تأثير الدولة العميقة في أمريكا على القرارات الثقافية والفكرية والاجتماعية في الأمم المتحدة* محمد كوراني
تسيطر النخب الغربية، وخاصة الأمريكية منها، على العديد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. هذا النفوذ لا يقتصر على الجوانب السياسية والأمنية فحسب، بل يمتد إلى المجالات *الثقافية والفكرية والاجتماعية*، حيث تُفرض رؤى غربية محددة حول حقوق الإنسان، النوع الاجتماعي (الجندر)، الحرية الفكرية، وحتى المفاهيم التعليمية. فكيف يتم ذلك؟ ومن هم أبرز الشخصيات والجهات المؤثرة في هذه العملية؟
## *1. صناعة الأجندة الثقافية والفكرية عبر الأمم المتحدة*
تستخدم الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، الأمم المتحدة كمنصة لتعميم نموذجها الثقافي والاجتماعي على العالم، عبر:
### *أ. فرض المفاهيم الليبرالية المتطرفة*
– *حقوق المثليين (LGBTQ+):* تدفع الدول الغربية، عبر *برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)* وهيئة *UN Women*، لإدراج حقوق المثليين في سياسات الدول النامية، رغم معارضة العديد من المجتمعات ذات الخلفية الدينية أو المحافظة.
– *النوع الاجتماعي (الجندر):* تُروج منظمات مثل *UNESCO* و*صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)* لمفاهيم “المساواة الجندرية” التي تتعارض مع القيم التقليدية في كثير من الدول.
### *ب. إعادة تشكيل المناهج التعليمية*
– تفرض *اليونيسيف* و*اليونسكو* مناهج تعليمية تُروج للقيم الغربية، مثل:
– إدخال مفاهيم “الحرية الجنسية” في مناهج الصحة الإنجابية.
– تشجيع “التعليم الشامل” الذي يزيل الفروقات بين الجنسين.
– مثال: في بعض الدول الأفريقية والآسيوية، تم رفض منح تمويل تعليمي إلا بشرط تبني مناهج “حساسة جندرياً”.
### *ج. محاربة الثقافات المحلية تحت شعار “حقوق الإنسان”*
– تُصنف بعض الممارسات الثقافية والدينية (مثل الحجاب، تعدد الزوجات، عقوبات الشريعة) على أنها “انتهاكات لحقوق الإنسان”، ويتم الضغط على الدول لإلغائها عبر تقارير *مجلس حقوق الإنسان*.
—
## *2. دور الدولة العميقة في أمريكا (Deep State) في توجيه سياسات الأمم المتحدة*
“الدولة العميقة” في الولايات المتحدة تشمل شبكة من النخب السياسية، الاقتصادية، والأمنية التي تؤثر على القرارات بعيداً عن الديمقراطية الرسمية. وهؤلاء يستخدمون الأمم المتحدة لتعزيز أجندتهم عبر:
### *أ. المنظمات غير الحكومية (NGOs) الممولة من الغرب*
– منظمات مثل *مؤسسة فورد، **مؤسسة أوبن سوسايتي (جورج سوروس)، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)* تمول برامج في الأمم المتحدة لتعزيز:
– الديمقراطية الليبرالية.
– التغيير الاجتماعي (مثل زعزعة الأسرة التقليدية).
– دعم النشطاء المؤيدين للغرب في الدول النامية.
### *ب. شخصيات مؤثرة تربط بين واشنطن والأمم المتحدة*
- *أنتوني بلينكن* (وزير الخارجية الأمريكي): يدفع لربط المساعدات الدولية بتبني سياسات اجتماعية غربية.
- *هيلاري كلينتون*: خلال فترة عملها كوزيرة خارجية، ربطت بين المساعدات الأمريكية و”حقوق المرأة” وفق الرؤية الغربية.
- *جورج سوروس*: يمول عبر مؤسساته شبكات ضغط داخل الأمم المتحدة لتغيير السياسات الاجتماعية في العالم.
### *ج. السيطرة على التمويل والمساعدات الدولية*
– الولايات المتحدة هي أكبر ممول للأمم المتحدة (22% من ميزانيتها)، مما يمنحها نفوذاً في:
– تعيين مسؤولين موالين للغرب.
– إعطاء أولوية لقضايا مثل “حقوق المثليين” أو “الإجهاض” في برامج *منظمة الصحة العالمية (WHO)* و*UNFPA*.
## *3. تأثير هذه السياسات على المجتمعات غير الغربية*
– *تصدير النموذج الغربي:* تُجبر دول كثيرة على تبني سياسات لا تتوافق مع قيمها خوفاً من فقدان الدعم المالي أو السياسي.
– *تآكل الهوية الثقافية:* تتعرض التقاليد الدينية والعائلية لهجوم تحت شعار “التحديث” و”الحقوق العالمية”.
– *ازدواجية المعايير:* بينما تنتقد الأمم المتحدة دولاً مثل السعودية وإيران بسبب قوانينها الاجتماعية، تتغاضى عن انتهاكات إسرائيل أو انتهاكات حقوق المهاجرين في أوروبا.
-هل الأمم المتحدة أداة للهيمنة الثقافية الغربية؟*
الأمم المتحدة، رغم دورها الإنساني، أصبحت في كثير من الأحيان أداة لفرض النموذج الفكري والاجتماعي الغربي على العالم. وهذا يثير أسئلة حول:
- *مدى شرعية فرض قيم غربية على مجتمعات ذات ثقافات مختلفة.*
- *دور الدولة العميقة في واشنطن في توجيه سياسات المنظمات الدولية.*
- *إمكانية مقاومة الدول النامية لهذه الهيمنة عبر تحالفات جديدة (مثل مجموعة BRICS).*
في النهاية، يحتاج العالم إلى نظام دولي أكثر توازناً، يحترم التنوع الثقافي ولا يكون مجرد أداة لهيمنة نخبة غربية.