الصبر والاستقامة مفتاح الثورة الصناعية الخامسة

من كتاب خصائص الحضارة المشرقة المستدامة القادمة، محمد كوراني

الصبر والإستقامة مفتاح الثورة الصناعية الخامسة، نعيش اليوم مرحلة إنتقالية هي مرحلة حاسمة جداً في تاريخ البشرية في تطور وتنمية الإنسان، هي مرحلة مصيرية، هي مرحلة فاصلة، هي مرحلة معقدة وصعبة جداً، لكن نبشركم بأننا وصلنا الى نهاية هذه المرحلة، نبشركم بذهاب الكثير وبقاء القليل…

إذاً كيف يمكننا تذليل الصعوبات والعقبات، لا شك بأنّ الفوضى والأزمات في المراحل السابقة لا تكون الا كلعب أطفال أمام الفوضى والأزمات التي بدأت معالمها اليوم، فما نعانيه اليوم هو نتيجة التلوث الهائل الناتج عن الثورة الصناعية الرابعة، وأنواعها 1) التلوث الكيميائي 2) التلوث البيولوجي 3) التلوث الإشعاعي 4) التلوث البصري 5) التلوث الضوضائي 6) التلوث البيئي والفوضوي 7) والأخطر هو التلوث “النفثي والغيني”. لكن كيف يمكننا التخلص من هذا التلوث والتحرر من مساوئه.

يصنف الخبراء تطوّر البشرية في مئتي عام على شكل الثورات الصناعية الأربعة حيث أثرت على المجتمعات كالآتي:

– الثورة الصناعية الأولى : حصلت عام 1784 باختراع الآلة البخارية، حين بدأت مكينة الإنتاج خاصة بالنسيج، ومكينة الانتقال بواسطة الطاقة البخارية التي تعمل على الفحم، فأصبحت طبقة كبيرة من المجتمع تعمل وتعيش تحت الأرض في مناجم الفحم، وطبقة صغيرة تنعم بالرفاهية النسبية نتيجة عمل الآخرين. الحاجة الضرورية الى اليد العاملة، أجبرت النساء والأمهات على التخلي عن أولادهم وتعليمهم وتربيتهم ليعملوا في المصانع والمعامل جنباً الى جنب المجتمع الذكوري، تحت شعارات تحررية.

– الثورة الصناعية الثانية : حصلت عام 1870 بعد تطور الآلة والماكينة واستخدام الطاقة الكهربائية، فتطور الإنتاج والاتصال والمواصلات و تمكنوا من استخراج الطاقة الكهربائية من خلال حرق البترول، وقد أدى هذا التطور إلى طفرة وتطور هائل في المجتمعات. فأقتضت الحاجة الى النفط والبترول، نهب ثروات الدول غير الصناعية وبدأ الاستعمار المقنع والاستعباد الجديد للدول وحصل ما حصل من ثورات سياسية واجتماعية في الدول المنتجة للنفط وأدى إلى المزيد من التحكم السياسي في دول العالم الثالث، من خلال النظام الرأسمالي بأسم التحرر والديموقراطية، لكن المانع الوحيد لتجييش القوى العاملة كان سيطرة الأب على العائلة، فكان النظام التقليدي للعائلة المانع الوحيد لاستقطاب باقي النساء والأطفال الى المعامل والمصانع، فأدبوا على تدمير العائلة، ونمط الحياة الشرقي أدى الى تدمير البيئة وتلوثها.

– الثورة الصناعية الثالثة:عام 1969 اختراع الحاسوب ونقل أول رسالة عن طريق الإنترنت، ودخول الحواسيب في معظم مجالات التصنيع والاتصالات والتعليم. فأصبحت الثورة الرقمية والثورة المعلوماتية ترتكز على البيانات وتخزينها ومعالجتها، والتحول إلى التكنولوجيا الذكية، والمكنة المتطورة السبب في عدم الحاجة الى اليد العاملة، واقتضى ذلك تطوير اساليب التسلية وتضييع الوقت منعاً لحدوث الثورات السياسية والاجتماعية في العالم، لكن المانع الوحيد كانت الديانات السماوية فتم القضاء على كل المعتقدات والديانات المسيحية والإسلامية بالمذاهب المصطنعة والديانات التحررية والمخدرات وبشتى الطرق.

– الثورة الصناعية الرابعة: وهي المرحلة حالية، حيث ظهرت تقنيات الذكاء الاصطناعي و Big Data (الروبوتات، وتعليم الآلات، تقنية النانو، التحكم في الجينات، والتقنية الحيوية). هذه المرحلة أنتجت العولمة والقرية العالمية، لكن المانع الأساسي لاستمرارية البشر كان هو استعانة البشر بالذكاء الإصطناعي. وبدأت مرحلة إثارة الشبهات والتشكيك في كل شيء حتى في البديهيات والقيم الأخلاقية والإنسانية.

بدأت المخاوف من أجهزة الذكاء الاصطناعي عام 2010م، وأصبحت النقاشات حول خطورة هذه الأجهزة واسعة، بسيناريوهات مختلفة، من أبرزها: 1) فقدان الوظائف، فقدان الحاجة الى اليد العاملة، فقدان الحاجة الى مجتمعات ودول وقارّات بأكملها. 2) زيادة الفارق بين الطبقات الاجتماعية بل حبس الطبقات. 3) سباق التسلح العالمي باستخدام الذكاء الإصطناعي. 4) انحياز الذكاء الإصطناعي ضد بعض العرقيات والأجناس والديانات. 5) انعدام الخصوصية الشخصية : في عام ٢٠١٨ ظهرت فضيحة سوء استخدام بينات المستخدمين لشركة فيس بوك من قبل طرف ثالث، مما استدعى التحقيق مع “زاكربرج” مدير الشركة في مجلس الشيوخ الأمريكي. كان العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ في مقابلة مع إذاعة الـBBC تحدّث فيها قائلًا: “إن تطوير نظام الذكاء الإصطناعيّ الكامل قد يعني نهاية الجنس البشريّ، ستتمكّن الآلات من التحكم بنفسها وإعادة تصميم ذاتها بسرعة متزايدة. ولن يكون باستطاعة البشر -بسبب تطوّرهم البيولوجي البطيء- التنافس مع الآلات، وفي النهاية سوف تحلّ الآلات محلّ البشر”

إن الإنفاق العسكري العالمي على أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات كان قرابة 5.1 مليار دولار عام 2010 وأصبح أكثر من 7.5 في عام 2015. إذ بدأت تطوير أسلحة قاتلة بالذكاء الاصطناعي بدون تدخل البشر في اتخاذ قرار قتل شخص أو أشخاص. ويمكن أن توكل مهام عسكرية واستخباراتية مثل الاغتيالات لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتولى تلقائيا عملية إطلاق النار، وبعضها مستخدم فعليا في بعض الدول بحيث يتخذ البرنامج قرار إطلاق النار واضطر معهد كايست في كوريا الجنوبية، KAIST، لإلغاء أبحاثه لتطوير أنظمة سلاح فتاك بالذكاء الاصطناعي بعد حملات احتجاجات ومقاطعة قوية، كذلك كان الحال مع غوغل (Google) التي تراجعت عن تطوير أسلحة فتاكة للطائرات بدون طيار بعد استقالة عدد من موظفيها احتجاجا على ذلك أما مايكروسوفت وأمازون يتابعان بحماس صفقات كبيرة عسكرية. والمهم أنه مع تطور الذكاء الإصطناعي، بدأ التشكيك بكل القيم البشرية والبديهيات العقلية.

والتشكيك الممنهج هو مفتاح زوال الحضارات ودمار الأمم وانهيار الأديان، هو انتشار وباء التشكيك على مستوى واسع، الذي يدمر كل القيم الإنسانية والأخلاقية ويدمر جميع المبادئ والأصول والبديهيات، فمن أخطر ما يمكن أن يواجه حياة الإنسان النفسية ويربك استقراره وطمأنينته أن يفقد إيمانه، لأن الإيمان هو ما يمنح هذه الحياة معنى وهدفا، ودونه يتمزق القلب وتتوه الروح وتغرق النفس في بحار العبثية والعدمية! من يفقد إيمانه يفقد الجوهر الأساسي الذي يشعره بقيمته وهدفه في الحياة، وهذا أمر مؤلم يمزق القلب ويربك الروح. لهذا نعتبر أن هذا النوع من التلوث يضر بالروح والقلب، قبل الجسد.

اليوم وباء التشكيك العبثي أي “التلوث النفثي والغيني” في الشباب الجامعي بل وفي عامة الناس، له عوامل ماورائية، التشكيك بكافة المبادئ والقِيَمِ والمعتقدات المنطقية والأحكام والتاريخ! سيلاً لا ينقطع من الشبهات ثم الشبهات ثم الشبهات يضرب جامعاتنا ومفكرينا ورجالنا ونساءنا ضَرباً قاتلاً، وعبر مختلف الوسائل: الشبهات تحاصر الشباب من كل حدب وصوب فتهبط عليه مع الواتساب والتلغرام والبريد الإلكتروني، وتعيش معه في أروقة الجامعة وعبر العديد من الأساتذة والحركات المنظمة الممولة بشكل غريب والمتخصصة في إثارة الشبهات، بل تجد الشبهات تلاحقه حيثما حلّ وارتحل حتى وإن كان في المسجد أو الحسينية وعلى لسان بعض رجال الدين أيضاً! وفي ظل كثرة المعلومات و الداتا في عصر الشبكة العنكبوتية، أصبح كشف الحلول لهذه الشبهات المكررة تحتاج إلى ألاف السنين، لأنّ انتاج الشبهات في عصرنا الحاضر يكون من خلال تقنيات الحاسوب، وإيجاد الحلول عند كل شاب يكون بالطريقة التقليدية من خلال الفكر والعقل البشري البطيء. فأصبحت المقولة اليوم (أنا أفكر إذا أنا خسرت المعركة Game over).

نتيجة حملات التشكيك، الآن هنالك كلمات كثيرة تقال عن الدين والمتدين، فإن لم تستقم وتثبت على عقيدتك بكامل تفاصيلها، كل لا يتجزأ بالدليل العقلي، فلا تفكر أن تقطف من ثمار الدين شيئاً، ما لم تقف عند الحلال والحرام، ما لم تتورع أن تأكل درهماً من حرام فلن تفلح، وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة. إنها حدود الله، فمن لم يراع حدود الله فليس بينه وبين ربه رابط وعروة. ، فإذا لم نلتزم بالحدود الشرعية ينقلب الدين إلى ثقافة، أو إلى تراث، أو إلى فلكلور، أو إلى عادات، أو إلى تقاليد، أما الدين فهو الالتزام والتقيد بالحدود، والتحرر من الشبهات بالبديهيات و التخلص من التشكيك بالإيمان.

الألوف بل مئات الألوف من الملتزمين والمتدينين، يأكلون المال الحرام نهاراً جهاراً، ويأتون إلى اماكن العبادة، ويصلون، وهو إما مغتصب، و إما خائن وإما مرابي، وإما مرتشي، و إما مانع زكاة وإما محتال، والغش اليوم شطارة وذكاء وحنكة، أنواع الغش لا تعد ولا تحصى، ومن غشّ فليس منا، أنا لا أدري كيف يقوم الإنسان الملتزم والمتدين، بالترويج للإباحية والتشكيك والمخدرات والشبهات؟ فهو يفسد الشباب، يفسد الأسرة، ويعتبر نفسه متدينا! فان لم نثبت على ديننا و معتقداتنا ونلتزم بحدود الله فلا قيمة لإنتماءنا و لا يمكننا تجاوز هذه المرحلة الانتقالية. فعلينا بالصبرعلى البلاء من أجل تسهيل المرحلة الإنتقالية و علينا بالصبر على الفضائل، من أجل بناء حضارتنا المثالية في المرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية، و علينا بالصبر على ترك الرزائل والشهوات المحرمة من أجل السعادة المستدامة الأبدية. المرحلة اليوم مرحلة صعبة جداً ، لكن ذهب الكثير ولم يبق إلا القليل.

فضالتنا في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة هو الصبر واليقين والصبر عادة الأنبياء والمتقيين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وتشعبت القبائح وانتشرت، حيث المنكر أصبح حسن والحسن أصبح منكر، لكن إن الإيمان إذا رسخ في القلب، وإن اليقين إذا تعمّق في النفس تولّد منه الصبر والمثابرة والمرابطة والاستمرار والثبات الموصول باليقين الراسخ في الله عز وجل، حيث يظهر في صورة الطمأنينة في القلوب، والسكينة في النفوس، والثبات في الأقدام، ووضوح في الحجة والبرهان في هذه الحياة، ومن طلب السلامة لزم الاستقامة،أصبروا فلم يبق الا القليل. والأمل بالله دائما كبير، فلا تيأسوا فبعد الضيق يأتي الفرج، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)

 

روابط إضافية

مقالات إضافية

كيف عوّض الغرب حرمانه من…

كيف عوّض الغرب حرمانه من الروحانية وسقوطه في الماديّة القاتلة – د.…

كفى قوانين لا تنفذ الا…

من كتاب خصائص الحضارة المشرقة المستدامة القادمة، محمد كوراني كفى قوانين لا…

القانون والشريعة والدين في الحضارة…

من كتاب الحضارة المشرقة المستدامة القادمة – محمد كوراني القانون والشريعة والدين…

مقالات إضافية

كيف عوّض الغرب حرمانه من…

كيف عوّض الغرب حرمانه من الروحانية وسقوطه في الماديّة القاتلة – د.…

كفى قوانين لا تنفذ الا…

من كتاب خصائص الحضارة المشرقة المستدامة القادمة، محمد كوراني كفى قوانين لا…

القانون والشريعة والدين في الحضارة…

من كتاب الحضارة المشرقة المستدامة القادمة – محمد كوراني القانون والشريعة والدين…