علم النفس الغربي وسياقه الاجتماعي والتاريخي

علم النفس الغربي وسياقه الاجتماعي والتاريخي، لا يمكن فهم علم النفس الغربي الحديث بمعزل عن السياق الاجتماعي والتاريخي والسياسي الذي نشأ فيه. فالظروف الثقافية، والصراعات الفكرية، والحروب العالمية، إضافة إلى التوجهات الاقتصادية والصناعية، شكلت جميعها الأساس الذي بُنيت عليه الكثير من النظريات النفسية الغربية.

تهدف هذه المقالة إلى تحليل العوامل الاجتماعية والسياسية التي أثرت في نشأة وتطور علم النفس الغربي، مع التركيز على إشكاليات الحياد العلمي والتأثير الأيديولوجي.

 

1. أثر الحروب والأزمات الكبرى

لعبت الحروب العالمية دورًا كبيرًا في تشكيل مسارات علم النفس. فمثلاً، غيّر سيغموند فرويد بعض نظرياته الأساسية بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ تحوّل من التركيز على الغرائز المتعلقة بالحياة إلى تناول مفاهيم مثل “غرائز الموت” و”تدمير الذات”، كرد فعل نفسي على مشاهد العنف والدمار.

هذا التفاعل المباشر مع الأحداث التاريخية يطرح تساؤلًا حول مدى موضوعية النظريات النفسية، وهل هي انعكاس للحقيقة العلمية أم مجرد ردود فعل اجتماعية وثقافية.

 

2. ارتباط علم النفس بالصناعة والرأسمالية

من أوائل التطبيقات العملية لعلم النفس الغربي كان تطوير اختبارات الذكاء والقدرات العقلية لخدمة الصناعة وتحديد الكفاءات البشرية في سوق العمل.

 

نشأت العديد من المختبرات النفسية الأولى داخل المعامل الصناعية.

 

كان الهدف الأساسي هو زيادة الإنتاجية وليس فهم الإنسان لذاته.

 

نتيجة لذلك، وُصف علم النفس في بداياته بأنه “علم برجوازي”، يخدم مصالح الطبقات الرأسمالية.

 

3. التأثير السياسي وفقدان الحياد العلمي

يدّعي علم النفس الغربي الحياد والموضوعية، لكن تاريخ نشأته يظهر خضوعه للسلطة السياسية والهيمنة الاقتصادية.

 

التمويل والدعم السياسي كانا يوجهان الأبحاث نحو أهداف محددة، مثل ضبط السلوك الجماهيري أو دعم الصناعات العسكرية.

 

يشير بعض النقاد إلى أن علم النفس، بدلًا من أن يكون أداة لفهم الإنسان، تحول إلى وسيلة للسيطرة الاجتماعية.

 

4. دور الجماعات الفكرية والدينية

من المثير للاهتمام أن غالبية مؤيدي فرويد وداعميه كانوا من اليهود، مثل جمعية “نايبرز” التي روّجت لأفكاره، ما يعكس أن انتشار بعض النظريات لم يكن لأسباب علمية بحتة، بل ارتبط بعوامل أيديولوجية ومالية.

كما انضم إلى مدرسة فرويد عدد قليل من المسيحيين، مثل “جونز”، وكان وجودهم يُستخدم كغطاء لإخفاء الهوية الفكرية للنظرية بين الأغلبية الأوروبية المسيحية.

 

5. القطيعة مع القيم الدينية

من الواضح أن علم النفس الغربي كان جزءًا من مشروع أوسع لفصل الدين عن جميع مجالات الحياة.

 

عُدّ الدين عقبة أمام “التقدم العلمي”.

 

تمت شيطنة المؤسسات الدينية بحجة الحروب الدينية، رغم أن هذه المجتمعات لم تكن ترفض الحرب بحد ذاتها، بل كانت تسعى فقط إلى احتكار السلطة والمعرفة.

 

6. أزمة الفلسفة الغربية وتعويضها بالعلوم التطبيقية

مع انسداد أفق الفلسفة في الغرب وعدم قدرتها على تقديم إجابات شافية عن أسئلة الوجود، تم استخدام أدوات العلوم التجريبية لدراسة الإنسان، حتى في المجالات الإنسانية.

 

أدى هذا إلى اختزال الإنسان في أبعاده المادية وإهمال البعد الروحي والميتافيزيقي.

 

كانت النتيجة مجموعة من النظريات التي بدت متقدمة من الناحية الإحصائية، لكنها محدودة في تفسير جوهر النفس الإنسانية.

إن دراسة علم النفس الغربي تكشف أنه نتاج بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة، وليس علمًا محايدًا تمامًا كما يُزعم. فقد وُظِّف في كثير من الأحيان لخدمة أغراض صناعية أو سياسية، كما تأثر بالأزمات والحروب والتوجهات الفكرية السائدة.

لذلك، فإن أي مشروع نقدي لعلم النفس الغربي يجب أن ينطلق من تحليل سياق نشأته، وضرورة البحث عن نموذج أكثر شمولية للإنسان، كما يقدمه الإسلام في رؤيته للنفس والفطرة.

روابط إضافية

مقالات إضافية

باطن الارض أفضل من ظاهرها،…

*بَاطِنُ الأَرْضِ أَفْضَلُ مِن ظَاهِرِهَا* محمد كوراني في زمنِ العواصفِ الجيوسياسيةِ العاتيةِ،…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ نحو الكمال لا نحو الغرق* يُخطئ كثيرٌ…

الاثرياء يبنون ملاجئ لهم

المليارديرات حول العالم يبنون ملاجئ تحت الأرض لأنفسهم بشكل جماعي. • زوكربيرغ…

مقالات إضافية

باطن الارض أفضل من ظاهرها،…

*بَاطِنُ الأَرْضِ أَفْضَلُ مِن ظَاهِرِهَا* محمد كوراني في زمنِ العواصفِ الجيوسياسيةِ العاتيةِ،…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ…

*الملذّات في حياة الإنسان: طريقٌ نحو الكمال لا نحو الغرق* يُخطئ كثيرٌ…

الاثرياء يبنون ملاجئ لهم

المليارديرات حول العالم يبنون ملاجئ تحت الأرض لأنفسهم بشكل جماعي. • زوكربيرغ…