الخطوات العملية في طريقة تبديل نصوص الشريعة إلى القانون
قلنا أنَّ القوانين الجزائية في إيران بعد أسلمتها أصبحت ذات ثغرات كبيرة، لا تقتصر على الأمور خلافية وغير مألوفة من قبل غير الإسلاميين لنبررها ونقول بأنها إنتقاد العلمانيين على الإسلام بل هناك ثغرات كبيرة ناتجة من التناقضات والتعارضات في نفس القوانين، فهي موجودة في كل مكان في مواد القانونية والتناقض والتعارض يدل على تباينات بنيوية في عرض النظام القضائي وهيكله الفكري وعند الرجوع إلى النصوص قلنا أنَّ علينا ملاحظة جانبين الأول إختيار النص الملائم من بين النصوص الشريعة والإجتهادات الموجودة وثانياً عملية تبديل هذه النصوص، في مرحلة إختيار النصوص، نلاحظ التباين الكبير الموجود في الإجتهادات التي لطالما كانت ضرورية في التطبيقات الفردية بين عامة الناس وأيضاً نلاحظ الإجتهادات كانت تقتصر على المسائل الفردية ومع وجود عناوين كثيرة للمواضيع العامة إلا أنها لم يتم مناقشة القضايا الحكومية بتفاصيلها الكاملة وبفروعها المتنوعة وثالثاً نلاحظ التباين الكبير في مصادر ومنابع الإجتهاد في الشريعة الإسلامية من حيث قابليَّة تبديلها إلى قواعد عامة على شاكلة القوانين المعهودة اليوم و هي نمط الروماني – الآلماني القديم أو النمط الفرنسي اليوم، بعكس النمط البريطاني الانجلوساكسوني التي يتبني مسائل فردية وجزئية. فالقرآن يتكلم عن قواعد عامة وكليَّة والآف من الروايات والأحاديث التي تتكلم من كل حدب و صوب عن القواعد الفقية العامة، في شتى المواضيع و بإسلوب مبعثر ليتم تجميع بشكل مناسب من قبل المجتهدين، هذه الأدلة الثلاث أدت إلى تدوين نصوص شرعية بنمط الأحكام الجزئية في حين أن القوانين اليوم هو بشكل قواعد عامّة وكليَّة ومزج ودمج نصين مختلفين في نمطهما قد يؤدي إلى تناقضات كبيرة كما بالفعل حصل عند تدوين القوانين الإيرانية.
الثغرات التي رأيناها في الفصل الأول و الثاني فمنها الثغرات التي تتعلق بعدم قابليّة التطبيق فيرجع ذلك إلى أنَّ الاجتهادات المقررة في هذه القوانين ليست هي الاجتهادات الفقهية الصحيحة بحسب ما تقرر فيما بعد و بالتالي ليست هي ليست الإسلامية اليوم وكما قلنا سابقا ليس كل شيء كان متبعٌ في صدر الإسلام هوحالياً أيضاً إسلامي لأن الظروف المسائل المستحدثة من مكان وزمان يغير اصل الموضوع وهي مهمة و مفصلية اليوم، بلا شك تغيير مواضيع الأحكام الشرعية، والحل الأزمة يكمن في ملاحظة روح الشريعة في هذه المسائل وفي ملاحظة مقاصد الشريعة بتعبير عام وفي ملاحظة القواعد العامة التي تسيطر على كل موضوع فقهي ولو كان موضوع جزئي، فأوّل حل لسد هذه الثغرات هي في الرجوع إلى القواعد العامة الكلية الموجودة أو المختبئة أو المنسية في الشريعة الإسلامية، أمَّا الثغرات الموجودة الناتجة عن التعارضات والتناقضات الموجودة فهو بسبب أن تم دمج مجموعتين مختلفتين من النصوص التي تختلف عن بعضهما البعض في نظامها و بعتبر أدق بسبب تعارض النصوص بين نظام الاحكام الجزئية الفردية وبين نظام القواعد العامة الكلية، أدى إلى عدم قابلية التبديل بين هاتين المجموعتين من النصوص. فالحل أيضاً يكمن في إستخراج القواعد العامة المدفونة بين الكم الهائل من بحر الروايات الجزئية الفردية المبعثرة ليصبح قابلاً للتبديل إلى مواد قانونية.
على سبيل المثال في الفقه في كل موضوع فقهي يوجد مبحث عام حول شروط المكلف وهي عادة لا تتغير في كل هذه المواضيع الفقهية الا نادرا لكن نجد بأن مناقشة هذا الموضوع يتكرر في كل مبحث فقهي من جديد و هذا الموضوع اليوم له مضار عملية و من الممكن انشاء قاعدة عامة في موضوع شروط المكلف و اضافة بعض الاستثناءات في قسم آخر من المواضيع الفقهية.
هنا قد يعترض البعض بأن لا يمكن التدخل في الروايات الفردية وتبديلها إلى قواعد عامة و هذا انحراف عن الدين و نحن نرد بأن لا نريد أن نتدخل في أي شيء و لا نتصرف من تلقاء نفسنا و نسبب بانحراف الدين و لا نريد الإجتهاد بالرأي و… بل كل ما علينا فعله هو التسليط الضوء على بعض من هذه الروايات أكثر من باقيها بحكمها مسلطة على الروايات المشابهة، بحيث أن تصبح العام و الباقي تصبح الإستثناء أو المخصص.
ولكن قد يتسائل البعض بأن الشريعة الإسلامية تعتمد على الروايات والأحاديث الفردية كما هي عليه منذ صدر الإسلام، لكن هناك أدلة كثيرة تفند هذه الرؤية منها ضرورة قيام الدولة ومصلحة الأمة الإسلامية و… وفلسفة وجود الإجتهاد و منها طبيعة النصوص الشرعية لا تتوافق كثيرا مع البقاء على الاحكام الفردية، فصحيح إن النصوص الشرعية في الأساس تتبع أسلوب الاستفتاء (السؤال والجواب) الفردي في الروايات والقواعد العامة في القرآن وبعض الروايات التخصصية، ومن ناحية تدوين القوانين وكتابتها، فالقوانين العصرية تصرّ على النظم والترتيب والدقة في كلماتها وعباراتها وتحاول الابتعاد عن الاستثناءات المعقَّدة وغير ضرورية التي تضرّ في سهولة تطبيق العدالة في العمل، في حين أن الشريعة قد طوّرت قواعد لتفسير نصوص الشريعة وسمته ب”علم أصول الفقه”، بمعني آخر بعض الروايات التي هي ليست من باب الاستفتاء بل من باب تعليم الحكم الالهية تجد بأن يغلب عليه جانب النظم الفقهي والقواعد الفقهي وعلل الشرايع.
لهذا، نرى أن قانون العقوبات الإسلامي الحالي، (الذي تغير بعد عام 2003) هو خليط غير متجانس بين الزيت والماء، لأنّه كما قلنا، تختلف النصوص الفقهية عن القوانين العصرية في المصطلحات والقواعد المفسرة وأسلوب التدوين والتنظيم والترتيب والتبويب، ودمجها مستحيل ومخلِّ بالعدالة، إلا بعد توحيد هذه المصطلحات والقواعد والتفسير والتدوين ونمط التبويب والتنظيم.
1 – تقريب النصوص الفقهية من أسلوب القوانين المدونة
الطّريقة التي اتّبعت في أسلمة القوانين هي أنّه تم إدخال نصوص من الشريعة الإسلامية إلى بعض المواد القانونية القديمة عنوةً، لكي يصبح هذا القانون حديث الولادة، قانوناً إسلامياً، من دون مراعاة ضرورة تشابه هذه النصوص الواردة مع النص الأصلي، من حيث الأسلوب والمنهج والمصطلحات والقواعد المفسرة، أما مبحث الحدود والديات والقصاص فليس لها مواصفات القانون العصري المدون، من حيث التنظيم والتبويب والترتيب والإيجاز والعمومية، واعتبروا أن هذا القانون الجديد هو وحده القانون الإسلامي ولا قانون إسلامي غيره.
نذكر هنا على سبيل المثال نموذجين من التناقض بين قانون العقوبات الإسلامي وقانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد سنة 1378 هـ ش/ 2000م حيث يجب أن يكونا متطابقين مع بعضهما البعض، لأن أصول المحاكمات الجزائية هو أداة تنفيذ قانون العقوبات. والنموذجان هما:
الفقرة 2 من المادة 11 قانون العقوبات الإسلامي والتي تعادل المادة 6 من قانون العقوبات القديم، تنصّ على أنّه إذا قرّر قانون جديد عقوبة أخفَّ لجريمةٍ ما، فيمكن تعيين العقوبة الجديدة المخفَّفة على المحكوم عليه، فقط بواسطة “تقديم طلب” للمعنيين، في حين أن هذه المادة تعتبر تطوراً على القوانين القديمة، حيث كانت تتطلّب “إعادة المحاكمة” من جديد، لهذا التعديل الطارئ الجزئي. لكن المشكلة تكمن في أن الفقرة 7 من المادة 272 من قانون أصول المحاكمات الجزائية سنة 1378 التي صدرت بعد سنوات عديدة من قانون العقوبات الإسلامي، تقرّر بشكل مفاجئ إشتراط “إعادة المحاكمة” في محكمة التمييز العالية لهذا التعديل الجزئي.
وأيضا هناك أخطاء كثيرة في المصطلحات والكلمات الحقوقية، حيث تدلّ على أن كثيراً من التغييرات التي دخلت على القوانين بعد أسلمتها، نابع من عدم المعرفة بمعانيها وأبعادها الحقوقية. ومنها التناقض الموجود في القوانين في تعيين “نوعية الحكم” في المواد، حيث يعتبر في مكان أن الحكم المعين هو حكم نهائي ومبرم، وفي مكان آخر لا يحدد النوعية ويقتصر على كلمة “الحكم”، كما يحصل في الفقرة التابعة للمادّة 18 من قانون العقوبات الإسلامي، مقارنةً مع المادة 295 من أصول المحاكمات الجزائية. وذلك يدفعنا إلى القول أنّ كلمة “الحكم” الموجودة في الفقرة التابعة لمادة 18 هي “الحكم النهائي والمبرم” بحسب القرائن والأدلة اللغوية الموجودة، مع قليل من التجاهل والتهاون لكن تطبيق هذا الأسلوب على المواد الأخرى قد يواجه بعض الصعوبات وقد يدخلنا المتاهات.
يجب أن نستخلص العبر من هذه التجربة من أجل إقامة الاسلام حقيقةً. فالعبرة لجميع الاسلاميين في العالم الإسلامي والعالم العربي بل العالم كله أن يجب على الإسلاميين التعامل مع الأنظمة الإدارية الحديثة الحكومية في دوَلهم على أساس أنها في الأساس إسلامية، إلا ما أستثني في الروايات بصريح الروايات ومن دون شبهات، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الكثير من الرويات التي نراه معارضة لهذه الأنظمة الإجتماعية والحكومية هي ناظرة لحالات فردية أو لمجتمعات صغيرة كالقرى والمدن الصغيرة المستقلة، على أساس التالي:
1 – يجب التعامل مع الأنظمة الإدارية القانونية العصرية في الحكومة الإسلامية على وجه العموم أنها إسلامية.
2 – هناك استثاءات قليلة يحتاج إلى دراسة علمية، دينة ومؤكدة لأن مصير أمة أو حياة شعب أو قوام مجتمع .
3 – لا يمكن خلق أنظمة إدارية جديدة في الشؤون الحكومية والإجتماعية مبتني على رأي شخصي واحد ولا رأي أكثرية الإسلاميين بل في هذه الأمور الخطيرة ومتشعبة الأبعاد، الشبهات تدرء النظريات الإسلامية.
4 – لا يمكن خلق أنظمة إدارية جديدة في الشؤون الحكومية والإجتماعية مبتني على رأي روايات فردية، بل النِّظام يحتاج إلى شبكة من الروايات المتناسقة المنسجمة تشمل جميع الأبعاد.
لا يمكن تنفيذ التغييرات والإصلاحات الجذرية الحكومية التي تفرض أمور على جميع الناس، بإعتمادنا على رأي شخص واحد أو بل الأكثرية ولا على رواية أو عدة روايات موجهة للأفراد لإصلاح أنفسهم، لأن فشل هذه الأطروحات والمشاريع التي يتم تطبيقه على الجميع بإسم الإسلام يضرّ بمصداقية الإسلام وسمعة الإسلام في مواكبة الحياة وتأمين الضرورات الجديدة للمجتمع.
لا يمكن إلقاء اللوم على أول تجربة إسلامية لأسلمة الأنظمة الحكومية والإدارات والمحاكم والقوانين، خاصة بسبب وجود مخاوف كبيرة من فرض قوانين غير إسلامية و بل ضد الإسلام بحجة مواكبة العصر والعصرنة و التطور والحداثة، حيث يكمن فيها أخطار وأضرار أكثر من التجربة الفاشلة التي مرَّ بها الشعب الإيراني، لكن تكرار هذه الأخطاء في بلدٍ من بلاد المسلمين لم يعد مقبولاً بتاتاً. والإسلاميين في العالم أن يتعلموا من هذه التجربة وينتبهوا لكي لا يقعوا في أخطاء كهذه تكلِّف المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية والشعوب المسلمة الكثير الكثير من الأضرار المادّية والخسائر الإنسانية والأضرار المعنوية، الدينية، الباهظة الثمن.
أما في التجربة الإيرانية لإصلاح الأنظمة الإدارية القانونية، ليس من السهل الإقرار والإعتراف بالخطاء الفادح وفشل القوانين الجديدة ولكن في النهاية تغلبوا على موانع واعترفه بخطأهم وبفشلهم ومع أنَّه كان إعترافاً خجولاً ومتأخراً لكنه كان أمراً جريئاً ويدل على الشجاعة والموضوعية وينم على عدم إكتراثهم بالاعتبارات غير الحقيقية، حيث أن الرئيس الحالي للسلطة القضائية “السيد محمد الهاشمي الشاهرودي” بدأ ينتقد بقوة المحاكم الجديدة العامة ومن إقترحها وقدمها بهذا الزّي، لكن الكل يتوقع منه خطوات أكبر في هذا المجال. فهو لا يزال ينتقد الجامعيين والحقوقيين العصريين، ولا يزال يعتقد أن الفقه التقليدي في الشّريعة مؤهلٌ لوحده وعلى حاله الفعلي لإصلاح النظام القضائي، ولتقديم نظام جديد لأصول محاكمات جزائية، يكون فعالاً في مجتمعاتنا اليوم ولا يزال يعتقد بأن الشريعة لا تحتاج إلى هذه العلوم العصرية كأدوات، لمعرفة نجاح الفقهاء في استنباط صحيح، وعلمي للأحكام الشّرعية في مجال المحاكم. وأفضل دليل على ذلك كلامه: “أنَّ أصول المحاكمات الذي يطبَّق حالياً في إيران، هو أصول محاكمات توليفي وتوفيقي وهذا لا ينسجم مع أصول محاكمات إسّلامي. مع ذلك إنَّ تدوين أصول المحاكمات في النُّصوص الإسلامية هو من إختصاص الحوزة الدينية وفقهائها وعلمائها، ونحن لا نتوقع من أساتذة الجامعات الذين لم يتعرفوا على العلوم الإسلامية الغنية في الحوزات الدينية أن يستخرجوا أصول المحاكمات من النصوص الدينية … بل نتوقع بل فقط وفقط من علماء الدين أن يخططوا للنظام القضائي والثقافي في البلد” بمساعدة من الجامعيين المؤمنين بالإسلام كدينٍ يقود البشرية إلى الفلاح. فالتوازن الموجود هنا دقيق جدا بين تعصب وتحجر النظريات التي يعتقد إنها لا تزال إسلامية وبين التحرر من كل قديم وغير مادي وغير ملموس. توازن دقيق بين الجمود وبين البدع باسم الدين.
انتقد موفد حقوق الإنسان للأمم المتحدة في ايران في تقريره (البند 32 و33 ) أقوال رئيس السّلطة التشّريعية بأنها مجملة وغير واضحة .
والمهم أنَّ نقاط الضعف الموجودة في القوانين والمحاكم شكلت دوافع كبيرة عند الجميع ترفض القوانين الحالية وتريد قانوناً لأصول محاكمات، تكون إسلامية بصدق وواقعية، وتؤمِّنُ ما يرمي إليه القضاء الإسلامي من أهداف وغايات سامية (العدالة والنظم ورفع المخاصمة…) بأفضل طريق ممكن، مع أنَّ لا يزال هناك موانع كبيرة في هذا الصدد.
إنَّ مجلس صيانة الدّستور ما زال موجوداً وله صلاحيات كاملة لرفض كل ما لا ينسجم مع الإسّلام، من زاوية نظرهم مع أن نظراتهم الآن بعد مرور أكثر من 20 سنة منذ الثّورة أصبحت معتدلة كثيراً، وذلك إذا إفترضنا صدق كلام رئيس السّلطة القضائية بشأن استمراره في إصلاح الوضع. لا ننسى بأنه هو أيضاً كان في فترة من الفترات عضواً في مجلس صيانة الدستور.
و يبقى السّؤال كيف سيتقبل مجلس صيانة الدَّستور هذه التعديلات الواسعة في قوانين يعتبرونها إسلامية؟! وكيف ستتقبل الحوزة الدينيّة ومراجع التقليد والفقهاء هذه المؤسسات والنظم والمواد الجديدة التي ليس لها سابقة روائياً ولا فقهياً، ولا مثيل لها في الشّريعة الإسلامية؟! وهل نستطيع أن نتوقع منهم أنّ يعالجوا هذا القانون برؤية شمولية تسعى إلى تحقيق أهداف الإسلام المرموقة، من وجود قضاء عادل وصارم، أم إنهم سيعالجونه بطريقة ضيِّقة وجزئية وغير بنيويّ، الطريقة التي يبحث الشخص على رواية أو روايتين ضعيفة أو حتى قوية لينسف بها نظرية وفكرة متكاملة ومتناسقة ومدعومة بألاف الروايات وحتى آيات قرآنية واصول وقواعد عامة روائية وقرآنية والطريقة التي لا يسعى الشخص فيها لتكوين هيكلية النظام قضائي جديد، بل يسعى فقط بتجميع بعض المفردات الفقهية القضائية غير المنسجمه معاً وغير متكاملة مع العصر والبشر، هيكلية نظام قضائي تراعي مبادئ إسلامية مهمه مثل العدالة والنظم و… ، والجدير بالذكر هنا أن يجب على جميع الفقهاء والإسلاميين أن يعترفوا أن معايير العدل يجب أن تظهر في هذه الدنيا من خلال الأدوات العلمية العصرية في علم الإجرام من إحصاءات والنماذج الرياضية و… التي تدل على نسبة رضى الشعب من قوانين اصول المحاكمات ورضاه في سير المرافعات والمحاكم ومن خلال تدني مستوى إحصاءات الجرائم وتكرارها وارتفاع نسبة الرضى الشعب من حلول نسب عالية من الأمن والأمان والراحة والرفاهية بمساعدة أدوات علمية لا يكن يستخدم في صدر الإسلام ؟! فلا يزال هناك مخاوف من بطء هذه العملية!
تم دمج وخلط القوانين العصرية بالشريعة الإسلامية في إيران بطريقة سيئة جداً، لأن النصوص الفقهية تختلف من ناحية أصول التدوين وأدب الكتابة عن القوانين العصرية، ولا يمكن دمجها إلا بعد تأصيل أركانها وتحليل عناصرها ومعرفة نسيجها، ليتم توحيد الأركان والعناصر والنسيج مع القوانين العصرية، ومن ثم يتم استخراج قانون إسلامي وعصري في الوقت نفسه، وإذا كان لا يمكن الدمج بين نصين إلا بعد أن يكون بينهما شبه ووحدة من حيث النظام والتبويب والمصطلحات والقواعد المفسرة والأسلوب وإطار العمل ونمط التدوين.
الدمج بين الشريعة والقانون وبتعبير آخر تبديل النصوص الشريعة إلى قوانين عصرية، يحتاج إلى توحيد النظام واسلوب التدوين والمصطلحات والقواعد المفسرة واسلوب التحضير والإطار الأحكام وهم :
1. وحدة النظام بين الشريعة والقانون: نظام الأحكام الجزئية أم نظام القواعد العامة الكلية
2. وحدة التبويب والتقسيمات بين الشريعة والقانون المدوَّن: اسلوب كتابة القانون العصرية من كليات أم نظام حرٍّ ومتشتت.
3. وحدة المصطلحات بين الشريعة والقانون: المصطلحات القانونية أم الفقهية
4. وحدة القواعد المفسرة بين الشريعة والقانون: “أصول الفقه الإسلامي” أم القواعد العرفية الأكاديمية
5. وحدة الأسلوب التحضيرية بين الشريعة والقانون: نظام القوانين المدونة أم النظام الإجتهاد الجزئي المفتوح
6. وحدة الإطار لإصدار الأحكام (قاضي) (أصول محاكمات) بين الشريعة والقانون: نظام القوانين المدونة أم النظام الإجتهاد الجزئي المفتوح.
1- وحدة النظام في الشريعة وفي القانون:
وحدة النظام بين الشريعة والقانون: نظام الأحكام الجزئية أم نظام القواعد العامة الكلية
أحد الفوارق الموجودة بين الشريعة الإسلامية وبين الأنظمة الحقوقية والقانونية العصرية في صنفيه الرئيسيين النظام الروماني والنظام الكومونولث أو النظام الفرنسي والنظام البريطاني، الذي يعتمد الأول على قوانين موجزة ومدونة والثاني يعتمد على أحكام تفصيلية ومبعثرة، الشريعة الاسلامية بحسب الكتب الروائية وكتب الحديث هي شبيهة للنظام الكومونولث أو البريطاني لكن الحقيقة أنّ وجود القرآن بعنوان الدستور العام والأسلوب التي يفرضها الاجتهاد من القواعد الفقهية العامة يُبرهن بأنَّ الشريعة الإسلامية مبنية بتأكيد على نمط ونظام تشبه القوانين المدونة والموجزة والعامة في النظام الروماني أو الفرنسي، لكن إدخال النصوص الشرعية في القوانين الإيرانية التي تتبع النظام الفرنسي أو النظام الروماني – الآلماني تاريخي سبب مشاكل وأزمات كثيرة موجودة في كل الثغرات والتناقضات والتعارضات في القوانين الإيرانية خاصة القوانين الجزائية وكان سبب أساسي لأنواع أخرى من الثغرات الموجودة في القوانين الإيرانية. وكل ذلك أدى الى الفوضى التي تكلمنا عنها.
وعلى سبيل التمثيل (لا التفصيل)، نجد أن الكتب الفقهية (الشريعة الإسلامية) مختلفة عن القوانين المدوَّنة في نظام التدوين ونسيجها، فكتب الشريعة تتبع نظام الأحكام الجزئية (يشبه النظام البريطاني)، في حين أنَّ القوانين المدوَّنة تتبع نظام القواعد العامة الكلية (النظام الفرنسي) (نظام القوانين الرومانية والجرمانية)، أمّا الشريعة الإسلامية بدون شك تتبع نظام القواعد العامة وسوف أقدم الأدلة على ذلك، لكن بما أن الكتب الفقهية تشمل روايات وأحاديث كانت في الأصل استفتاء وسؤال من شخص وجواب على هذا السؤال وهذه الأسئلة والأجوبة هي فردية وجزئية من حيث التدوين والكتابة، تخيل للبعض أن الشريعة الإسلامية تتبع نظام يشبه النظام البريطاني في جزئية وفردية أحكامه. لذلك إذا أردنا دمج النصوص الدينية بالقوانين العصرية، فمن المفروض أن يتم تبديل النصوص الفقهية إلى قواعد العامة والكلية، لتصبح قابلةً للدمج مع القوانين العصرية، وبالعكس.
2 – وحدة التبويب والتقسيمات في الشريعة والقانون:
يجب الإيمان بهذا الموضوع إن الشكليات مهما كانت أدلتها يجب أن لا تكون عائقة ومانعة أمام العدالة والنظم واستقرار المحاكم وسير ملفات والدَّعاوي. وأن النصوص الشريعة قبل أن تصبح قوانين لابد أن تأخذ تقسيمات وتبويب معين وإذا كانت قد تدمج مع قوانين أخرى فلابد أن يتم التوحيد بينهما في التبويب والتقسيمات. أما بالنسبة للقانون الإيراني يمكن إدخال نصوص إسلامية لكن بعد أن يلاحظ فيها التقسيمات والتبويبات الموجودة في القوانين السابقة.
3 – وحدة المصطلحات في الشريعة والقانون:
أما على صعيد المصطلحات القانونية والفقهية، فبعد مضي 23 سنة من الثورة، لم يتفق الحقوقيّون في إيران على تقسيم منسجم ومتدرج للجرائم والعقوبات تنطبق على جميع المواد في “قانون العقوبات الإسلامي” لأنّ في المحاكم يوجد الكثير من الأحكام المخففة أو المشدّدة التي تقتضي وجود تسلسل واضح للعقوبات حسب شدّته وخفّته.
4 – وحدة القواعد المفسرة في الشريعة والقانون
والشريعة الإسلامية أيضا على صعيد القواعد المفسّرة، مختلفة مع القواعد المفسرة في القوانين العصرية، فالتعدّد المعنوي للجرائم على سبيل المثال حسب “أصول الفقه الإسلامي” هو أمر مستحيل، لكنه وارد في “قانون العقوبات الإسلامي”، كما في القانون الفرنسي والإيراني السابق، لذلك يجب توحيد القواعد المفسرة للنصوص الدينية مع القوانين ليتمّ دمجها بشكل صحيح.
5 – وحدة الأسلوب في الشريعة والقانون:
وحدة الأسلوب التحضيرية بين الشريعة والقانون: نظام القوانين المدونة أم النظام الإجتهاد الجزئي المفتوح
فمن ناحية الأسلوب أيضاً، هناك فارق بين الفقه الإسلامي الموجود في الكتب الفقهية وبين القوانين المدوَّنة، فالعالم بالفقه المجتهد لديه منابع فقهيّه عامة؛ أي القرآن والسنّة الشريفة، يستخرج في أي عصر وأي مصر القاعدة التي تنطبق على الحادثة المعينة، في حين أن القاضي يستخرج الحكم من مجموعة قواعد عامة، تم تحديدها من قبل المجلس النيابي في قانون مدوّن لكي تتناسب مع عصر معين وزمان معين، بمعنى أن المنابع لاجتهاد الفقهيّه هي منابع أكثر عموميّةً وأقل حصراً، في حين أن اجتهاد القاضي يتم في دائرة صغيرة جداً مع صلاحيات قليلة وبعيدة عن الأخطاء ولا يحتاج إلى تخصص عالٍ ومعلومات كثيرة وخبرة طويلة، بينما الاجتهاد يحتاج إلى مؤهّلات معقدة من الناحية العلمية ومن الناحية السلوكية في الشريعة الإسلامية، اجتهاد القاضي لا يسمى بالاجتهاد المصطلح الشرعيّ بل يسمى في الشريعة بتطبيق الحكم على الموضوع. لذلك قبل دمج الشريعة بالقانون يجب على المشرِّع أن يختار أي قاضٍ يريد ويتعامل من أول القانون إلى آخره بنفس الأسلوب، نظام القوانين المدونة أم النظام الإجتهاد الجزئي المفتوح في مرحلة التحضيرية.
6 – وحدة الإطار في الشريعة والقانون
وحدة الإطار لإصدار الأحكام (قاضي) (أصول محاكمات) بين الشريعة والقانون: نظام القوانين المدونة أم النظام الإجتهاد الجزئي المفتوح.
ما هو نظام إصدار الحكم؟ هل نريد نظام القوانين المدونة أم نريد نظام الإجتهاد الجزئي المفتوح في إصدار الحكم، بما أنَّ دائرة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية واسعةً جداً كما قلنا، ليتمكن العالم بالفقه من مواكبة العصر والأماكن المختلفة، وبالنسبة للقضاة المجتهدين في سلك المحاكم الجزائية في إيران، فإنهم لم يتمكنوا حتى الآن من التركيز على دائرة اجتهاد محدودة في ظلِّ وجود قانون إسلامي مدوِّن. ولا زلنا نرى اجتهادات خارجة عن القوانين المدوَّنة، حيث يتم الاعتماد على الرجوع إلى نصوص في الكتب الفقهية من دون أن تكون مذكورةً في القوانين المعتمدة! وإذا فتحنا المجال للاجتهاد الفقهي الواسع جداً في مجال المرافعات فهناك فتاوى واجتهادات تنسف أسس هذه المحاكم وحتى قيام الحكومة الإسلامية، فكيف يستطيعون أن يتعاملوا مع هذه الإجتهادات والقيام بالمرافعات في الوقت نفسه، مثل وجود نظرية قوية في الشريعة الإسلامية حول “عدم جواز الحدود في زمن غيبة المعصوم”، والتي كان يؤمن بها بعض الفقهاء، مثل ابن زهرة وابن إدريس والمحقق الحلي والعلامة الحلّي ومن المعاصرين المرحوم آية الله خوانساري، هذه الفتوى كانت ربما بسبب شدّة إستبعاد تأسيس حكومة إسلامية واقعية، مع العلم بأن غالبية المعاصرين مثل السيد النجفي، صاحب كتاب الجواهر، وسيد الخوئي وسيد الخميني لم يؤمنوا بها .
(ونرى بوضوح أنّ فقهاء مجلس صيانة الدستور يؤمنون بوجود قوانين شرعية مستقلة عن قانون العقوبات الإسلامي، وبأن من حق القاضي المجتهد ( رجل دين ذو خبرة عالية) في المحاكم الحكومية، أن يقوم باجتهاده الشخصي حسب النصوص الدينية، بدون التقيد بالقوانين المدوَّنة، وذلك واضح في البند الثالث من قرار مجلس صيانة الدستور : “بند 3 نظريه شماره 6169 مورخه 15/2/1373 شورای نگهبان” في تفسير للمادة 8 من لائحة تأسيس المحاكم العامة ومحاكم الثورة، حيث يقول إن عدم استثناء الفقهاء المجتهدين الذين يعتبرون قانوناً بكامله غير شرعي من مبدأ ممنوعية استنكاف القضاة عن إعطاء رأيهم في الملفات القضائية المقدمة في المحكمة، هو أمر غير شرعي، ويجب أن يحق للقاضي المجتهد أن يستنكف عن رأيه بحجة أنه يعتبر كل هذا القانون المدون بعد أسلمة القوانين هو غير إسلامي! في حين أن منع استنكاف القاضي من إعطاء حكمه في الملفات المرفوعة إليه، مذكور بوضوح وبكل تأكيد في الدستور! (في المادة 167 من الدستور الإسلامي لإيران). فكيف يمكن دمج الشريعة وتبديله إلى قانون مدوّن بدون معالجة هذه التعارضات والتباينات الواضحة في إطار العملي للشريعة والقانون، من الممكن أن تصبح هذه الإجتهاد خلفية علمية إكادمية للدراسات القانونية ولكن ليس بعنوان منبع لاستخراج الحكام القضائية.