إيقاظ التنين الإيراني: الحرب الإسرائيلية على إيران بهدف السيطرة على الشرق الأوسط

*إيقاظ التنين الإيراني: الحرب الإسرائيلية على إيران بهدف السيطرة على الشرق الأوسط* محمد كوراني

المنطق العسكري السطحي قد يوحي بأن ضربة إسرائيلية استباقية كاسحة، تستهدف القيادات العسكرية الإيرانية المخضرمة وتستند إلى الردع النووي المطلق، ستشلّ قدرات إيران وتثنيها عن الرد. إلا أن تحليلاً أعمق للواقع الإيراني المعقد، وطبيعة نظامه، وبنية قيادته، يشير إلى نتيجة أكثر إثارة للرعب: مثل هذه الحرب قد لا تثني “التنين الإيراني”، بل ستوقظه من سباته التكتيكي وتطلق العنان لقدرات تدميرية يصعب احتواؤها، وذلك للأسباب التالية:

1. *استشهاد القيادات المخضرمة: فتح الباب لجيل أكثر تشدداً*

*   *نهاية لغة الحسابات الباردة:* القيادات العسكرية والأمنية المخضرمة في إيران، رغم تشددها، تتحرك ضمن حسابات جيوسياسية باردة. فهي تدرك حدود القوة، وقيمة التكتيك، وثمن المواجهة المفتوحة. إزالتهم عبر اغتيالات أو ضربات صاروخية ستخلق فراغاً سريعاً.

*   *صعود الصف الثاني: التشدد بلا قيود:* من سيحل محلهم؟ غالباً ما يكون جيلاً أصغر سناً وأقل خبرة، ولكنه أكثر تشدداً وتطرفاً إيديولوجياً. هؤلاء القادة الجدد لم يشكلهم نفس السياق من الحروب والمفاوضات المعقدة. رؤيتهم أبسط: العدو يجب محوه، والثأر مقدس. لا تؤمن هذه الشريحة الجديدة بجدوى الدبلوماسية أو الصبر أو النقاش، بل ترى فيها ضعفاً وخيانة للمبادئ.

*   *”لا شيء نخسره”:* هذه العقيدة الخطيرة ترسخ في أذهانهم. فهم لم يبنوا امبراطورياتهم السياسية أو الاقتصادية مثل أسلافهم. اغتيال القادة القدامى يمنحهم شرعية الثأر ويحررهم من أي قيود. لا يملكون سجلاً سياسياً طويلاً ليخافوا على مصداقيته، مما يجعلهم أكثر استعداداً للمجازفة والتصعيد غير المحسوب.

2. *الردع النووي الإسرائيلي: سيف ذو حدين في مواجهة التضحية*

*   *نظرية الردع وحدودها:* بينما يمنح السلاح النووي الإسرائيلي تفوقاً استراتيجياً، إلا أن فعاليته في الردع تنهار أمام خصم لا يخاف الموت الجماعي بنفس الدرجة، أو يعتبره طريقاً للشهادة والخلود.

*   *استشهاد قوة الشعب:* الشعب أمام هجوم العدو الأجنبي، ترك خلافاته جانبا . أذرع إيران مثل الحرس الثوري وقوات الباسيج (قوات التعبئة) تربي أفرادها على ثقافة الاستشهاد. المواجهة مع “الشيطان الأكبر” وأتباعه (إسرائيل) هي ذروة التطلعات الدينية-الوطنية لقطاعات واسعة منهم. ضربة إسرائيلية شاملة ستوحد الشعب الإيراني (حتى المعارض) تحت لواء الدفاع عن الوطن، وتوفر للقادة الجدد المتشددين قاعدة شعبية غاضبة ومستعدة للتضحية.

*   *التفوق غير النووي:* إيران لا تحتاج لسلاح نووي لتصعيد الأمور بشكل كارثي. ترسانتها الهائلة من الصواريخ الباليستية والدقيقة، وذراعها الطويلة من الوكلاء (حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، الميليشيات في العراق وسوريا) تمكنها من إطلاق وابل من الضربات المدمرة على إسرائيل ومصالح أمريكية في المنطقة، وشلّ الملاحة الدولية، وإشعال حروب بالوكالة على جبهات متعددة بوتيرة يصعب السيطرة عليها، حتى لو كان الثمن تدمير إيران نفسها في النهاية. القادة الجدد المتشددون أكثر استعداداً لسحب هذه الذخيرة دون تردد.

3. *قوات التعبئة: قلب التنين النابض بالاستماتة*

*   **عقيدة “الحرب الشاملة”:** تعتمد إيران بشكل أساسي على قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) كقوة ضاربة احتياطية هائلة العدد. هذه القوات ليست مجرد جنود، بل هي شبكة عصبوية ممتدة في كل قرية وحي، مدفوعة بمزيج من الوطنية العميقة والحماسة الدينية.

*   **الدفاع عن الوطن: وقود لا ينضب:** أي عدوان خارجي، خاصة من إسرائيل، سيكون بمثابة صفارة الإنذار التي تحول هذه القوات إلى جحافل غاضبة ومستعدة للموت دفاعاً عن تراب الوطن. خطاب “العدو الخارجي” سيطغى على أي خلافات داخلية.

*   **التكتيكات غير التقليدية:** قوات التعبئة مدربة على حرب العصابات والهجمات غير المتكافئة. حرب شاملة ستوفر لهم ساحة مفتوحة لتنفيذ هجمات مدمرة عبر شبكاتهم الواسعة، مستغلين الجغرافيا وعددهم الهائل، مما يجعل احتواءهم أو القضاء عليهم مهمة مستحيلة تقريباً.

ثمن الغرور والعبث بالنار

الاعتقاد بأن الضربات الإسرائيلية المركزة، مدعومة بالسلاح النووي، يمكنها “إزالة” المشكلة الإيرانية والسيطرة على كل شرق الأوسط هو خطأ استراتيجي فادح ينم عن غرور وخطر. مثل هذه الحرب لن تقتلع النظام، بل ستحرر أسوأ ما فيه: جيلاً من القادة المتشددين الذين لا يعترفون بلغة الردع التقليدية، ولا يخشون الدمار، ولا يرون في المفاوضات إلا هراء. ستعطيهم الشرعية الكاملة لتحويل إيران إلى دولة-فدائي على مستوى إقليمي، مستخدمين ترسانتها الهائلة من الصواريخ ووكلائها المنتشرين، مدعومين بملايين المستعدين للموت دفاعاً عن الوطن تحت راية الثأر.

النتيجة لن تكون “نصراً” إسرائيلياً، بل ستكون إشعالاً لحريق إقليمي شامل، قد يستهلك الجميع. إيقاظ “التنين الإيراني” بهذه الطريقة العبثية هو وصفة أكيدة لكارثة إنسانية وسياسية واقتصادية طاحنة، تثبت مرة أخرى أن الحلول العسكرية الأحادية العمياء في الشرق الأوسط غالباً ما تزرع بذور دمار أشد قسوة مما سعت لاجتثاثه. العبث بهذا القدر من النار لا يحترق به سوى العابثون أولاً.

العلوم الإنسانية الإسلامية

نحن لا نهزم، لكن قد نستبدل

روابط إضافية

مقالات إضافية

ما هی ولاء المافیات الأمريكیة…

ما هی ولاء المافیات الأمريكیة من أصول جنوب آسيوية في حال اندلاع…

التوازن النووي والاحكام الشرعية

*التوازن النووي والأحكام الشرعية* محمد كوراني *كلنا نعرف أنَّ الأحكام الشرعية وُضِعَت…

الدكتور مصطفى شمران، السالك العارف…

 *الدكتور مصطفى شمران، السالك العارف بل العارف الواصل* كتاب الحق والشرعية عند…

مقالات إضافية

ما هی ولاء المافیات الأمريكیة…

ما هی ولاء المافیات الأمريكیة من أصول جنوب آسيوية في حال اندلاع…

التوازن النووي والاحكام الشرعية

*التوازن النووي والأحكام الشرعية* محمد كوراني *كلنا نعرف أنَّ الأحكام الشرعية وُضِعَت…

الدكتور مصطفى شمران، السالك العارف…

 *الدكتور مصطفى شمران، السالك العارف بل العارف الواصل* كتاب الحق والشرعية عند…