الديانة الابراهيمية، ديانة من صنع بشر، لا يعترفون بالله
في السنوات الأخيرة، بدأ يُستخدم هذا المصطلح ليس فقط كتصنيف ديني مشترك (يهودية، مسيحية، إسلام)، بل كمشروع سياسي-ثقافي-ديني بقوة هائلة و بدعم مالي كبير و يقصد منها تقريب الأديان الثلاثة الكبرى (اليهودية، المسيحية، الإسلام) على أساس أنها تنتمي إلى جذر واحد. بهدف إنشاء نوع من الوحدة أو “الإخاء الديني العالمي”. من خلال ترويج مفهوم “السلام الديني” كجزء من مشاريع العولمة الثقافية. و إعادة تشكيل الهويات الدينية لتكون أقل تصادمية وأكثر انسجامًا مع النظام العالمي الجديد.
أبرز المشاريع المرتبطة بالمصطلح:
1. وثيقة الأخوّة الإنسانية (أبوظبي، 2019):
وُقعت بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، وتدعو للتسامح والتعايش بين أتباع الديانات الإبراهيمية.
2. بيت العائلة الإبراهيمية – الإمارات (2023):
مشروع يجمع مسجدًا وكنيسة وكنيسًا في مجمع واحد بأبوظبي، كرمز للوحدة الدينية.
3. منتديات ومؤتمرات الحوار الإبراهيمي بميزانيات هائلة :
ترعاها بعض الدول والمنظمات الدولية لدعم “سلام الأديان” في مواجهة “صراعات الهوية”. لكن في الواقع يسعى إلى تمييع الخصوصية العقائدية. و يخدم مشروعًا سياسياً غربياً أو صهيونياً. و يؤدي إلى نزع القداسة عن الإسلام بوصفه الدين الخاتم.
أبرز الانتقادات و اعتراضات المؤمنين من كل الديانات خاصة المسلمين على مشروع “الديانة/العائلة الإبراهيمية” كما طُرح في السنوات الأخيرة بدعم كبير من الصهيونية العالمية. في سبعة محاور لتغطي أبعاد الاعتراض كلها، مع أمثلة على مواقف العلماء والهيئات:
١.انتهاك العقيدة (التوحيد وختم النبوّة)
فكرة العائلة الابراهيمية او الديانة الابراهيمية تظهر من خلفية فكرية خاطئة جدا أن البشر يعرف مصلحته أكثر من الخالق. فالبشرية يرى مصلحة الكون بدمج الإسلام باليهودية والمسيحية في “دين واحد” بحجة تفاتي العصبيات الدينية. لكن الإسلام يعتبر الدين المقبول عند الله في شرعه المنزل على محمد هو فقط دين الاسلام ﷺ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (آل عمران :19)؛ و﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران :85). إلغاء خصوصيته بين الاديان السماوية يُعدّ “خلطاً للحق بالباطل” كما جاء في بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين 2023. ومساواة بين التوحيد (Monotheism) بالشرك المحرَّف . فيرى العلماء أنّ “التوحيد والشرك ضدّان لا يجتمعان”؛ فخلط الديانات المنسوخة مع الديانة غير المنسوخة لم يرق باي منهم . توحيد الأديان يُفقد حقيقة “نسخ” الشرائع السابقة ببعثة محمد ﷺ، ويصادم الإجماع؛ اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية اعتبرت تبنّي الفكرة “ردّة صريحة” .
٢.الانتهاك الروائي والفقهي
انتهاك النصوص القطعيّة: يُستشهد كثيراً بالآية ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا﴾ (آل عمران :67) في مواجهة الزعم بديانة “جامعة” .
أحكام الشريعة: التوحيد بالعبادة، الولاء والبراء، أحكام الزواج والميراث والجهاد؛ كلها لا يمكن “تنميطها” في سياق ديانة مشتركة بلا إلغاء أو تحريف لأصول الدين.
٣. الاعتراض السياسي-الاستراتيجي
في الواقع يجب ربط المشروع «اتفاقيات أبراهام» بالتطبيع مع اسرائيل والاعتراف بالمحتل و الخضوع أمام المغتصب. و يُنظر إليه كغطاء ديني لإضفاء الشرعية على تحالفات سياسية مع الاحتلال الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية .“هندسة” هوية جديدة في المنطقة، يرى معارضون (منهم أستاذ العلوم السياسية عصام عبد الشافي) أن الهدف “طمس الهوية الإسلامية” خدمةً لمصالح غربية-صهيونية .
٤. الاعتراض الحضاري والهويّاتي
طمس الخصوصية: شيخ الأزهر أحمد الطيّب وصف الدعوة بأنها “مصادرةٌ لحرية الاعتقاد” وذوبانٌ للفوارق بين الرسالات .
محاولة “قولبة” الإسلام وتميعه : رموز إسلامية ترى أن إدخاله في إطار “ديانة عائلية” يُفرغه من رساليّته ويجعله مجرد مكوّن ثقافي.
٥. الاعتراض الدعوي والتربوي
خلط المناهج التعليمية: البيان الختامي لمؤتمر علماء أهل السنّة (إسطنبول 2023) حذّر وزارات التعليم من “عبث” بالمناهج الدراسية في المدارس والجامعات باسم الإبراهيمية .
تشويش على مفهوم الدعوة: إذ ينقل الخطاب من “تبليغ الحق” إلى “اعتناق مشترك”، ما يُربك رسالة التوحيد.
٦. الاعتراض الشرعي على المظاهر التطبيقية
اعتراض علماء الاسلام على “بيت العائلة الإبراهيمية” (مسجد + كنيسة + كنيس في مجمّع واحد بأبوظبي) يديرها شخص علماني يتبع الماسونية والمخابرات البريطانية او يتبع الموساد الاسرائيلي، و في هذا الاطار، فتوى اللجنة الدائمة (رقم 19402/1997) ترفض بناء دور عبادة متجاورة كهذه، وتعدّه إقراراً بكفرٍ يُسوّي بين الحق والباطل . طباعة القرآن والتوراة والإنجيل في مجلّد واحد أُدرج في فتوى السعودية ضمن المحرّمات الشرعية .
٧. أصوات العلماء والهيئات الرافضة (أمثلة)
الطرف أبرز ما قال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وصف “الدين الإبراهيمي” بأنه “فكرة باطلة ومعتقد فاسد” وحذّر الحكومات من تمريره. شيخ الأزهر أحمد الطيّب ؛ اعتبرها مصادرةً لحرية الاختيار، وتمسّك بضرورة احترام الفروق وعدم إذابتها . اللجنة الدائمة للإفتاء (السعودية) ؛ قرّرت أن الدعوة لوحدة الأديان “ردّة صريحة” عند صدورها من مسلم .مفتي عُمان أحمد الخليلي ؛هاجم “محاولات إلزاق الإسلام باليهودية والنصرانية” قبل افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية .مفتي ليبيا الصادق الغرياني ؛ وصف المشروع بـ“دعوة كفرية إلحادية” تُحلّ الطقوس المختلطة . اما المسلمين الشيعة فاجتمعوا على رفضه وانها خطة استعمارية.
ملخّص : يتلخّص موقف الإسلاميين الرافضين في أنّ مشروع “الإبراهيمية” لا يُنظر إليه كحوارٍ بين أديانٍ قائمة، بل كمنظومة جديدة تُلغي تميّز الإسلام، وتُستخدم سياسيّاً لخلق فضاء تطبيعي وثقافي جديد يُهمِّش الهوية الإسلامية ويذيب الحدود العقدية والتشريعية بين الديانات. لذلك جاءت الاعتراضات شاملة: عقدية (التوحيد والختم)، فقهية (الأحكام والنسخ)، سياسية (التطبيع والهيمنة)، حضارية (طمس الهوية)، دعوية وتربوية (إفساد المناهج)، مع تحذيرٍ من عواقب شرعية تصل إلى حدّ الحكم بالردة على من يدعو إليها أو يروّج لها.
ملاحظة مهمة : جميع الديانات السماوية متفقة على شيء واحد و هو يتناقض مع اهداف الديانة الإبراهيمية و هو ظهور المخلص، بمعنى أن خلاص البشرية مرتبطة بارسال شخصية ربانية من قبل الله بمدد الهي و معجزات و كرامات لانقاذ البشرية بخريطة إلهية معقدة بعد صراع بين الخير والشر و تكوين دولة و حضارة عالمية مشرقة و مستدامة فأي طريق آخر لانقاذ البشرية يتناقض مع فلسفة الدين الوحياني و حقيقته الربانية.
محمد كوراني