*الدكتور مصطفى شمران، السالك العارف بل العارف الواصل* كتاب الحق والشرعية عند العرفاء الشيعة المتأخرين
لا يمكن تقديم نظرية بما فيها نظرية “حكومة الحق” من دون تقديم نماذج عملية لهذه النظرية، ومن المفضل أن لايكون هذا النموذج العملي من الأحياء و تكون من موجودة و معروفة في بيئتنا و مجتمعنا، فارتأيت أن أختار شخصا اقدمه على اساس النموذج العملي لنظرية حكومة الحق تحظى بهذه الصفات وهو الدكتور الشهيد مصطفى شمران، و هناك أدلة كثيرة لهذا الاختيار. فقد كانت روحاه متقاربة جدا للعرفاء كما يروي التاريخ لنا عن لقاء لم يتحقق بين اويس القرني، والرسول الاكرم ص، كذلك بالنسبة لشهيد شمران في احداث محاصرة الانفصاليين في مدينة پاوه، عندما حاصرهم الاشرار المسلحين، من كل حدب وصوب وكاد أن ينقضي على وجود الثورة في هذه المدينة، بل في هذه المنطقة، فحينها نزل الإمام خميني إلى الشارع، وأصدر بياناً مقتضبا في الإذاعة والتلفاز حول ضرورة مساندة هؤلاء المحاصرين بقيادة شمران، فتحركت الجماهير وبدأت التجمعات وجلسات الأدعية للفرج عنهم قبل وصول القوات المساندة. فحينها جمع العلامة الحسيني الطهراني مجموعة من اصدقاءه المؤمنين واجتمعوا في جامع القائم وهو من اهم المراكز الدينية في العاصمة وبدأ بالدعاء لشمران ومجموعته في تلك الليلة حتى الصباح.
*أحد العرفاء الشيعة يؤكد المنهج العرفاني لدي شهيد شمران*
ورد في خطاب الامام خميني بمناسبة استشهاد الدكتور شمران، ممثل الامام في مجلس الأعلى للدفاع النص التالي، هذا النص لم نجد له في النصوص المشابهة التي يمدح فيه أحد الشهداء أو العلماء:
“بسم الله الرحمن الرحيم
إنا لله وإنا إليه راجعون
أعزي وأهنئ ولي العصر (أرواحنا فداه)، بشهادة القائد العظيم والمجاهد المسلم الواعي، والمتمسك بطريق الباري عز وجل، السيد الدكتور مصطفى شمران. التعزية، لأن أمتنا أمة الشهداء فقدت جندياً مخلصاً، كان يسطّر الملاحم في ساحات صراع الحق والباطل، سواء في إيران أو لبنان وهدفه كان دائماً عزة الإسلام، ونصر الحق على الباطل. لقد كان مجاهداً تقياً ومعلماً ملتزماً، وبلادنا الإسلامية بحاجة ماسة إليه وإلى أمثاله. والتهنئة، لأن الإسلام العظيم ربى مثل هؤلاء الأبناء البررة والقادة الشجعان وقدمهم للشعب والمستضعفين، حقاً إن الحياة عقيدة وجهاد في سبيل هذه العقيدة.
إن شمران العزيز بدأ حياته بعقيدته الطاهرة النقية، عقيدة الجهاد في سبيل الله، ولم يتبنّ عقائد المجموعات والأحزاب السياسية، واختتم حياته بنفس تلك العقيدة أيضاً. خلال حياته عرف نور المعرفة والاتصال بالله، ونهض للجهاد في سبيله، ونثر روحه الطاهرة عطراً فوق أرض بلاده، لقد عاش أبيّاً ومات أبيّاً ووصل إلى الحق كما كان يتمنى.
إن العظمة هي أن ينهض المرء للجهاد في سبيل الله ويقدم روحه ثمناً لذلك، دون أن تغره الشعارات السياسية، والغرور الشيطاني، وهنا تكمن عظمة الرجال الربانيين، لقد ذهب لملاقاة الله بوجه أبيض وروح سعيدة طاهرة.
ولكن هل نستطيع نحن أن نكون كما كان؟ إن الله سبحانه وتعالى، وحده من يستطيع أن يأخذ بيدنا ويحررنا من ظلمات الجهل وسجن الذات. وأنا لن أقدم التعازي بهذا المصاب الجلل للشعب الإيراني الغيور واللبناني فقط، بل لجميع الشعوب المسلمة، والمجاهدين في سبيل الحق وأسرة هذا الشهيد أيضاً، أسأل الحق تعالى أن يتغمده برحمته، وأن يلهم أسرته الصبر والسلوان.”
روح الله الموسوي الخميني
صحيفة الإمام ج14 375 خطاب ….. ص : 375
التاريخ 1 تير 1360 ه-. ش/ 19 شعبان 1401 ه-. ق
مراحل الكمال السبعة في رسالة شهيد شمران
في إطار بحثنا عن التقارب الروحي بين العلامة الحسيني الطهراني والشهيد الدكتور مصطفى شمران، نجد رسالة حياة عجيبة، من الشهيد شمران إلى زوجته، أفضل مثال على هذا التقارب الروحي:
“حياة … عجيبة !
العالم مع ظواهره، الأرض والمساء والنجوم، الصحاري والجبال، والبحار والأسماك والطيور والحيوانات، الحركة في كل شيء، النشاط والشوق والذوق … والإنسان سلطان المخلوقات مع الإرادة والإختيار مع القلب والعقل، من الطين والروح! يغرق في الحياة يركز إلى الأطراف يقفز ويسقط، يلمس كل شيء، يجرب كل شيء من الخير والشر، يضحك، يصرخ، يبكي … هو مسرور من الحياة، هو متلذذ من الحياة، هو مليان من لذة الحياة …
هذا الإنسان يريد أكثر فأكثر … من الخير والشر، يمشي إلى الإفراط … هو أناني … يحب نفسه … يريد كل شيء لنفسه، هو يفكر هو مركز الوجود، هو أناني … يحب نفسه، يريد كل شيء لنفسه، هو يفكر بانه مركز الوجود! وخلق كل العالم لأجله! هو يكفر كل الحياة مربوطة بوجوده، ……………. اذاّ هو يموت وإذا كل شيء يموت !!!
أنا كإنسان غرقت في الحياة … مع حي الذات، مع أنانية، مع علاقات مادية في الأرض، مع جذبة شديدة للذة المادية، مع تعلق شديد بقطعة من الأرض، وسحر جمال الطبيعة، سكران مع لذات العالم، ومليان من التمتعات المادية، … مغرور من قدرتي، ونشيط من السيطرة وقوي بالإرادة والتصميم، بدون خوف من القدر والإهتمام بالمستقبل، ومتصور أنا أبدي بلا زوال، بلا تغيير، بلا موت …
أمّا … أمّا بعد مدة، بعد إشباع اللذة، وبعد الممارسات المختلفة في الحياة وجدت نفسي غير مقتنع بهذا المستوى من الحياة، من اللذة والتمتع والهوى، وجدت اللذة المادية لا تكفيني من الحياة، وجدت قلبي يعشق محبوب أكبر، وأجمل وأعمق، ووجدت روحي تنظر لمعبود أكبر من المخلوقات، وأكثر من التاريخ وأوسع من العالم، … في عندي شيء مفقود، ليس المادة، ليس المرئي، ليس في زمن وليس في مكان … روحي تتوجه إليه … ولا أعرف ما هو ! وفقط أعرف قلبي وروحي ينجذبان إليه …
ما هذا ؟ ما أنا أريد؟ ما أنا فقدت ؟ ما هذا المعبود ؟ قلبي عطشان لماذا ؟ روحي تطير إلى أين ؟ (عالم الاستغناء)
بدأت الهجرة … ! هجرة من الدنيا المادية، هجرة من الأهداف الأرضية، هجرة من الأرض إلى المجهول ! هجرة إلى الجاذبية القلبية فقط، بلا معرفة كاملة ! كان تولّد جديد، إنسان جديد، مخلوق جديد …
كنت أمشي بلا هدف! فقط على أساس جاذبية قلبية عمياء !!! يسألوننى يا إنسان ماذا تريد؟ أما، لا جواب ! لا أعرف ماذا أريد … أنا لم أكن قانع بالحياة الموجودة، أريد شيء آخر، ما هذا الشيء ؟ لا أعرف ! الناس يقولون : هو مجنون !!! يتركونى في الفراغ، يهربون مني من كل مكان. وأنا مرتاح من قيل وقال، مرتاح من إزدحام الناس، مرتاج من التوقعات، مرتاح من الإحتياجات المادية، مرتاح من الوجود ! مرتاح من العالم …
أنا مجنوبن … نعم أنا مجنون بعيون الناس … أهدافي تختلف عن أهدافهم، لذتي تختلف مع لذاتهم، روحي تطلب شيء آخر، قلبي يعشق محبوب آخر، أنا دخلت في (عالم الجنون) وهو ثاني مرحلة من هذا الطريق الطويل إلى الكمال … أنا أفتخر بجنوني، لا يهمني عندما كل الناس يضحكون علي، أنا درويش، مجنون يسير على الأرض، يتوجه إلى قلبه، ويتلذذ من السماء وغروب الشمس والمرح والطيران، يتوجه إلى قلبه، ويتلذذ من السماء وغروب الشمس والمرح والطيران … بعيد من الناس، لا مفهوم عند الناس قلبي يتحول، قلبي يتكامل، قلبي يجد حرارة شديدة في وجوده، قلبي يحس بذوبان، قلبي يبدأ بالحريق مع نار الحب … نعم أنا دخلت في (عالم الحب) وهو مرحلة ثالثة بهذا الطريق إلى الكمال …
أنا أحب كل العالم، أنا أحب كل المخلوقات، أنا أحب كل الناس، حتى أعدائي، أنا أحب الذرة الصغيرة من التراب، الرمل، الصخر، ورق الشجر، سمك البحر، طير الهوى، أنا أحب بشدة، من كل قلبي، وكل وجودي، أنا أذوب في الحب، حبي شديد كالنار، حبي خطير كالبركان، … أريد أن أعبد وأعبد وأعبد المعبود، الحب والعبادة، في كل مكان من جسدي، احتياج شديد للحب والعبادة.
رؤيتي أختلفت في الوجود مع الحب، الألوان تغيرت في عيني، المفاهيم تحولت في ذهني، الحقيقة صارت شيء آخر، الشمس الحارقة صارت في قلبي، البركان دخل في وجودي، أنا مجنون بالحب، أنا محتاج أن أحب، وأن أعبد . أما لا أحد يتحمل حبي هذا، هذا الحب الشديد الخطير الحارق، … أنا أفتش عن المعبود لكي أعبده، أنا أفتش عن المحبوب لكي أحبه، … أما المحبوب بهرب من شدة حبي، هو لا يتحمل، … هو شيء من الذوبان، هو يخاف من النار، هو يخاف من الموت، …
أنا محتاج بشدة لمحبوب، … أما لا يوجد محبوب، … وأنا وحدي أذوب في نار الحب، أنا أحب معشوق مجهول في أفق العدم، أنا أجسم معبود خيالي في وهم وأعبده بشدة، … كل شيء من وجودي يحتاج إلى الحب، ولا بد من الإحتراق في الحب … آه، … إذا كان المحبوب في أحضاني،
كنت أعبده، كنت أغسله بالدموع، كنت أضحي نفسي أمامه، كنت أعطيه حياتي، كنت أكون إبراهيم، … وأضحي إسماعيل لأجله، كنت أضحي نفسي لأجله … أوه يا إلهي الآن دخلت إلى العالم الرابع، (عالم التضحية) … كل وجودي للفداء كل شيء من وجودي يحتاج إلى التضحية، ليس هناك لذة كبرى إلا التضحية، أحس كل وجودي يذوب للتضحية، أريد أن أثبت إخلاصي وصدقي لمعبودي،
أنا أدخل في الخطر … حباً للشهادة … أن أهاجم إلى ملك الموت، راجياً أن أصل إليه أخذه في أحضاني، … أما هو يهرب من أمامي، أنا أركض وراءه وهو يهرب بشدة مني، أريد أن أضحي بنفسي، أريد أن أستشهد، أحب لذة الموت … في أحضان المعشوق، … لذة، لذة، لذة، شديدة في هذا الموت …
وثم دخلت إلى العالم الخامس. (عالم العطاء) … عطاء المطلق، أنا أعطي كل قلبي، كل حياتي، وكل وجودي إلى المعبود … عطاء، عطاء مطلق، لا أفهم إلا العطاء، … حتى العطاء للعدو، … عطاء حتى في اسمي وشهرتي، … حتى حياتي، وحتى حياة زوجتى وأطفالي، حتى حياة أصدقائي، … حتى أعطاء من شهرتي، عندما الناس سبونني ويهاجمونني، ويتهمونني، ويخربون اسمي وشهرتي، … وأنا أضحي بكل كل شيء، … لا فقط حياتي، بل كل كل شيء، … عطاء المطلق حتى لا أحد يعرف، لا أحد يشكرني، لا أحد يفهمني، … لا أريد أن يعرف أحد عطائي، أريد الصدق المطلق، في العطاء، أريد عطاء بلانهاية ومطلق ولذتي، فقط في العطاء، عطاء لا أحد يعرفه، ويفهمه ويذكره، … .
آه الهي … هذا الوجود الثقيل … نعم ثقيل على كتفي، … أنا تعبان، … أريد إعطاء كل وجودي، … وأحب أن تقبل هذه الهدية يا إلهي، … ما الفائدة من هذا الوجود إذا لا أعطيك إياه ولا أضحيه في سبيلك؟ أنا تعبان في جسدي، … أريد أعطاء كل شيء، … أريد أن أصبح خفيف الوزن، أريد أن أهرب من السجن الجسد، السجن المادي، … أريد أن أهرب من الارض، والتراب وجاذبية الأرض، أ{يد أن أطير إلى السماء، أطير إلى الأعلى، … ! أريد أن أجلس على أجنحة الروح وأسافر إلى لا نهاية، أريد سفر العبيد إلى المعبود، أريد أن أترك الحياة كلياً أريد المعراج، (المعراج إلى السماء) المعراج إلى الجنة، جنة الوصال، جنة المعبود، وهذا عالم السادس من الكمال، … عالم المعراج، … أوه يا الهي ما هذه اللذة، لذة المعراج، لذة الطيران في سماء الجنة، … لذة المعراج إلى قلب وجودك، لا أفهم شيء إلا أنت، لا أريد شيء إلا أنت، لا أرى شيء إلا أنت، لا يوجد شيء إلا أنت، لا أريد شيء إلا أنت، لا أرى شيء إلا أنت، لا يوجد شيء إلا أنت، لا يوجد أنا إلا أنت، أوه إلهي، وصلت إليّ، … وصلت إلى المعراج، … وصلت ووجدتك أنت محبوبي، … أنت معبودي، أنت الذي أريد الموت لك، وأنت وأنت وفقط أنت، … أنت يا إلهي، أنت وأنت وأنت، … أنا أذوب في أحضانك، أنا أستشهد في قدومك، أنا أموت بين يديك في لذة، في لذة شديدة، لذة الفناء في المعبود، لذة الوصال في المعبود، … أوه إلهي وصلت إلى هدفي في الحياة وفي الوجود وصلت إلى معبودي، أرى جماله، كماله وجلاله، أرى نوره، ناره، أحسه من كل وجودي، أنا في وجوده، أنا أذوب فيه، لا يجد أنا بعد، لا يوجد مصطفى بعد، فقط هو وهو، آه … أي لذة … لذة الوجد …لذة المطلق، … لذة الفناء نعم وصلت إلى (المرحلة السابعة، عالم الفناء) فناء في الله، … أنا لا أريد شيء، أنا لا أطلب شيء، أنا نار، أنا روح، أنا حب، أنا تضحية، أنا عطاء، أنا فاني في الله، … أنا فاني من الوجود، أنا باقي في الله إلى الأبد، … أنا لست موجود في الأرض، أنا أطير بين الأرواح، أنا أطير في المعراج، أنا أطير في الله، … أنا في أحضانك يا إلهي، أنا في وجودك يا إلهي، … لذة، لذة، لذة، أشكرك يا معبودي، أشكرك إن قتلتني، وأحرقتني من الوجود، أشكرك إن أخذتني، إلى المعراج، أشكرك أن ذوبتني من الجسد، وتحولتني، إلى الروح، واخذت روحي، ووجودي، وأصبحت أنت وأنت لا أريد إلا أنت، لا أرى إلا أنت، لا أطلب إلا أنت، يا ألهي، … أوه … عالم الفناء، … عالم البقاء الأبدي، … عالم الذة الحقيقية، … العالم الكبير، العالم المقدس، … أنا طير وأطير في في هذا العالم، انا مجنون في هذا العالم، أنا مجنون بهذا العالم، …
أنا لا أعرف شيء، أنا لا أرى شيء، لا أحب أن أتكلم، لا أريد أن أحس، لا أريد أن أكون، … لا يوجد أنا بعد، … لا يوجد إحتياج بعد، لا يوجد بعد وغربة، لا يوجد مشكلة،
لا يوجد شيء، … فقط هو هو هو، … هذا عالم الوحدة لا يوجد أنا وهو، فقط هو وهو وهو، ..هنا الكمال، … لا يوجد إحتياج، … هنا قوة وقوة وجلال، … لا يوجد مشاكل، هنا أبدية، هنا أزلية، هنا لا نهاية، هنا لا يوجد وجود وعدم، … لا يوجد زمان ومكان، لا يوجد نقص وألم وحزن، هنا الله، هنا جمال المطلق، هنا كمال المطلق، هنا كمال المطلق، هنا جلال المطلق، وأنا هو وهو أنا وهنا وصال، … وصال مطلق، … .
أنا أطير وأطير وأطير من أفق العدم إلى أفق العدم، … من السماء لانهاية إلى المطلق، إلى الوَحدة، …
(تكملة الرسالة خاصة بزوجته الحاجة غادة جابر)
*************
الطائر القدسي
وهناك رسالة آخرى وهي رسالة الطائر القدسي، من الشهيد شمران للمقارنة بينه وبين أحد الأحبابه (بتصرف)
“يا طائر القدس،
أنت إحساس، أنت روح، أنت معراج، أنت ابدّي … أنت تحترق في الحب، ليذوب الجسد في الروح، أنت تعطي حياتك قرباناً للنور، للسماء، للمعراج، للحقيقة، … لتصل إلى الوحدة مع الأبدّية …
انت تموت في الجسد، لأنك تعيش إلى الأبد،… أنت تريد أن تصل إلى الفناء، … لأنك تجد بقاءه في الوجود …
أنت بركان من الأرض الميتة، والمادة السوداء، … أنت إنسان في الغابة، أنت الحرارة في الشمعة، أنت الحياة والحيوية في الدمعة، أنت نور في الظلمات أنت صرخة من الأنسان المسجون، أنت المحبة في عالم الظلم والطغاة، …
يا طائر القدس،
أنت قادرة أنت تطير رغم الطوفان، والشمعة في خطر هجوم الظلمة تموت بسهولة، … أنت تصعدي إلى السماء، … والشمعة تبكي في السكرات ولا أحد يرى دموعها ! أنت قادر أن تهربي حتى من السجن، والشمعة في السجن الوجود طبيعياً الشمعة محكومة بقدر الطوفان … والطائر حاكم على طوفان … أنت تطيري وتصعدي و، حتى تصلي إلى الشمس، إلى النور المطلق، … فوق السماوات إلى الشمس، تذكري الشمعة المسكينة، الحزينة، التي أخذت حرارة من حبّك، وتقدّست دموعها في استقبالك وماتت وحدها في الظلام …”
*******
[١٤/٦، ٢١:٥٥] م. كوراني: *الدكتور مصطفى شمران نموذج قيادي يقتدى به*
مقطع من اطروحتي
مواقف الدكتور مصطفى شمران المؤيدة للثورة، لكن من دون أن تعتبر الحالة السياسية الموجودة في النظام الاسلامي هي الحالة المثالية: ففي تعليقه على اقتراح ترشيحه لرئاسة الجمهورية صرّح الدكتور شمران : 1 ــ إنني لست سياسياً، ولم أتلاعب بالسياسة طوال حياتي، كما أنني أبغض السياسة، وعلى صاحب هذا المنصب أن يكون سياسياً في الوقت الحاضر.2 ــ إنني إنسان متصلب، وشديد التمسك بالمعايير الإلهية والإنسانية والإسلامية، وليس عندي أدنى استعداد للتضحية بما أمتلكه من موازين أو التخلي عن طريقتي ومُثلي..
الدليل الثاني ؛ إشادة الامام الخميني (ره) بالدكتور مصطفى شمران، وذم النشاط السياسي الموجود آنذاك؛ حينما قال : إن شمران العزيز بدأ حياته بعقيدته الطاهرة النقية، عقيدة الجهاد في سبيل الله، ولم يتبنّ عقائد المجموعات والأحزاب السياسية، واختتم حياته بنفس تلك العقيدة أيضاً. … إن العظمة هي أن ينهض المرء للجهاد في سبيل الله ويقدم روحه ثمناً لذلك، دون أن تغره الشعارات السياسية، والغرور الشيطاني، وهنا تكمن عظمة الرجال الربانيين، لقد ذهب لملاقاة الله بوجه أبيض وروح سعيدة طاهرة…
الدليل الثالث : إشادة العلامة الحسيني الطهراني بالدكتور مصطفى شمران، وكثيراً ما كان يردد بأنه في الماضي عندما كنت أسمع اسم شمران، كان ينشرح صدري، وأجد روحي تعرج في السماء وهذه الأقوال عند العرفاء والأولياء هي ليست للمجاملة وللتعارف، بل هي تدل على طهارة الروح وعلو مكانة الدكتور شمران.
الدليل الرابع : الحاجة غادة جابر، زوجة الشهيد الدكتور مصطفى شمران، تصرّح بأنها عندما تعرفت على الدكتور شمران حتى لحظة استشهاده، كانت تشاركه في جميع همومه ومشاكله، في لبنان حتى في ساحات القتال في ايران. ثم شاركته في زهده وعرفانه، فلم يحظيا بشيء من مال الدنيا في هذه الفترة حتى عندما أصبح وزيرا للدفاع، وكانت تعيش في معسكر بلا مأوى وفراش، ففي المقابل كان يشاركها في بعض تطلعاته للمستقبل، وكان يشير إلى بعض المسائل التي تقع في حياته المستقبلية من خلال الرسائل او بعض الاحاديث التي كانا يتداولانها.
بعد استشهاد شهيد شمران أصبحت تتوجه للأمور الدينية وكان قد توفى العلامة المفسر الطباطبائي، فوجدت كتابا من العلامة الحسيني الطهراني، وأعجبت بهذا الكتاب وأصبحت من تلاميذ العلامة الحسيني الطهراني. فحينما تنظر إلى تلك المواقف والرسائل للدكتور شمران تجد بأنها رسالة دعم وتحفيز لاتباع المنهج العرفاني على يد العلامة الحسيني الطهراني، ومن أهم هذه الرسائل والمواقف، موقفه المدعم برسالة حول “الطائر القدسي”، فكان دائما يجري حواراً بين شهيد شمران وزوجته، بأنه هو كالشمعة، عاجلا او اجلا، سوف يذوب من شدة العطاء وهي كانت تبدي بأنها تريد أن تكون أيضا كالشمعة فيذوبان معا في طريقهما وفي نهجهما، لكن كان يقول لها دائما أنما أنت لستِ شمعة بل انت طائر بل طائر قدسي، فالشمعة قد تطفئها هبة نسيم ورياح وطوفان، لكن الطوفان لا يؤثر على الطائر القدسي، فالطائر القدسي، يطير في أمواج الطوفان ويعلو على الطوفان، حتى يصل إلى الشمس فهي كانت تعتبر بأن شهيد شمران كان يقصد من الشمس، المنهج العرفاني التي اتبعته على يد العلامة الحسيني الطهراني. (رسالة الطائر القدسي). هكذا تجد الحاجة غادة جابر زوجة الشهيد الدكتور شمران، إشارات عديدة في رسالة الحياة العجيبة حيث يشرح كيف إرتقى الشهيد الدكتور شمران، مراحل الكمال السبع في هذه الرسالة المميزة.
سيرة مختصرة للدكتور مصطفى شمران
ولد مصطفى شمران عام (1933م) في مدينة قم، ثم ما لبث أن انتقلت عائلته إلى طهران للعيش فيها. وكان طفلاً محباً للعزلة غارقاً في التأمل والتفكر متجنباً للصخب والضجيج ومستغرقاً في مشاهدة جمال الطبيعة. وكان تلميذاً ممتازاً منذ طفولته، كما كان يتميز بالرقة والحساسية المفرطة، ويتألم من صميم قلبه لآلام المحرومين ويشاركهم عناءهم بعواطفه المستفيضة.
ثم التحق مصطفى شمران بالكلية الفنية في جامعة طهران (قسم الهندسة الكهربائية)، ولمّا كانت تلك الفترة متزامنة مع مرحلة الثورة المشروطة فإنه شارك في النضال السياسي الشعبي والإحتجاجات المناوئة للنظام الملكي. ومع انخراطه الكامل في النشاطات السياسية والاجتماعية ألاّ أنه تخرج من الجامعة بدرجة ممتاز.
كان يمارس التدريس منذ الصغر ويسدّ بعض حاجياته من ذلك الطريق؛ لقد كان عبقرياً في الرياضيات والهندسة وأيضاً كان يحضر درس تفسير القرآن الكريم لدى آية الله الطالقاني كما كان يحضر دروس الفلسفة والمنطق عندما كان طالباً جامعياً لدى الأستاذ آية الله مرتضى المطهري المعروف بتوجهاته العرفانية، وكان عضواً نشطاً في اتحاد الطلبة المسلمين عندما كان يتهم المسلم المتدين بالرجعية والتخلف. احد المرات عندما إحتج الطلاب على قدوم الرئيس الأمريكي نيكسون، أطلقت قوات الشاه الرصاص على الطلبة فقتلوا ثلاثة منهم في ممرات الكلية الفنية فهو كان أحد الذين أصيبوا بجراح طفيفة في ذلك اليوم. مصطفى شمران فضلاً عن كفاءته الدراسية والعلمية العالية فإنه كان يتمتع أيضاً بذوق فني وحس عرفاني ممتاز. ومع أنه كان يبدو نحيفاً ألاّ أنه كان يبرز أقرانه في المصارعة والرياضة.
الدراسة في أمريكا
وبعد حصوله على البكالوريا، حصل على منحة دراسية لإكمال دراسته في أمريكا. وبحصوله على درجة الماجستير بتقدير ممتاز في الهندسة الكهربائية من جامعة تكساس الأمريكية، انتقل إلى جامعة بركلي للحصول على الدكتوراه، (في هندسة الطاقة النووية). والمثير للدهشة أن الدكتور شمران أبرز تفوقه الدراسي والعلمي، بينما كان منخرطاً في نفس الوقت في خضم النضال السياسي والعقائدي، وهو ما أثار دائماً إعجاب الأصدقاء والأعداء. فعندما نُظمت مسيرة مناوئة لنظام الملكي في إيران في عهد “كندي” امتدت على مسافة تسعين كيلو متراً كان هو أنشط المشاركين فيها، والمدهش في ذلك أنه لم يكف عن أبحاثه وأحاديثه في العرفان والسير والسلوك الروحي على طوال حياته. بعد نهضة “15خرداد” الدموية والاعتقاد بتراجع النضال القانوني والبرلماني، توجه شمران إلى مصر مع عدد من أصدقائه المؤمنين والمخلصين لتعلم فنون القتال والاستعداد لخوض الحرب المسلحة ضد النظام شاه إيران البهلوي. وكان ذلك في نفس الوقت الذي بعثت فيه نهضة المقاومة الفلسطينية بكوادرها إلى مصر للتدريب أيضاً.
الهجرة إلى لبنان
غادر الشهيد شمران مصر إلى أمريكا لفترة وجيزة بهدف الإعداد لهجرته الكبرى إلى لبنان. وطبقاً لدعوة من سماحة الإمام موسى الصدر، فإنه وصل إلى لبنان أواخر سنة 1970 م وإنضم إلى حركة المحرومين بطلب منه. حضر عدد كبير من الإيرانيين إلى جنوب لبنان في فترة ما قبل الإجتياح الإسرائيلي ومنهم السيد احمد روح الله الخميني، نجل الإمام خميني المعروف بنهجه العرفاني، حيث تتجلى المفاهيم العرفانية في جميع كتابات مصطفى شمران. وهذه الكتابات أهمّ دليل على تأثر هذه الشخصية بالفكر العرفاني.
ونقرأ في صفحة مخطوطة من مذكراته: “لقد كنت أحيا حياة رغدة في أمريكا، وكنت أملك شتى الإمكانات، ولكني طلقت اللذائذ ثلاثاً وذهبت إلى جنوب لبنان حتى أعيش بين المحرومين والمستضعفين وأتذوق فقرهم وحرمانهم وافتح قلبي لاستقبال آلام وهموم هؤلاء البؤساء. لقد أردت أن أظل دائماً في مواجهة خطر الموت تحت القنابل الإسرائيلية، جاعلاً لذتي الوحيدة في البكاء وأنا أبث السماء أهاتي الحارقة في سكون الليل وظلمته، وحيث إنني عاجز عن مد يد العون لهؤلاء المظلومين المسحوقين فيمكن أن أواسيهم بالحياة بينهم كما يعيشون فاتحاً أبواب قلبي لاستقبال حزنهم وشقائهم. لقد أردت ألاّ أحشر في هذه الحياة الدنيا مع زمرة أولي النعمة والجائرين وألاّ أتنفس من أجوائهم وألاّ أقرب لذائذهم وألاّ أبيعهم علمي وفكري في مقابل حفنة من المال ولحظة من لذة الحياة”.
توجه شهيد شمران منذ اللحظة الأولى إلى أقصى نقطة في الجنوب إلى قاعدة الإمام موسى الصدر في مدينة “صور” وأخذ على عاتقه إدارة المدرسة الصناعية في مؤسسة جبل عامل، بجوار المخيمات الفلسطينية. وكان اليتامى من أبناء الجنوب يدرسون في هذه المدرسة، وهم الذين صاروا فيما بعد الكوادر الأصلية للخط الأول في المقاومة ضد الكيان الصهيوني. ولأن هذه المدرسة كانت تقع بجوار المخيمات الفلسطينية مع وجود الأهداف المشتركة والشعور بالصداقة الحميمة من جانب الدكتور شمران، فإنها قدّمت خدمات جليلة لهذه المخيمات لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة بعثت برسالة تقدير خاصة له.
في بداية الحرب الأهلية إضطر المحرومون لأخذ جانب الدفاع عن النفس في غرب بيروت وضاحيتها وفي هذا الوقت كان الإمام موسى الصدر يسعى أن لا تنتقل الفتنة إلى مناطق جديدة فعمل الإمام المغيب على تجنب الجنوب هذا الواقع المر. عقد اللقاءات وأجرى الاتصالات وناشد ودعا ومعه الشهيد شمران في كل هذه الخطوات، أن يمنع إمتداد الفتنة.
الرجوع إلى إيران
كانت الثورة الإسلامية في إيران تخطو كل يوم خطوة جديدة نحو النصر؛ وأراد مشاركة تجاربه في هذه الثورة، فرجع إلى إيران وتم تعيينه أول وزير دفاع، ومن ثم استشهد هناك في أحد جبهات الحرب المفروضة على إيران في تاريخ 21-6-1981.
عند الطلب منه ترشيح نفسه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية في ايران، رفض الفكرة وقال :
1 ــ إنني لست سياسياً، ولم أتلاعب بالسياسة طوال حياتي، كما أنني أبغض السياسة، وعلى صاحب هذا المنصب أن يكون سياسياً في الوقت الحاضر.2 ــ إنني إنسان متصلب، وشديد التمسك بالمعايير الإلهية والإنسانية والإسلامية، وليس عندي أدنى استعداد للتضحية بما أمتلكه من موازين أو التخلي عن طريقتي ومُثلي.3 ــ إنني إنسان متواضع وخاشع، ولكنني عندما يجدّ الجد فإنني لا أساوم ولا أصالح.4 ــ إنني شخص عارف، وأجدني أشد قرباً من عالم القلب والروح من واقعيات الحياة. كما أنني زاهد ودرويش في حياتي الخاصة وهارب من علائق الحياة، وإنكم الآن في حاجة إلى من يهتم أيضاً بعالم المادة غير مقتصر على عالم الروح من أجل تلبية متطلبات الشعب.5 ــ إن هذه الدنيا ليست لي، ولقد جئت خطأً في هذا الزمان وهذا المكان، ولا تناغم بين أفكاري وأسلوبي ومشاعري وهذه الأجواء الكائنة.
هذه الرسالة إلى جانب جميع الكتابات الوجدانية للدكتور مصطفى شمران تدل على تأثره بالعرفان والفكر العرفاني، لبناء عقيدته السياسية، الجهادية وخدمة المحرومين في لبنان وفي كل العالم.
دور الأساتذة العرفان في بناء شخصية الدكتور مصطفى شمران
قبل ان نبدأ بالكلام عن الجانب العرفاني للدكتور شمران ومصدر هذه التوجهات، يجب الاعتراف بأن الدكتور شمران من بداية طفولته ابدى اهتماماً واضحاً في هذه الأمور ويظهر ذلك من خلال اهتمامه بالفقراء والاحساس بآلامهم، فكان يحاول مشاركة الفقراء آلامهم . فكانت بداية الطريق للزهد والتقشف في حياة الدنيا لتبدأ رحلة السير والسلوك المعنوي. (مقابلة مسجلة وكاملة مع المهندس مهدي شمران، أخ الدكتور مصطفى شمران)
للتعرف على المنهج العرفاني للدكتور مصطفى شمران يكفي بان نطالع كتبه وكتاباته وتعليقاته وخطاباته حتى يظهر لنا هذا التوجه العرفاني خاصة كتابه “نيايش”. وبما ان هذه الكتب مشهورة ومعروفة عند الجميع سنعبرها لكي نصل إلى أقوال الحاجة غادة جابر زوجة الدكتور مصطفى شمران التي وصاها باتباع المنهج العرفاني، حتى وصلت إلى مبتغاها ومبتغاه عندما تتلمذت على اليد العلامة الحسيني الطهراني. فتقول الحاجة غادة جابر شمران في هذا الصدد :
تعرفي على الشهيد الدكتور شمران كان من خلال روزنامه عليها 12 رسمة، وهي لحركة المحرومين والمستضعفين قبل ما يقارب الثلاثين سنة، أحدى هذه الرسوم هي شمعة تذوب وتعطي إضاءة خافتة في صراع مع الظلام الدامس، وهذه الرسمة كانت مفتاحا لتعارفنا ومن ثم الزواج، ومن بعد الزواج كان دائما وخاصة في ستين رسالة التي لم تنشر حتى الآن يصف نفسه بالشمعة التي تذوب وتضيء حولها.
تعرفون بان كتابات الشهيد الدكتور شمران كلها ذات منحى ديني وجداني ومصطلحاتها ومفاهيمها عرفانيه بامتياز، اما في هذه الرسائل فنرى قمة المفاهيم العرفانية، حتى ان في أحد الرسائل يؤكد بأنه قد وصل إلى مقام الفناء في الله، وهي من أعلى درجات العرفان.
فحكاية هذه الشمعة بقت وبقت، حتى كان يقول بأني قد لا استطيع بشعلة صغيرة ان أضيء الظلام لكن أبقى صامدا حتى اميز بين النور والظلام وبين الخير والشر وبين الحق والباطل.
كان يقول لي بأن أكون كالطائر القدسي لأن الشمعة قد يطفئها الطوفان، لكن الطائر حاكم على الطوفان. وكان يقول لي بأن لا أرضى بالقليل ولا أكون شمعة بل ان اتابع مسيري لكي اصل الى النور المطلق.
بل هناك تصريح في وصيته لي وفي أحد رسائله بأنه علي ان اسير لكي ألتقي بالنور المطلق، في وصيته لي يخاطب الله ويقول يا الله بانك تعرف انني حتى اليوم لم ادعوك يوما لنفسي لحاجتى ولم اطلب شيئا لنفسي، لانني لا أريد ان اُحمّل ارادتي على مشيئتك لكن أنت يا إلهي تعرف ان تعرفي بزوجتى كان من عندك، والآن لدي طلب منك يا الله وهو ان توفقنها بأن تصل الى الفناء في الله. في تلك الرسالة بعد ما يشرح الصعود في المراحل العرفانية السبع، يقول بانه وصل إلى مقام الفناء ويدعونى إلى ذلك المقام.
عندما اقرأ رسائله أجد بأنه كان لديه علم من الغيب، بحيث ان جيمع الأذى وجيمع المراحل الصعبة التي مررت بها، مذكورة في تلك الرسائل بتوصيف دقيق. حتى في وصيته الاخيرة التي اعطاني اياها، قال لي لا تفتحي الرسالة إلا عند المساء. ذلك اليوم كان يوم استشهاده، ورد في هذه الوصية جميع الامور التي قد عانيت منها بعد استشهاده .
جميع هذه الاشارات الموجودة في رسائله الخاصة وفي وصيته اثار علامات استفهام عندي حول مستقبلي؟ وأن هناك شيء ينتظرني، وكنت بعد استشهاده بحالة انتظار دائم لاصل الى المقصود.
اتذكر بأنني بقيت في ايران من بعد استشهاد الشهيد الدكتور شمران بإيعاز منه وكنت أبحث عن ضالتي. قرات كتيبا في ذكرى استشهاد الشهيد مرتضى مطهري فيه بحث للسيد الطباطبائي مفسّر القرآن وبحث آخر للسيد العلامة الطهراني الذي لم يكن معروفاً ولم يكن لديه كتباً، كان بحثه ملخصا لكتاب “لبّ الالباب”. عندما قرآت هذا البحث ظننت بأنه رسالة مكتوبة لي. فسألت عنه فلم يعرفه أحد، لكن عندما كنت ذاهبة إلى مدينة مشهد لزيارة مقام الامام الرضا عليه السلام، كنت اسأل عنه كل عالم أراه في المقام وبالاساس كانت الزيارة بهدف التوفيق لاستفادة من حضوره وتلمذ على يديه وفي النهاية احد الاشخاص قال ان استاذه ربما يعرفه وطلبت منه رقم هاتف استاذه فاعطاني . فعندما اتصلت باستاذه قال لا استطيع ان اعطيك رقم تلفونه لعله لا يرضى بذلك، لكن قلت له انني طلبت ذلك من الامام الرضا عليه السلام بان اذا كانت لي مصلحة في هذا الدرب فيسره لي. فتأثر واعطاني رقم الهاتف. فاتصلت به وقلت باني اريد ان أزوره فقال لي انني رجل عجوز، ومنشغل بالكتابة وهناك غيري من يفيدك. لكن قلت له انني اعتذر على الازعاج ولا اصرّ على ذلك، لكن طلبت من الله بان يوفقني لهذا الدرب، فوافق. وعندما رأيته احسست بأنني اعرف هذا الشخص منذ زمن.
فعندما عرفني بانني زوجة الشهيد الدكتور شمران، قال لي انه لم يقابله لكن، عندما كان يسمع اسمه وذكراه كان ينشرح قلبه وكان يطير مع روحه إلى المعراج.
كان الشهيد شمران يقول في مدح السيد محمد حسين الطباطبائى أحد اساتذة العلامة الطهراني، بأن ايران اوسع من كل العالم لوجود العلامة الطباطبائي فيه. كما أنّ الامام الخميني قال في مدح الشهيد شمران بأنه لم يسع يوما لنفسه ولدنياه وحتى وزارة الدفاع، قد استلمها بأمر مني.
ويقول المهندس مهدى شمران اخو الدكتور مصطفى شمران :
الشهيد الدكتور شمران خلال الفترة التي عاشها منذ الطفولة شارك في محاضرات دينية كثيرة وتربى على يد بعض العلماء المتشربين للثقافة العرفانية، وقد نذكر أهمهم
1 – المرحوم الشيخ اشراقي الذي توفى قبل 1330 الهجري الشمسي وهو كان من ائمة الجامعات في مسجد الجامع في سوق طهران.
2 – المرحوم درّي أيضا من ائمة الجماعات في مسجد الجامع الذي كان معروف بمحاضراته القوية من حيث المفاهيم العرفانية.
3 – أيضا المرحوم حسين على راشد، وفلسفي ومرحوم مجتهدي الذي كان يصلي في مسجد سوق نائب السلطنة وهو مدفون هناك أيضا. كان يستمع إلى محاضرات المرحوم طلماسي والمرحوم استرآبادى والمرحوم كلباسي ،(ابن المرجع الكلبانس من مراجع الصفوية والقاجار) في جامع سوق الحدادين. ومحاضرات الحاج آقا ضياء كانت علميه ووجدانية
4 – في سن 14 سنة أيضا كان يشارك في درس التفسير لدى المرحوم السيد الطالقاني، في مسجد الهداية وهذا المسجد كان من المراكز الاساسية لتمركز الثورية إبان الثورة الإيرانية. ونعرف ان السيد الطالقاني قد سجن لمدة 13 سنة في سجون الشاه.
5 – محاضرات ميرزا عبدالله طهراني المعروف بچهل ستونى الذي كان ركن علمي وسياسي مثل السيد بهبهاني
6 – كنت اتذكر ايام المراهقة كان ياخذ مصطفى بيدى ويأتي بي إلى محاضرات آية الله وحيد الخراساني في مقام “امام زاده زيد” في سوق طهران . اية الله وحيد خراسانى هو من المراجع الحاليين في قم المقدسة.
7 – الشهيد الدكتور مصطفى شمران ايضا كان يشارك في بعض محاضرات المرحوم شاه آبادى العارف الكبير في مسجد الاقمشة سوق السيد عزيزالله (عزيز الله خوانساري) وهو استاذ الامام خمينى في العرفان.
من المساجد الذي كان يصلي فيها الدكتور شمران نذكر مسجد الجامع ومسجد الشاه سلطان يعني مسجد الامام الحالي الذي كان يصلي فيه السيد اشراقي والسيد درّي في مدرسة “جلوخان” ومسجد الهداية في شارع استانبول (شارع الجمهوري)..
و في النهاية نستذكر الامام موسى صدر مؤسس حركة المحرومين في جنوب لبنان، الذي يصفه الشهيد شمران في رسائله المنشورة بمعشوقي الديني، ونعرف عن الامام موصى صدر بانه تعلم في حوزة قم ودرس هناك كتاب الاسفار الاربعة العرفاني للملا صدرا اي صدر المتالهين من اهم فلاسفة العصر الذي نظم قواعد العرفان في القالب الفلسفي.
وفي خطاب للشهيد مصطفى شمران يخاطب فيه السيد قبل تعرفه على الامام الخميني (قد) قائلاً له: “..أنت يا حبي الكبير… يا من تحمل على كتفيك عذابات كلّ تلك القرون، ولكنّك صامد كالطور الشامخ، حتى تصاغرت أمامك كلّ الرجال، تحدّيت عداوات المخالفين والحسّاد بإغضائك وصفحك… فكلّي فخر أنّني أقاتل في ركابك، وفي طريق العزّ الذي سلكته، حتى النّصر أو الشهادة”، (مأخوذ من كتاب هيبة الشيعة: 297).
نضيف بأن قلنا بأن الحاج سيد ضياء الدين الدري هو أحد العلماء الدين الذين كان قد تأثر بهم الدكتور مصطفى شمران منذ طفولته وها هنا ينقل هذه القصة العلامة الحسيني الطهراني في أحد كتبه لنتعرف أكثر على المنهج العرفاني عند هؤلاء العلماء آنذاك :
لقد كان المرحوم السيّد ضياء الدين الدُّرِّيّ أحد الوعّاظ وخطباء المنبر الطهرانيّين من الطراز الاوّل، وكان أُستاذاً لعلوم المعقول. حيث مضي علي رحيله حتّي الآن أكثر من ثلاثين سنة، وقد حضر الحقير مجالسه تكراراً، فكان يمتلك نهجاً حكيماً وعرفانيّاً في الخطابة، وكان بيانه شيّقاً وخطابته موثّقة محقّقة. وجاء أخو زوجة الحقير: حجّة الإسلام الحاجّ السيّد حسن معين الشيرازيّ دامت معاليه إلي منزلي في مشهد المقدّسة ليلة الثالث من ربيع الثاني لسنة ألف وأربعمائة واثني عشر هجريّة قمريّة فنقل رؤيا شيّقة عنه لا يخلو ذكرها من اللطف: (الروح المجردة، الحاجّ السيّد ضياء الدين الدرّيّ ورؤيا عجيبة في تفسير بيت شِعر لحافظ )