الخطوة الاولى في تأسيس العلوم الإنسانية المثالية، من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية” لمؤلفه محمد كوراني
هنا نشير ونؤكد على وجود كم هائل من الكتب والمقالات والأبحاث في الجمهورية في هذه المجالات، لكنها تعاني من عدة مشاكل، نشير الى بعضها :
أولا : قسم كبير من هذه الإنتاجات إما هي محاولات تلفيقية (ترقيعية) لإضافة ودمج وجهة نظر إسلامية بشكل متجزئ الى النظريات الغربية او إنها محاولات جیدة لكنها لم تستطع الخروج من زنازين المفاهيم العلمية الغربية وتقسيمات هذه العلوم الخاصة بها، أو لم تستطع الخروج من مستنقع محورية الانسان في الكون و إنه العاقل المطلق.
ثانيا: بسبب وجود مؤسسات كثيرة موازية في الجمهورية، هذه الأبحاث لم تكن مترابطة، ومتناسقة من حيث المباني الفكرية ولم تؤسس لمنظومة فكرية متكاملة. متناسقة، ولم يصلوا إلى مراحل منتجة ومثمرة ونهائية.
ثالثاً: بسبب التعمق الفلسفي في الجمهورية وكثرة الإنجازات الفلسفية والكلامية هناك، نجد أن معظم الكتابات والمقالات والابحاث في مجال العلوم الإنسانية الإسلامية متأثرة جدا باللغة العلمية الفلسفية في إيران و متأثرة بأسلوب الكتابة والنص والمصطلحات الخاصة بها، المبنية على أسس غير قابلة للترجمة وغير مرغوبة في لبنان والعالم العربي وبل في الغرب، الذي نجده يحبّذ الأسلوب السهل الممتنع او أسلوب اللغة العلمية الأدبية السهلة والبسيطة. لذلك من يقوم بتدوين المنهج الدراسي لإختصاصات العلوم الإنسانية الإسلامية يجب أن يكون متنبها لهذه الفروقات بين لبنان والعالم العربي من جهة وبين الجمهورية ويخرج من زنزانة تاريخ هذه النقاشات العلمية رغم اهميتها.
رابعا : النص العلمي في الجمهورية في هذه الاختصاصات مبني على نقل ومقارنة وتقييم الآراء المتعارضة والمختلفة بين العلماء الإيرانيين في هذه الاختصاصات. فمثل هذه النصوص غير مرغوبة في لبنان والعالم العربي، ويجب ان نختار للمنهج التعليمي في هذه الإختصاصات في جامعاتنا، نصوص علمية ثابتة ومترابطة و متناسقة، من هذه النظريات و من آراء العلماء، من دون الدخول الى المقارنات والجدل العلمي والتقييمات الذوقية و نستخرج منها نصوص علمية ثابتة ومحددة وواضحة تعالج مشكلة أنها في طور التكميل والتكامل و تبرر لماذا هذه العلوم غير مثالية او بعض الأحيان تتعارض مع المفاهيم الإسلامية الأساسية.
خامسا والمهم جدا ان نتذكر بأن جميع الكتب والأبحاث والمقالات في مجال العلوم الانسانية الإسلامية في ظل سيطرة الثقافة الغربية على العالم الاسلامي بل على المؤمنين أنفسهم، وفي ظل سيطرة المفاهيم والمباني العلوم الانسانية الغربية على المجامع العلمية والمجتمعات البشرية، قد يجدون بان العلوم الانسانية الإسلامية من نوع الخيال العلمي والفانتزيا، وفي احسن التقييم قد يجدونها مثاليةً وشاعرياً. وهذا بسبب أن الاسلام الحقيقي لم يدخل الى ثنايا حياتنا اليومية ومعتقداتنا العملية، والحل لهذه المعضلة الخطيرة والمعقدة يكمن في أن نقدم إختصاصات العلوم الإنسانية الإسلامية التي نريد تأسيسها ضمن إطار عنوان عام وشامل وهو الحضارة المشرقة المستدامة المستقبلية التي لا يمكن ايجاد كل عناصرها في المراحل السابقة لكنها معذور عن عدم تقديمه لعلوم كاملة ومنزهة.
إختصاص الحضارة المشرقة المستدامة حينها تصبح عنواناً عاما لجميع إختصاصات العلوم الانسانية الإسلامية، بما فيها علم الاقتصاد الإسلامي، علم الاداره الإسلامية ،علم النظام والقانون الاسلامي (الحقوق)،علم النفس الاسلامي، الفلسفة الإسلامية، علم الاجتماع الاسلامي،علم معرفة الانسان (الانثروبولوجيا) والعلوم التربية الاسلامية.
المناهج التعليمية :
في هذه المرحلة علينا ان نأتي بأرشيف من الكتب والابحاث في هذه المجالات من العلوم الانسانية من الجمهورية الإسلامية الايرانية، المبعثرة في عدد كبير من المؤسسات العلمية والإعلامية والتبليغية والدينية.
ثم نقوم باختيار أفضل النصوص المترجمة أو في طور الترجمة باللغة العربية والانكليزية والفرنسية لتأسيس منظومة فكرية متناسقة ومنسجمة مبنية على أسس علمية إسلامية وليس غربية لكنها تحتوي على ردود وأجوبة إسلامية لكل مفهوم علمي غربي ، مع التاكيد على الابتعاد عن المباحث الفلسفية والنظرية البحتة والتاكيد على الاخفاقات العلمية والملموسة للغرب بلغة سهلة ومبسطة دون مصطلحات معقدة .في الواقع في هذه المناهج التعليمية الحديثة والراقية سنأتي بنفس المباحث الدينية الثابتة والأصيلة منذ 1400 سنة المعروفة بإسم “الاسلام المحمدي الاصيل” والمنطلق من مفهوم “ولاية الفقيه” باسلوب عصري وأكاديمي في إطار الحضارة المشرقة المستدامة، وإختصاصات العلوم الانسانية الإسلامية (مهما قررتم تسميتها) التي يجب التاكيد على ان لا يمكن تحقيقها إلا في ظل الامام المعصوم المنتظر (عج) رغم الانجازات الموجودة.
العناوين السبعة للحضارة المستدامة
من خلال العنوان الأساسي للحضارة المشرقة المستدامة، ندخل الى سبعة عناوين كبرى فرعية : *(العلم ،الانسان، الدنيا، الآخرة ، المجتمع، الأدوات الحضارية ، الطريق الى الحضارة المشرقة المستدامة)* ،ثم نفصّل كل عنوان على حدى ونقارن بينها وبين حضارة الغرب.
العلم بين الغرب والحضارة المستدامة
بالنسبة للعلم مثلا ، يوجد كتب ومقالات وأبحاث علمية معمقة كثيرة في ايران وباللغة الفارسية حول نقد العلم في الغرب وكذلك تتكلم عن العلم في الإسلام والعلوم الإنسانية الإسلامية التي يجب استخراج أهمها و وضعها تحت عنوان العلم في الحضارة المشرقة المستدامة.
بالنسبة لموضوع العلم سوف نناقش مفهوم العلم في الغرب ونقارنه مع مفهوم العلم في الحضارة المشرقة المستدامة (تمدن نوين اسلامى) وكذلك فائدة العلم وفروع العلم ونقد العلم وتاريخ العلم ،ثم نتكلم عن العلوم الإنسانيه والتجربية والتطبيقية والنظرية في الغرب وعلم الأبدان والأديان واللسان (الفنون) والزمان (تاريخ) في الإسلام .ثم نأتي بمفاهيم إسلامية لكل إختصاص مقابل المفاهيم الغربية في نفس الإختصاص، مثلا في علم التاريخ ، علم النفس، علم الإدارة ، علم الاجتماع، علم الاقتصاد ،علم السياسة، علم الانتروبولوجيا.
كذلك في العنوان الثاني *”الإنسان”* نتكلم عن جسم الانسان وعقله ،ظاهره وباطنه، جسده وأحاسيسه وعواطفه، دورة الحياة من الولادة الى النهاية و تقلب مزاجه و طبعه ،ثم نتكلم عن حاجاته، سلامته ورفاهيته وسعادته وغرائزه وروح التسلية والتنافس والنزاع والحروب الناتجة عن حاجاته الأساسية او الكمالية والمهمة او النفسية، و نقدم حلول الحضارة الغربية ومشاكل الغرب في أطروحته وفي المقابل نقارنها مع الحلول المطروحة في الحضارة المشرقة المستدامة *(و يكفي ان نقول بأن الأمور التي أدت الى أزمة أو مشكلة في الحضارة الغربية ليست موجودة في الحضارة المشرقة المستدامة لأن مباني هذه الحضارة مختلفة)* من خلال كتب وأبحاث ومقالات موجودة في ايران باللغة الفارسية أو يجب أن تترجم الى اللغة العربية والانكليزية والفرنسية.
الأمر الوحيد الذي يفرق الإنسان عن الحيوان يصبح عقله و العقل ليس الذكاء ولا الذاكرة وليست غريزة البقاء بل هو الأمر الوحيد الذي ينظر الى ما وراء الظاهر ، هو الأمر الوحيد الذي إذا نظر الإنسان الى جمال الدنيا، يسأل نفسه ، الى أين ذاهب بعد الدنيا؟ أين كنت قبل الدنيا، ما الذي علي فعله في الدنيا؟ … فهذا العقل والباقي دهاء.
في العنوان الثالث نتكلم عن الدنيا فنتكلم عن الكرة الأرضية، المنظومة الشمسية، المجرة، الفضاء الخارجي، السماء والسماوات السبع ،ثم نتكلم عن الفصول ، المناخ ، الزلازل، والبراكين، والأعاصير ، والكوارث الطبيعية، والتحديات المناخية. ثم نتكلم عن فلسفة البلاء والبلايا بين الحضارة الغربية والحضارة المستدامة. ومن بعدها ننتقل للحديث عن المدينة ، الريف، الدول، القرية العالمية ،العولمة ،والتصحر و البيئة … .
أما العنوان الرابع اي الآخرة، سنذكر الموت وما بعد الموت و مفاهيمها من خلال العقل والمنطق العام ولا نناقشها دينيا ومن خلال فلسفة الظاهر والباطن ،التجارب الخاصة، الوحي… كهاجس مقدس لتصويب الافكار والفرضيات العلمية.
أما العنوان الخامس فهو عن المجتمع البشري كهوية مستقلة عن الإنسان وعقله وعن النظام العالمي والعوالم الاخرى و نناقش في جميع الإختصاصات الدولية …
في عنوان “الأدوات الحضارية” نتكلم عن الإيمان، العمل الفردي، العمل الجماعي، الجهاد والتضحية، الأخلاق والقيم و الحروب العالمية، و نقد هرمجدون و نقد سيرن CERN و الشعاع الازرق و… كأدوات ظنية للوصول الى الحضارة المستدامة …
في علم السياسة الإسلامي كأداة من أدوات الحضارة يتم مناقشة سبب فشل أنواع الإسلام السياسي بطروحاته الاخواني، الوهابي، الغولوني الاربكاني، الحوزة الصامتة والناطقة، الطالباني، بن لادني، النصرة و … ونجاح الولاية في التمركز على الصهيونية بين جميع النظريات الاسلامية غير الولائية …
العنوان السابع حول الطريق الى الحضارة المستدامة، نناقش الطرق الحدسية القائمة على العلوم تجريبية او العلوم الإنسانية المتغيرة للوصول الى حضارة مستدامة، أو طريق الاديان المنسوخة، أو الطريق الغيبي والكرامات والوحي الجديد أو في النهاية طريق الولاية في الحضارة المشرقة المستدامة الذي أثبت فعاليته طوال نصف قرن و ….
جميع هذه المفاهيم باللغة العربية والإنكليزية يجب أن تكون مترابطة و ذو مباني متشابهة من خلال الكتب والأبحاث والمقالات المترجمة من الفارسية، لكن دون تعقيدات و دون حشوها بالآراء المتضادة و المتعارضة، في الواقع علينا ان نبتعد عن فلسفة هذه المواضيع و تعقيدها و أن نختار مفاهيم سهلة و بسيطة منها.
قلنا بأن المشكلة في لبنان والعالم العربي أنهم لا يحبون الأبحاث المعمقة التي تحتوي على آراء متعارضة وأفكار متناقضة وكذلك لا يحبذون المصطلحات العلمية المعقدة و الدقيقة، فهم يبحثون عن النصوص البسيطة السهلة ولعلها تكون (سهلة ممتنعة) و بلغة أدبية جميلة، لذلك الخطوة الأساسية ستكون بجمع ما هو ثابت و مشترك وعملي في منهج دراسي لكل إختصاص من إختصاصات العلوم الإنسانية الإسلامية، و مرحلة التجميع والأرشفة لا تقل أهمية عن مرحلة التدوين.
تجميع المنهج التعليمي
تدوين المنهج التعليمي لإختصاصات علم النفس الإسلامي، علم الإدارة الإسلامية، علم الاجتماع الإسلامي، علم الإقتصاد الإسلامي ،علم السياسة الإسلامية، علم الانتروبولوجيا الإسلامية و علم تاريخ. تكون من خلال الأرشيف المستحصل من الجمهورية، و بالطريقة التي تكلمنا عنها.
حركة علمية تراكمية مستمرة
العلوم الانسانية الاسلامية مبنية على السنن الالهية وهذه المعادلات لا تظهر في الظروف العادية بل تحتاج الى شروط محددة منها البيئة الاسلامية والتوحيدية والاخلاص والاجتماع على الهدى والايمان والتقوى وايضا مباحث العلوم الانسانية الاسلامية اليوم ليست مجرد افكاراً علميةً بل هي حركة تكاملية وتراكية و مستمرة وبذلك الدولة الاسلامية تكون شرط لظهور العلوم الإنسانية الاسلامية لكي تسخر الطاقات والمواهب تجاه تنمية هذه العلوم.