًا على مصادر موثوقة كالقرآن والسنة، ويهدف إلى فهم الإنسان في أبعاده كافة، وليس فقط من منظور مادي أو نفسي محدود.
إن تطوير هذا النموذج ونشره يساهم في معالجة الكثير من القصور التي تعاني منها النظريات النفسية الغربية، ويعيد للإنسان مكانته الحقيقية كمخلوق فريد بين المخلوقات.