من “كتاب العلوم الانسانية الاسلامية” لمؤلفه محمد كوراني
السُنَن الإلهية في الاسلام نظام حتمي ودقيق في حين ان قواعد علم اجتماع نسبي و ظني وغير مطلق
أجمع العقلاء في كل العصور على وجود نظام دقيق وحتمي يُسيِّر عالم الموجودات، من ورائه حكمة بالغة، وعقل مدبر وعلم محيط، وقوة قاهرة جبارة ولطف خفي ورحمة عامة وفيض خاص. إنها قدرة الخالق العظيم والرب الرحيم سبحانه وتعالى ، فقد رسم “خريطة طريق” لكل موجودات الكون، ابتداءً من نواة الخلية أو أصغر وانتهاءً بالمجرة أو أكبر، ولولا هذا النظام وهذه السُنَن لما صار عالم الإمكان ، ولما صار الوجود.
بحسب الشريعة الاسلام، خلق الله الكون وما حوى ، من فيض لطفه ورحمته، وفق نظامٍ متناهٍ في الدقة ، مما حدا بالعلماء أن يبنوا نظرياتهم وقوانينهم ويصدروا نشراتهم العلمية، استنادًا إلى تلك الدقة المذهلة في النظام الكوني، فبهذه القوانين التي أودعها الله في الكون ـ مثل قانون الجاذبية ــ تتم حركة هذا الكون ، ويسير وفق نظام قد رسمه له الخالق سبحانه ، أي إنه يسير بموجب سُنَّة سنها الله له ، فلا يحيد عن هذه السُنَّة طرفة عين أبدًا ، وإلا لتبعثرت الكواكب والنجوم ثم اصطدمت ببعضها وتفجرت في الفضاء وانتهى كل شيء. لكن ما يعرفه البشر من القواعد المادية لا يشمل جميع القواعد الموجودة و هناك معادلات و سنن لا يعرفه الانسان حتي اليوم و الانسان بنفسه يعترف بأنه يعاني من جهلين، جهل مطلق وجهل نسبي، فمثلا الانسان لا يعرف عن حياته بعد الموت ولا يعرف شيء عن روحه قبل الولادة بالمطلق و لا يعرف اشياء كثيرة عن نفسه و روحه بشكل نسبي.
وكذلك جميع القوانين التي تنظم عالم الموجودات ، هي سُنَن إلهية ، كنظام الحياة ، ونظام الزوجية ونظام الأمومة ، ونظام الأمم والشعوب ، ونظام اللغات ، ونظام الموت ، ونظم أخرى رئيسية وفرعية كثيرة جدًّا ، فهي سُنَن إلهية لا يمكن تخطيها أو تجاوزها.
وكمثال على هذه السُنَن ، والتي هي من الآيات والأسرار العظيمة التي أودعها الله في مخلوقاته هي (الغرائز) ، ولعل أهمها ( الغريزة الجنسية) ، أو الاحتياج الجنسي ، وبالتالي (نظام الزوجية العظيم) ، وخلق الذكر والأنثى من كل نوع في الوجود ، واحتياج كل من الذكر والأنثى للآخر ، وسر انجذاب أحدهما للآخر، ليكمل أحدهما الآخر حين اللقاء ، ثم لينجبا مخلوقًا جديدًا وهكذا لتستمر الحياة. إنها سُنَّة الله في ديمومة الحياة.
لقد بين القرآن الكريم هذه السُنَّة الإلهية وقد زاد على ذلك ليبين لنا سُنَّة الزوجية في الخلق كافة بقوله تعالى :
(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) {الذاريات:49}
وهذه دلالة واضحة على أن جميع المخلوقات حتى الجمادات منها خاضعة لهذه السُنَّة الإلهية ، وهي الخلق أزواجًا أزواجًا ، وما نظام الأقطاب الموجبة والسالبة وانجذاب المختلف، وتنافر المتشابه ، والذي نتج عنه( نظام الجاذبية )، وبه تحددت مسارات الكواكب في أفلاكها ، واعتدلت في مداراتها وفق ميزان دقيق، وهذا من أَظهَرِ النعم التي أفاضها الله تعالى على الوجود ، ومن أوضح السُنَن الإلهية في الكون.
نصل بذلك إلى أن كل سُنَّة من سُنَن الله تعالى في الكون لها آثارها وعواقبها، فحركة الأرض والشمس آثارها الليل والنهار والفصول الأربعة، وسُنَّة نزول المطر نتيجته وعاقبته خروج الزرع ، وسُنَّة التقاء الذكر والأنثى آثاره التناسل والتكاثر.
فإذن، نفهم من ذلك أن هذه السُنَن والقوانين هي مقدمات لنتائج ، وهذه النتائج قد تكون سُنَن ومقدمات لنتائج أخرى، وهكذا تستمر المقدمات والنتائج سُنَن مرتبطة بسُنَن أخرى .
نلاحظ أن تسلسل هذه السُنَن ماديًّا فقط ، أي ارتباط بين الحياة والماء ، وهناك سُنَن مادية مرتبطة بنتائج وسُنَن مادية أو معنوية أو هما معًا ، مثل حركة الكواكب ودقة نظامها ودوران الأرض حول محورها وحول الشمس وما ينتج من الليل والنهار والشهور والفصول الأربعة والخسوف والكسوف، وهذه يترتب عليها السُنَن والفروض الإلهية على الإنسان، كالصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة وغيرها، والتي بدورها تعتبر سُنَنا لها آثارها ونتائجها. وهكذا جميع السُنَن الإلهية .
هذا من ناحية السُنَن الإلهية في الماديات المحسوسة ، وقد قدمنا ذلك لنتوصل من خلالها إلى السُنَن التشريعية التي تنظم حياة الفرد والمجتمع ، باعتبارها الأمر الذي جاءت من أجله الرسالات والرسل، بل هي غاية الخلق والوجود ، ولنعرف من خلالها مكامن الخطر التي تحيق بالإنسان كي نتجنبها ، وسبل الخير والسعادة كي ننتهجها ونفعلها .
نستطيع أن نقسم السُنَن التشريعية بحسب آثارها ، كما يلي :السُنَن ذات الآثار الدنيوية التي وردت في القرآن الكريم: ومنها على سبيل المثال :
•إِن تَنصُرُوا اللهَ …=…. يَنصُرْكُمْ .. وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ .
•وَمَن جَاهَدَ ….=…فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِه ِ.
•وَمَنْ نُعَمِّرْهُ….=…. نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ .
•وَمَن يَتَّقِ اللهَ….=…. يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا.
•وَمَن يَتَّقِ اللهَ….=…. يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا.. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ .
•_ فَأَمَّا الزَّبَدُ…=… فَيَذْهَبُ جُفَاءً … وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ…=… فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ .
•وَمَن يَبْخَلْ….=…. فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ .
•ثانياً :السُنَن ذات الآثار الأخروية التي وردت في القرآن الكريم:
•ومنها على سبيل المثال :
•إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا…=…إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا.. وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا.
•إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ….=… نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ…وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا .
•وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى….=…. فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى …وَأَضَلُّ سَبِيلاً
•وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ….=….فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا.
•_ وَمَن يَتَّقِ اللهَ ….=….يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ..وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا
•وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ ….=….يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا
•مَن جَاء بِالْحَسُنَّة…=… فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا.
•ثالثاً: السُنَن ذات الآثار المشتركة (دنيوية وأخروية) التي وردت في القرآن الكريم، ومنها على سبيل المثال :
•وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي..=..فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا..وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .
•ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا….=…. السُّوأَى .
•وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ….=…. نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ .
•وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ….=…. فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .
•وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ ….=….إِلَّا بِأَهْلِهِ .
•إِنْ أَحْسَنتُمْ …=….أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ . وَإِنْ أَسَأْتُمْ….=…. فَلَهَا .
•مَنْ عَمِلَ صَالِحًا…=… فَلِنَفْسِهِ..وَمَنْ أَسَاء…=… فَعَلَيْهَا .
هذه بعض الأمثلة عما ورد من السُنَن في القران الكريم ،وكلام الله واضح لا يحتاج إلى إيضاح . ويتبين ذلك جليًّا من القصص والحكايات التي حكاها القرآن الكريم عن الأمم السالفة ،إن القرآن الكريم يزخر بالآيات المباركات التي توضح وبشكل لا يقبل التأويل أن الذي يسير وفق السُنَن المرسومة له ينجو ويفوز، وبالعكس تمامًا من يخالف هذه السُنَن يهلك ويخسر، فلا يلومنَّ إلا نفسه .
الإسلام دين البشرية من آدم إلى قيام الساعة، نبي الاسلام خاتم الانبياء والاسلام خاتم الديانات الله يقول في كتابه الحكيم: “إن الدين عند الله الإسلام” ويقول: ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه” و لذلك كمال العلوم لا يتحقق الا في ظل حاكمية الاسلام الحقيقي. ويجب أن نعرف بأن من اهم سنن الله وعده و وعيده بالجنة والنار فحقيقة الدنيا في الاسلام هي الطريق الى الاخرة والطريق الى الجنة والغاية من خلق الإنسان الوصول الى الكمال الديني في الأخرة والاخرة هي الغاية ويستزاد من الدنيا بقدر الكفاف والحاجة وليس الهدف الاساسي هو بلوغ النشوة و الرخاء والرفاهية في الدنيا بحد ذاته.
حول الدين والدنيا.. جدل الغاية والوسيلة!
من أهم سنن الله وجود الظاهر والباطن و الجسد والروح والمادة والحياة في كل شيء. واعلم أن الله تعالى أعلمهم أنه لم يخلقها لهوًا ولا عبثاً، وإنما خلقها لحكمة بالغة، وهي امتحان الخَلق وابتلاؤهم بعبادته سبحانه وتعالى، قال عزَّ من قائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. {سورة الذاريات : 56}. أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال سبحانه: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.{سورة الملك: 2}، وهو سبحانه يجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، كما قال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{القلم:35، 36}. فالسعيد في هذه الحياة الدنيا هو الموفق لطاعة الله تعالى، والاستجابة لأمره، والانقياد لشرعه، والشقي فيها هو الذي حُرم التوفيق لذلك. فالاخرة هي حياة الحقيقية و الهدف الجنة ورضوان الله
الاسلام والاخر
لقد قاد خصوم الإسلام حملةً ضده، متهمين إياه بأنه لا يتقبل الآخرين، ولا يؤمن بالتعددية، ويسعى إلى إقصاء كل الأفكار والأديان والحضارات والمذاهب والدول؛ الإسلام كدين ودولة وحضارة وثقافة كما أن الله هو مظهر الرحمة بشقيها الرحمانية والرحيمية وينزل رحمته على الجميع كالشمس الذي ينور كل الدنيا ويفيض على الجميع و ينز المطر على الكل بالسواسية؛ فالامام العادل كما يحصل في دولة الحق يحكم بين كل الناس بحسب معتقداتهم أن المهدي يحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وأهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن، كما قال بذلك النعماني في كتابه (الغيبة صفحه )157. ، فحينئذٍ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها؟ لكن نحن نتهم الجميع من حكم في السابق بأنهم يهمّشون ويضطهدون اهل الحق، وأنهم يخوضون حربًا عسكرية واقتصادية وسياسية وفكرية ضدهم، تهدف إلى إقصائهم، بل وإلى استئصالهم، واستبدال دينهم الإسلامي بالعلمانية، وذوبانهم في خضم العولمة، التي ينشرها الغرب العلماني بمساعدة من الراسمالية والماسونية، و من هذا المنطلق المهدي المنتظر يبني دولته وحضارته بمساعدة الأخرين ويحاور كل الديانات ويقضي بينهم بكتبهم .
علم الاجتماع والمصار العالمي
و من هذا المنطلق وبحسب المقدمات المطروحة لا يمكن فصل العلوم الانسانية وخاصة علم الاجتماع عن المصار العالمي من صراعات و تجاذبات و أهواء. و من جهة أخرى كمسلمين ومؤمنين بالعقيدة الاسلامية المحمدي الاصيل لا يمكن فصل السنن الالهية و الدولة المهدوية عن المصار العلوم ومستقبل العلوم خاصة علم الاجتماع و من هذا المنطلق نستفيد من النصوص العلمية في علم الاجتماع الحالي رغم انتقادنا لها كثقافة عامة يفيدنا في التعميق في المفاهيم الاجتماعية وفهم الأخر دون الوقوع في افخاخ المفاهيم الموجهة والاحصاءات المسيسة.