العلوم الانسانية الإسلامية بأن *العلوم الانسانية* اليوم تشمل الكثير من النظريات المتنوعة والمتعارضة وتشمل الكثير من الفرضيات غير العلمية والآراء الشخصية والتدخلات السياسية والمادية والانحرافية وكلها باسم العلم … ولذلك ابتكر المفكرون الإسلاميون مصطلح *العلوم الانسانية الاسلامية* رغم أن الابحاث في بداياتها ورغم ان هناك الكثير من النقاشات حول هذه التسمية وهذه المصطلحات والخلاف على وجود مصطلحات بديلة لعلها تكون أدق وأجمل، لكن وجدت في الطريقة العملية للعلامة الشيخ علي كوراني إصراره على تنفيذ فكرة “… ارم ببصرك اقصى القوم…” وانتقاء مفاهيم أكثر صلابة للتعبير عن الغاية والهدف، لأن في طريقنا الى الهدف سنواجه تحديات كثيرة من تاثير الواقع والمجتمع والأفكار الإنحرافية فيخف قوانا ويجف همتنا ويخور قوانا في وسط الطريق فيكون قد وصلنا الى ما يمكننا الوصول إلية ولو كنا واقعين و عقلانين بشكل افراطي لا يمكننا الوصول الى ما يمكننا الوصول اليه، فنحن نستخدم هذا المصطلح “العلوم الانسانية الاسلامية” لانه رائج ومعروف أكثر من غيره ويشير أكثر من غيره الى ما نبغي إليه، وفي الفصل السابق أيضا قلنا أنه يوجد الكثير من الكتب والأبحاث والمقالات المتعارضة في هذا العنوان في إيران والعالم الإسلامي وحان الوقت ان نوحد المصطلحات ونبني *أرضية علمية قوية ومقبولة ومدعومة ومنطقية” لبناء بنيان ومنظومة فكرية متكاملة ومتناسقة ومتوازنة وأنيقة* حول العلوم الإنسانية الإسلامية
وأيضا قلنا في المقال الاول حتى لا يكون هذا البنيان مثالي أو شاعري أو خيالي أو حتى وهمي، يجب أن تكون أبحاثنا في إطار حقيقة المجتمع الإنساني، يجب أن نكون في مجتمع إسلامي حقيقي ولا تكون القيم الغربية مهيمنة عليها وهذا لا يتحقق إلا في الدولة العالمية الموجودة في *الحضارة المشرقة المستدامة المستقبلية*.
العلم والمعادلات العلمية والنتائج العلمية
العلوم الإنسانية في الواقع هي مقابل العلوم التجربية والتطبيقية فالعلوم التجربية هي التي تهتم بمعرفة الطبيعة، كما أنّ العلوم الإنسانية تهتم ب *”تصرفات الإنسان وتحليل تصرفاته”* وهما مختلفان جذريا و ظاهريا وباطنيا ولا يمكن استخدام أدواتهم عند بعضهم البعض.
هناك نقاشات كثيرة حول فروع العلوم الإنسانية وتقسيم هذه العلوم وماهيتها بين علماء الغرب وفيما بينهم، لكن إذا أردنا حل النزاعات والخلافات في العلوم الإنسانية يجب أن يكون لدينا تقسيم علمي ومنطقي لتصرفات الإنسان ويجب أن نعرف ما هو موضوع العلوم الإنسانية وهل هو مجرد المعرفة وكشف الحقيقة أم هناك حقائق أعمق؟
اما بالنسبة للعلوم الإنسانية الإسلامية اذا أردنا تأسيس أرضية وبنيان ومنظومة فكرية علينا ان نكتشف موضوع هذه العلوم، فإذا قسمنا العلوم بحسب الطبيعة و بحسب تصرفات الانسان الى علوم التطبيقية (تجربية) وعلوم إنسانية، فنجد ان العلوم التطبيقية تسعى الى معرفة الطبيعة فإنها تسعى من خلال معرفة الطبيعة الوصول الى الطرق الغريزية التى تنتهي الى تأمين الحاجات المادية التى تساهم في تحقيق أعلى درجات الرضا والرفاهية واللذة للإنسان.
في المقابل العلوم الإنسانية تسعى الى فهم ومعرفة تصرفات الإنسان (والتنبؤ والتحكم) حيث تؤدي هذه المعرفة إلى كشف المصلحة والطرق العقلانية للوصول الى الحاجات المعنوية التي تنتهي الى السعادة في الحياة (وعند المؤمنين بالله والآخرة، هي السعادة في الدنيا والاخرة معا).
نحن نكتشف بأن الإحاطة في موضوع وفروع العلوم الانسانية وأيضا في مفاهيم العلوم الانسانية الإسلامية يحتاج الى دراسة كاملة و شاملة ل *حاجات الإنسان* بكل أبعادها العقلانية والمنطقية بما فيها الحاجات المادية والمعنوية التي تشمل بدورها الحاجات الأساسية والمصيرية، الكمالية والفضيلة ومن منطلق احتمال وجود القيامة و الحياة الآخرة عقلياً ومنطقياً و هي غير منفصلة عن مصير الإنسان قبل الموت ومابعد الموت يجب أن يكون لدينا ايضا اهتمام بهذا الجانب، و هذا امر منفصل عن الدين بل هو بحكم العقل، هنا لا نريد أن نضحي بالحاجات الدنيوية من أجل معرفة حاجات الأخرة ولا نريى أن نضحي بالحاجات الأخرة بسبب معارضة البعض للدين ولله.
“ماسليو” يقسم الحاجات الإنسانية الى حاجات فيسلوجية ثم الحاجة الى الأمان والسلام ثم الحاجات الإجتماعية ثم الحاجة لتقدير الذات والثقة ثم الحاجة لتحقيق الذات والتطور والتقدم، هناك نقاش جدي في هذا الموضوع لكنه قد يكون مفتاح البحث في مباحث العلوم الإنسانية والإسلامية.
برأيكم هل الحضارة المبنية على اللذة القصوى والشهوة المطلقة وصولا الى أنواع الإدمان القديمة والحديثة التي تزيل و تفني حقيقة البشرية للإنسان والموجودة اليوم في الحضارات الغربية تنسجم مع أصول ومباني العلوم الانسانية حتى الغربية منها ؟ لذلك نعيد ونكرر على ضرورة أن يكون إطار نقاشنا للحاجات الإنسانية من منطلق علمي وعقلي وأن يكون في إطار العلوم الإنسانية الإسلامية التي لا تظهر عظمتها إلا في الحضارة المشرقة المستدامة العالمية.
حتى التكنولوجيا في الغرب تعاني من فوضى مخيفة
صحيح أن كلامنا هنا محصور في العلوم الإنسانية والنظرية لكن هناك كثير من الكلام وكثير من الإنتقادات حول الفوضى ولا انسانية في التكنولوجيا في الغرب، حتى بحسب الثقافة والعلوم الغربية وهنا أسأل السؤال الشهير هل نحن لدينا إحساس بالرضى من واقعنا أكثر أو أجدادنا الذين عاشوا في كل قارات الأرض من دون هذه التكنولوجيا والتطور ومن دون أن نحن نقيم حياة أجدادنا؟ إلا إذا إعتبرنا الإدمان التكنولوجي قمة القيم البشرية وكذلك الجنون وفقدان العقل البشري هي الغاية من التكنولوجيا لأن الطبقة المهيمنة هي من تفكر بدلا منا ومن هذا المنطلق أقدم مقاربة لفهم هذا الواقع البعيد كل البعيد عن الإنسان وقد جعل الإنسان والبشرية وعقله في خطر داهم. فالجنون والإدمان الالكتروني والتكنولوجيا، نوع من أنواع الاضطراب النفسي وليس دليل على التطور.
1- إذا كنت من متابعي الإنستغرام والتيك توك والسوشيال ميديا أو الألعاب الإكترونية و عالم “IT” وإقتنعت بكل عقلك وبالمنطق بأمر ديني وإنساني وحضاري معين بحسب المقدمات العقلية لها، لكن ليس بإمكانك تطبيقه على نفسك والعمل به، فأنت تعاني من مرض نفسي خطير أي أنت فقدت الإنسانيته وأصبحت كائناً أخر.
2- إذا كنت ممن لا يمكنهم متابعة تسلسل المقدمات الفكرية والعقلية للوصول الى *نتائج أكثر تعقيدا* بمعنى أنك مؤمن بالمقدمات لكن لا يمكنك الإقتناع بالنتيجة الحتمية الأرقى لهذه المقدمات، فأنت تعاني من مرض نفسي خطير ومدمن على الإلكترونيات و مخدر عقلياً.
3- إذا كنت تعاني من *الشرود الذهني* و لا يمكنك متابعة العلل والمعلول والأسباب والمسببات العقلية والمنطقية في الأمور الفكرية والدينية وصولا الى خالق الكون، فانت تعاني من *انفصام الاكتروني.*
4- إذا كنت تعاني من *كم هائل من المعلومات* المتهاجمة على ذهنك، بحيث لايمكنك مقارنتها عقليا مع بعضها وتحديد المهم والأهم والمقدم والمؤخر والسبب والمسبب، وأصبحت تختار عشوائيا وتستحسن الأمور الأقرب زمنيا”، فانت تعاني من مرض الجنون الرقمي.
5- إذا كنت ممن لا يمكنهم الإبتعاد عن الالكترونيات ولايمكنك الإنشغال بالأساسيات الحياتية و المعيشية بسببها، *فأنت ميت غير واع* بلا قلب و عقل و بلا روح و قد احل الشيطان محل روحك الطاهر المقدس …
فعالج نفسك فورا تحت إشراف حكيم روحاني لم يتعلق قلبه وروحه بالدنيا وبالجاه والمال)
هذا الواقع يقتضي تاسيس منظومة فكرية متكاملة جزء مهم منها العلوم التربوية كنتيجة عملية لفروع العلوم الإنسانية وحتى العلوم الإنسانية الإسلامية. لذلك يكذب من يدعي أن العلوم العصرية هي مجرد قواعد عقلية ومعرفية بل العلوم الإنسانية تشمل أيضا قواعد عملية وإرشادية ولابد ان تکون مبنية على الفطرة لتكون صحيحة و مستدامة.
*نعود ونكرر، انا هنا لم أقدم بحث علمي و ديني، بل فقط أريد التاكيد على الوصول الى خلاصات علمية و توحيد المصطلحات، لنقدم للجامعات الإسلامية، مناهج دراسية لإختصاصات العلوم الإنسانية والإسلامية.*
فمثلا مصطلح العقل علميا ليس هو الذكاء بتاتا، لأن الذكاء الإنساني لا يمكن أن يكون اصطناعيا، فوجود مصطلح الذكاء الإصطناعي يثبت أن العقل علميا هو أمر آخر، بل كما ورد عندنا العقل هو أمر يؤدي الى رؤية الباطن من وراء حجاب الظاهر، و رؤية الصانع وراء المصنوع، الخالق وراء المخلوق و هو الذي يؤدي الى جواب، الأسئلة الثلاث المصيرية لأي عالم، من أين أتيت ؟ الى أين ذاهب ؟ ما الذي يجب علي فعله هنا ؟ فأي عالم يريد أن تبقي نظرياته العلمية ضمن دائرة الإنسانية يجب أن يعيش دائما فكرة الموت و إيجاد الأجوبة لهذه المصطلحات مهما كان دينه و معتقده.
لذلك الشخصية المريضة نفسيا وعقلياً التي ورد اسمه في لائحة الفضائح في جزيرة “جيفري ابستين” و ممارسة الجنس مع القاصرات وطقوس الشيطانية مثل “ستيفن هوكينغ” ليس مؤهل ليعطي نظريات في العلوم الإنسانية والعلوم النظرية ويقرر هل لهذا الكون خالق أم لا ؟
مصطلح العلم أيضا علمان علم ثابت قبل الخلق وعلم معادلات ثابتة في آن و متغيرة في آن آخر كما ورد في بداية سورة الرحمن، (علم قبل الخلق وعلم بعد الخلق)، علم نابع من الفطرة السليمة وعلم يتوسع من خلال البيان والنطق والمنطق.
العلوم الإنسانية الإسلامية اليوم أيضا على نوعان علوم في ظروف مثالية و في دولة آخر الزمان القائمة على القسط والعدل و الفطرة وعلوم في ظروف غير مثالية في حالة برزخية قائمة على قاعدة “الله الله في نظم أمركم” و بعض ثوابت الدينية المرحلية. مع التاكيد بأن العلوم الإسلامية الحقيقية والمثالية لا تتحقق إلا على يد المعصوم (ع) و في دولتة آخر الزمان ولكن اليوم ليس بإمكاننا التخلي عن العلوم الموجودة و علينا أن نعمل بانتقائية و نختار ما لا يتعارض مع مفاهيم ديننا المبين. وهنا في هذا الكتاب نسعى الى إيجاد معادلة لكل الأزمنة لكيفية التعاطي و تطوير هذه العلوم.
البحث ليس ديني
في السابق العلوم الإنسانية الغربية كانت تتعارض مع القيم الدينية نحن كمسليمن و من ثم أصبحت تتعارض مع القيم الانسانية والاخلاقية واليوم هذه العلوم أخذت منحى أخر و هو تعارضها مع العقل والمنطق و من المفترض أن تؤدي هذا التعارض الى تهابط هذه العلوم الانسانية وفشلها في الواقع وهناك ادلة كبيرة على فشل هذه العلوم في الواقع لكن اذا كانت علومهم فاشلة فلماذا لا يظهر فشلهم في العالم اليوم؟ عدم ظهور فشل هذه العلوم يرجع الى تبرير هذه الحالات و الشبكة الاعلامية والدعائية المهولة للغرب و من خلال تغيير مستمر للاهداف وغايات العلم يتهربون من هذا الأمر. لكن اذا كان الغرب يفشل في علومه لماذا لا نتركهم يغرقون في فشلهم؟ لأن مع تطور التكنولوجيا والاعلام تصحيح الامور مع الوقت يصبح صعبا و بل مستحيلا، فمثلا النظام الربوي يسلب الحركة الفرص الاقتصادية الكبرى في المجتمع ويجعل المال في يد اشخاص محددين جدا متحكمين بالانظمة السياسية. فمثل العلوم اليوم هو أن مجنون يرمي حجر في البير و مائة عاقل لا يمكنهم ازالته منها.
علم الاقتصاد الإسلامي بين المثالية والواقعية
قلنا في البحث السابق أن الحضارة المشرقة المستدامة المستقبلية المشرقة قائمة على علوم انسانية إسلامية حديثة، أو الحضارة المستدامة المثالية قائمة على العلوم الإنسانية المثالية والتي هي مختلفة في بعض الأصول وبعض القواعد وبعض المفاهيم وبعض النتائج عن العلوم الانسانية العصرية او الغربية ومختلفة في النتائج أيضا، فهي مفيدة و ناصعة و مشرقة حتى بالنسبة لغير المسلمين ولكل أهل العالم.
وقلنا بأن في المقابل العلوم الإنسانية ومنها العلوم الإنسانية الإسلامية يجب أن تكون لها الى جانب المفاهيم و القواعد المنسجمة، هيكلية متناسقة مع بعضها البعض لتشكل بنيانا متكاملا ولا يكفي إسقاط بعض المفاهيم الإسلامية المشابهة في أي نظرية غربية متكاملة، فكما تولد أي نظرية دينية في مناخ معين وضمن ظروف محددة و بتأثير من عوامل معينة أي نظرية علمية إسلامية يجب أن تولد بظروف مناسبة لتكون ذو بنيان وهيكلية متناسقة.
و قلنا أيضا بأن العلوم الإنسانية الإسلامية لا يسطع نورها ولا تشع شمسها إلا في الظروف المثالية و في دولة آخر الزمان حيث تكتمل عقول البشر حينما تكتشف البشرية حقا ما تريد في هذه الدنيا ومن هذه الدنيا، (أنظر إلى السنن الالهية واردة في القرأن الكريم) وتعترف البشرية حقا بفشل جميع الحلول السابقة وأنها لم تقدم لهم الحضارة المنظورة، لكن العلوم الإنسانية الإسلامية حتى في المرحلة الحالية أي في الظروف غير المثالية أيضاً لديها نقاط قوة كثيرة غالبها إنسانية ومعنوية ودينية وآخروية ولا تظهر نتائجها في الدنيا بشكل واضح.
إذا العلوم الانسانية الإسلامية اليوم على نوعين: علوم في ظروف مثالية، وعلوم في ظروف غير مثالية، ولا نريد أن يحكم أحد على هذه العلوم بحسب الظروف غير المثالية بأنها غير مثالية بل هي في طور التطور وهي مثالية بحسب الظروف غير المثالية.
ان المعادلات في العلوم الإنسانية الإسلامية الحقيقية لا تتحقق بشكل واضح إلا في الظروف المثالية وفي دولة آخر الزمان القائمة على القسط والعدل و الفطرة. و أما العلوم الإسلامية في ظروف غير مثالية فهي تتكون في حالة برزخية، و بما أنه لا يمكن التخلي عن العلوم الإنسانية الغربية الحالية والتطور العلمي الحالي فهذه العلوم قائمة علي اصل جهد دؤوب والمتابعة المستمرة و تضافر الجهود وتراكم الانتاجات تحت شعار “اطلبوا العلم من المهد الى اللحد” و ايضا على قاعدة النظم أي “الله الله في نظم أمركم” وأيضا قائمة على التهاون والتساهل في بعض الثوابت الدينية مثل مفهوم التقية و استبدال المفاهيم الحقيقية والثابتة ببعض الأصول المرحلية حتى إشعار آخر من خلال إطار مدروس ومنسجم ومقبول ومشروع بإسم نظرية الولاية المتدرجة. مع التأكيد بأن العلوم الإسلامية الحقيقية المشرقة المستدامة لا تتحقق إلا على يد المعصوم (ع) و في دولته في آخر الزمان.(يعني على يد قائد مثالي و في ظروف مثالية و في زمان مثالي و في دولة مثالية وفي حضارة مثالية) التي ستشرق كما الشمس وتحرق باقي النظريات وتختفي القمر و النجوم والكواكب أمامه ونتائجها تكون باهرة و ظاهرا جداً.
اليوم عند تقديم منهج دراسي للعلوم الإسلامية لايمكننا التضحية بالعلوم الإسلامية الحقيقية مقابل العلوم العصرية المرحلية ,ولا یمکننا التضحية بثوابتنا من أجل هيمنة علوم الأخرين. ولكن من جهة أخرى يجب أن نكون واقعيين فالإختصاصات العلمية في الجامعات توزع و تصنف و تقسم بحسب سوق المال و بحسب سوق العمل و بحسب توجهات السياسيين والأمنيين والعسكرين وهذه الحقيقة لا مفر منها و ما يحدث في جامعات الغربية بعد طوفان الأقصي خير دليل على ذلك حيث تبين الاموال الماسونية تدير الكثير من هذه الجامعات. لكن مع هيمنة الجامعات الغربية على العالم فلا بد من حلول موقتة ، فمع الأسف العلوم العصرية بنيت بحسب سوق العمل و بحسب الرأسمال الموجه والطلاب والشباب وجميع الناس بالنهاية تبحث عن وظائف في هذا السوق المحكوم بالعلوم الغربية و الغرب اليوم مسيطر على العالم بأكمله التي يظهر من نفوذ اللغة الانكليزية على العالم بحيث اصبحت اللغة العلمية اليوم. فهذا الأمر يقتضي التخلي عن المثالية واعتماد تركيبة معينة من المواضيع والدروس العلمية في ظروفها المثالية و غير مثالية والتركيبة المناسبة يحددها ولي الفقيه والمراجع العظام. إذا المجتمع والبيئة والعولمة لها تأثير كبير على عدم تحقيق ايجابيات العلوم الإنسانية الإسلامية حين التطبيق والآن علينا مراعات تركيبة من المواضيع و المفاهيم الاسلامية والغربية و في نفس الوقت علينا ان نسعى للحصول على مجتمع و بيئة أكثر إسلامية واقرب الى الاسلام المحمدي الاصيل و التمسك بالولاية الحقة.
ماذا نفعل في الظروف غير المثالية؟
*يتحقق التطور في الظروف غير المثالية عن طريق لجنة مؤلفة من العلماء لديهم مطالعات علمية و دراسات آكادمية و أيضا أساتذة ممن لا يعتبرون أن المباحث العلمية الغربية كلها غير قابلة للخدش و لايعارضون التطوير في العلوم الإنسانية في ظل دولة ولائية لها نفس الإنطباع و تسخر الإمكانيات المادية المطلوبة لإنتاج علوم إنسانية مرحلية وقد نسميه عرضا “علوم إنسانية إسلامية”.*
هنا على سبيل المثال نقدم مطالعة أولية عن موضوعات علم الإقتصاد العصري التي قد يتعامل معها الإسلام بالاغماض وعلى مضض و يتقبلها مؤقتا حتى تأتي الظروف المثالية ويتم استبدالها بأصول و مبادئ حقيقية.
الاقتصاد (ليونيل روبنز 1932) هو علم يهتم بدراسة السلوك الإنساني الاستهلاكي كعلاقة بين الغايات الإستهلاكية والموارد النادرة ذات الإستعمالات المتعددة”. الندرة: تعني عدم كفاية الموارد المتاحة لإشباع جميع الإحتياجات والرغبات الإنسانية.
في الواقع هذا التعريف من الندرة والحاجات الإنسانية، لا يقبلها الإسلام، فالإسلام يهتم بتنظيم السلوك الاقتصادي بدواعي دينية و أخلاقية ومن باب حفظ سلم الأولويات وتنظيم الأمور و ترتيبها المنطقي رغم أن الخلاف الاساسي ليس هنا بل في التطبيق. يعني الإختلاف بين الإسلام في الاقتصاد يبدأ من البدايات عند جعل الانسان أمام مشكلة الندرة المزيفة و خلق الطمع والمنافسة في روحه ولاينتهي عند تصنيف الحاجات والرغبات الإنسانية الحقيقية و المزيفة منها على درجات أهميتها والتي تختلف عن نظريات و فرضيات الإقتصاد العالمي.
علم الإقتصاد علمياً ينقسم الى إقتصاد جزئي (أفراد وشركات) و إقتصاد كلي (أنظمة و دول). وكلها قائمة عى تحفيز الوصول الى الربح الأكثري للتنمية الأقتصادية بأي طريقة ممكنة ولو بحسب ما يصفونها أنفسهم عن طريق “الرأسمالية المتوحشة” في إطار فهم السوق وقوانين معادلة العرض والطلب وهنا الإسلام يتدخل و يحدد بعض الحدود الشرعية وأيضا بعض القيم الأخلاقية لتنظيم هذا الربح ليكون مفيدا حقاً في الدنيا ولا يكون مضرا في النهاية وفي الخاتمة و في الآخرة.
أحد مجالات علم الإقتصاد هي شرح كيفية عمل “النظم الإقتصادية”، وعلاقاتها مع بعضها وتطبيق أساليب التحليل الاقتصادي بشكل متزايد على المجالات التي تتعلق بالأفراد (بما فيهم الرأسماليون) الذين يقومون بإختياراتهم ضمن إطار المجتمع، كمثال على ذلك، الجريمة، التعليم، الأسر، الصحة، القانون، السياسة، الدين، مؤسسات المجتمع المدني، وصولاً إلى الحرب. وهنا نجد بأن الكثير من النظريات والفرضيات الإقتصادية هي بالأساس محل إختلاف فيما بينهم و في المقابل الإسلام يقدم منظومة فكرية مختلفة في تحليله لهذا السلوك البشري رغم تأييده بأن الإنسان خلق هلوعاً وجزوعاً ويؤساً وعجولا وأهل الجدل والمنع و… و هذه الامور حقيقية تظهر بالعمل ويجب أن يكون هناك حدود و إطار و إرشاد و توجيه ليكون السلوك البشري الاقتصادي سلوك متوازن بعيدا عن الدولة .
حتى المعادلات الإقتصادية الرياضية والإحصائية التي يعتبرها البعض”وحي مُنزل” و”غير قابل للنقاش والنقد” فيه الكثير من الثغرات و يكفيك أن هناك إقتصاد بإسم إقتصاد الظل بل هناك إقتصاد بإسم إقتصاد المافيات وهناك إقتصاد يجعل من إقتصاد السوق الحرة، مزحة مزعجة، هناك عائلات اقتصادية تفوق قدرتها قدرة الدول و هي منسية في هذه المعادلات.
جميع كتابات علماء الإقتصاد من “آدم سميث” و … وصولا الى “جون مينارد كينز” و “كارل ماركس” و … فيها قواعد و مبادئ حقيقية ثابتة و أيضا فيها استنتاجات شخصية صحيحة في مجتمعات خاصة ولكنها ليست مطلقة ويتم التعامل مع الغث والسمين فيها بشكل سواسي.
لفهم أفضل لهذا الموضوع، نقدم دليل عيني وعملي وملموس على هذا التناقض والفشل وهو مواقف ترامب الرئيس الاميركي من إيران، فبحسب المعادلات الإقتصادية والإجتماعية العلمية والصحيحة و إستشارات تلقاها من أكبر العلماء ورؤساء المراكز الاستشارية الأمنية والعلمية، كان من المفترض أن تؤدي العقوبات الإقتصادية في 2014 على إيران الى إنهيار النظام فيها خلال سنة و شهرين و أربعة عشر ،،، لكن هذا الأمر لم يتحقق رغم مرور أكثر من عشر سنوات ورغم كل ما جرى من أزمات .
هنا نتفاجأ بأن علم الإقتصاد الاسلامي غير المثالي اليوم “لايقدم” لنا نظاما إقتصاديا مختلفا ناجحاً ومشرقاً منافسا للنظام الاقتصادي الغربي، يصل فيه الإنسان الى الرفاهية والسعادة و الإطمئنان والرضى النفسي والروحي المتوقع، لكنه يدلنا على مكامن الخطر والثغرات في علم الإقتصاد العصري الغربي الصحيح والعلمي أيضا ويدلنا على مكان الهروب من الهيمنة الاقتصادية والأمنية للدول الاستعمارية الغربية فتكون هذا النظام الإقتصادي مرحلة موقتة وصولا الى الظروف المثالية التي تنتج علوما إنسانية مثالية.
نعم خريجي إختصاصات العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال بإمكانهم أن يكونوا ناجحين في المؤسسات والشركات في مجتمعاتنا وفي الدول الغربية لأن نظام هذه المؤسسات هي نظام غربي وبل مجتمعنا أيضاً مجتمع غربي في الصميم وينطبق عليه علم الإقتصاد الحالي مادام لم يحصل الى مواجهة مع الغرب، لكن يجب أن نكون متنبهين لمكامن الخطر والثغرات الموجودة في تلك العلوم ولا نحكم عليها بالصحة المطلقة أو بأنها غير قابلة للنقض والخدش خاصة عندما تقرر أي دولة اتخاذ قرارات سياسية مغايرة للسياسات الغربية العالمية الخاصة بدول النامية. هذه النجاحات هي نجاحات مزيفة كالبورصة والقمار لأن من يرفع الاشخاص في هذه الإنظمة الأقتصادية بإمكانه أن يرميهم الى الاسفل. غير أن الانظمة الاقتصادية الغربية بإمكانها التحكم بالأشخاص من خلال نظام القروض والديون و نمط الحياة المزخرفة و الكماليات.
لذلك المنهج الدراسي لعلم الإقتصاد الإسلامي في ظروفنا غير المثالية تكون هي نفسها علم الإقتصاد العصري الغربي مع التأكيد على مكامن الخطر والثغرات الموجودة فيها والتنبه من هذ الثغرات والمخاطر ويساعدنا على الهروب من هيمنة الاقتصادات الاستعمارية. ومن ثم في الجزء الثاني من علم الإقتصاد الإسلامي نقدم أوصاف عامة عن سلوك الناس الإقتصادي في المجتمع المثالي في دولة آخر الزمان ونتكلم عن نتائجها الباهرة في نبذ الحروب والاقتتال العالمي واحلال السلام العالمي بين الشعوب و أيضا عن نتائجة العظيمة في إحلال السعادة والإطمئنان النفسي والروحي الفردي الى جانب النتائج الدينية في الآخرة التي تخص المؤمنين بالاخرة ولا نريد إجبارها على غير المؤمنين بها. من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية” لمؤلفه محمد كوراني