من كتاب خصائص الحضارة المثالية قادمة
التخطيط الإلهي والتدبير الانساني – حفظ الوجود والبقاء هو أمر عقلي وبديهي وطبيعي وأيضاً الكمال والتكامل والتقدم أمر عقلي ومنطقي وطبيعي ومن الطبيعي أن يخطط البشرية لهذه الأمور من منظور صحيح وبالطريقة الصحيحة. لكن الخطط الكونية والخطط العالمية هي من شأن *”الله”* مهما كانت ديننا، فهما كانت ديننا من المستحيل أن نعتقد بأن الله مغلول اليدين و مسلوب القدرة. فمهما كانت ديننا و معتقدنا فنجد ان المحاولات البشرية طول التاريخ قد فشل فشلا ذريعا لتقديم نموذج حضاري مثالي مستدام من صنع عقله المحدود والمشوب بالشوائب، ولا يبقى الا ما وعدنا الله في أخر الزمان وفي الكثير من الديانات في دولة الحق في أخر الزمان.
كلنا نعرف بأنّ أحداث التاريخ تتكرر، لكن في الواقع التاريخ لا يتكرر، نعم الحضارة تولد وتتوسع وتتألق وتتحكم وتنحدر وثم تنطفئ، ثم تأتي حضارة جديدة وتولد دولة جديدة، لكن في الواقع تاريخ البشر له بداية وله مسير معين وثم ينتهي في مكان ما ومن هذا المنطلق التاريخ البشري لا يتكرر، اليوم في ظل العولمة التي لا مهرب منها وفي ظل جبرية نظام القطب الواحد لأستحالة التعدد في القرية العالمية، وفي ظل روحية التقاتل المتجذر في غرائز الانسان الذي لا يقبل بسلطة الأضعف بل بوجود الأضعف، نحن أمام مرحلة تاريخية غير قابلة للتكرار في تاريخ البشر، إنها مرحلة انتقالية حاسمة بفضل السلاح المتطور الموجود، إنها حضارة القطب الواحد التي تذوب فيها جميع الحضارات والثقافات والمجموعات حتى لا يبقى منها الا ظلها وأسماءها وعناوينها، والتي تحدد مصير ومسار التاريخ البشري.
ومن هذا المنطلق نحن أمام أحداث غير طبيعية، وغير قابلة للتكرار، اليوم نشاهد قوى عظمى، تتلقى هزيمة بعد هزيمة من غير عادة، وفشل بعد فشل والمشكلة أنّ هذا الفشل يبطل جميع نظرياتهم العلمية المحكمة المتقنة وجميع اجراءاتهم المتطورة لديمومة حكومة الظل على العالم، ولعل أحد أسباب هذا الفشل هو نظرة الاستعلاء عندهم ونظرة الدونية للآخر التي تعمي قلوبهم وأبصارهم على رؤية ملامح هذه المرحلة الحاسمة، يا لغبائهم، جميع الهزائم السابقة كانت مع دول متخلفة ليس لديها شيء ليخسرونه، وإنتصاراتهم توقفت بمجرد انسحاب القوات المعتدية، لكن هذه المرة الهزائم تأتي من أنظمة لديها حضارة قابلة للتوسع ومن منطلق هذه الحضارة، لا يأبهون لشيء الا لعرض حضارتهم على العالم، رغم أن اليوم في ظل عولمة الاقتصاد، نتوقع الثورات المضادة أيضا لكن بعد التجارب الأخيرة في المنطقة، أصبح لديهم مناعة من هذه الثورات المصطنعة فأصبحوا قادرين على تحويلها عند حصولها من نقاط ضعف الى نقاط قوة. لأن عند الإلتحام، السلاح المتطور الجوي والبحري يفقد قيمته، كذلك في الأزمات المصطنعة، الخطط السابقة أيضا تفقد قدرتها.
هذه الأنظمة المنتصرة لديها حضارة قوية قابلة للتوسع في العالم وقادرة على مجابهة الحضارات المسيطرة، إنها كارثة للقوى العظمى أنها الطامّة الكبرى، ولازالت الهزائم تتوالي وهم يتكابرون ويتجبرون، و تتوالى التوفيقات بعد التوفيقات من غير عادة، وفي كل مرة تفلت الجرة، ويتوسعون ويبسطون سيطرتهم وفي كل مرة ينفذون بجلدهم، والدول العظمى نيام، والان عندما أصبح الموس على رقابهم وأصبحوا تحتى مرمى نيرانهم وانصار الحق أصبحوا منتشرون في كل مكان، وأفكارهم لها صدى في كل قارات العالم، وقواتهم أصبحت عابرة للحدود ودوليين مثل جنود اسكندر، وأصبحوا رقماً صعبا في الموازين، رغم أنهم قد يسقطوا مادورو في أقصى الأرض لكن سوف يأتي مادورو و شافيز آخر من كل دولة فقيرة في العالم، والدول العظمى نيام، لكن اليوم هذه الدول العظمى استيقظت من النوم، والان بعد أنّ استيقظوا، يريدون تعويض تأخيرهم و تبديل فشلهم وتبديد خسائرهم من خلال الحصار وفرض العقوبات، كم هم أغبياء، وكم هم متاخرون، فكروا و خططوا لكن الان فلتت الأمور من أيديهم وسينتقلون من تحت الدلفة الى تحت الميزاب …
في السابق الدول العظمى كانوا يتبعون اسلوب استحقار الشعوب وإستغباء الناس فكانوا يختارون زعماء أغبياءَ لشعوب العالم الثالث من منطلق سهولة التوجيه وسهولة التحكم بهم وسهولة تقرير مصيرهم، كما ورد في سورة نمل الأية ٣٤، لكن بعد أن استيقظوا ووعوا وانتبهوا وفكروا وخططوا، (إعتبروا أن الحلّ بسيط وهو في تغيير نمط الزعماء في العالم الثالث)، فقرروا ان يصنعوا زعماء سياسيين بنفس الذكاء والعبقرية والاخلاقية والاحترافية الموجودة عند زعماءنا… الان استيقظوا على هذه الخطة، الان يريدون البحث عن زعماء أذكياء يعرفون شعوبهم، أقوياء يقدرون على استضعاف الناس، لكن في نفس الوقت منقادون لهم و تابعون لأوامرهم، هل يمكن ذلك .
انا لا ارى مسلسل وادي الذئاب و شخصية “مراد علمدار” الا خطوة اولى في هذا الاطار لمواجهة التوسع و التألق لدى المحور المناوئ، لكن في تطبيق وتنفيذ هذه الخطة وجدوا بعض المشاكل فالزعماء إما كانوا متوحشين أغبياء، أو دمويين اذكياء لكن من دون ضمانات تقيدهم بأوامر الآتية من الأعلى، ثم حصل الربيع العربي لتغيير قيادات من النمط التقليدي الى هذا النمط الجديد، نجحوا في بعض الدول وفشلوا في أهم الدول أي في … و في …، وعندما ارادوا تصحيح أخطائهم حصل انقسام كبير في محورهم فأصبح هناك محورين، محور غير غبي ولكنه ليس منقادا لهم كما يجب ، ولا ولاء مطلق لهم، حكام انتهازيون و وصوليين ومحور دمويين غير أذكياء ولكنهم منقادون لهم بالكامل، فإختلطت الأوراق مرة ثانية بسبب غباء دول العظمى، نعم إنها صراع الاذكياء صراع العقول، صراع العبقرية.
لكن انتم دائما متاخرون بخطوة حتى حينما تقفزون خطوتين معا، حتى عندما تحاولون تقليد زعمائنا ايضا تفشلون، فحينما كنا قلة تعاملتم باستهتار، وعندما أصبحنا كثرة، أثرتم خوف شعوبكم، وعندما لم يكن عندنا سلاح اعطيتمونا فرصة استعطاف العالم، وعندما أصبح لدينا سلاح أعطيتمونا فرصة إعجاب العالم بنا، أنتم دائما متاخرون بخطوة حتى حينما تقفزون خطوتين معأ، عندما كنا مثاليين أعطيتمونا فرصة الترويج والدعاية لنا في اعلامكم ولو من باب تحقيرنا وعندما أصبحنا محنكين أعطيتمونا فرصة محاكاة شعوبهم ومخاطبتهم بلغتهم، أنتم دائما متأخرون بخطوة حتى حينما تقفزون خطوتين معا، فعندما كنا منعمين اعطيتمونا فرصة (واعدوا لهم ما استطعتم) و عندما صرنا محاصرين اعطيتمونا فرصة (لنهدينهم سبلنا)،…
فلا تحاولوا تقليد زعمائنا ولا صناعة زعماء على مقاس زعمائنا فهذا لا يزيد الطين عندكم الا بلة،، فالصفات الموجودة عند زعمائنا من ذكاء وعبقرية والهام وشجاعة و ولاء وتقيد وصبر ومثابرة، هي ليست نتاج مصانع ولا معامل ولا معاهد ولا سجون بل هي نتيجة ارضية ثقافية وحضارية ترجع الى أكثر من الف عام، صفات قادتنا وزعمائنا هي نتيجة بيت أحزان بعمر المعمورة، هي نتيجة جنين لم يبصر النور بعمر الشمس والقمر، هي نتيجة ضلع مكسور غير ملتئم بعمر اركان العرش، هي نتيجه رضيع ينادي ضمائر البشرية من يوم الذر، هي نتيجة غريب عطشان بعمر الوجود، هي نتيجة عطش بعمق الغيوم الملبدة بالدموع، هي نتيجة سهم ذي شعب بعمر نخيل الطف والحجاز، هي نتيجة طشت رأى فيه وجه الله الحي، هي نتيجة غائب ما دام صراع الحق مع الباطل قائمٌ، هي نتيجة قبر مفقود بقدم غيب الله و بمظلومية أم مدفونة في مكان ما بين اب نبي و زوج ولي وابن شهيد وحفيد ثائر ،،،
ذكاء زعمائنا ليس ذكاء اصطناعيا وولائهم المطلق ليس بالطرق التقليدية من استدراج ومأخذ و مستمسك اوعادات معيشية وسلوكيات خاطئة، نعم الأسلوب الغربي من الحياة قد تجعل نوع من انجذاب لدى محبيها من أهل الدنيا، لكن ولاء زعمائنا للقضية وللرسالة الانسانية والأخلاقية وللدولة الحضارية العالمية شيء آخر، ذكائهم يتّقد والهامهم يشتعل ولو لم يمسسه النار، نعم الطرق التقليدية لصناعة الزعامات فشلت ولم تعد مجديه والطرق التقليدية لصنع الولاء أيضا فشلت ولم تعد مجديه، فأنتم دائما متاخرون بخطوة حتى حينما تقفزون خطوتين معا، فلا تحاولوا تقليد زعمائنا فهذا لايزيد الطين عندكم الا بلة. في هذا الإطار كان يحيّرني المرحوم الشيخ بهجت، فكان أكثر ما يذكر من الأعداء في الازمات المعاصرة هي الدولة البريطانية وبحثت عن السبب، فوجدت ان السبب هو في مسألة صراع العقول، وصراع الأذكياء … وأنتم لا تختارون الا أسفل الناس لزعامة تياراتكم الفكرية والسياسية وحتى اذا اردتم صنع تيارات دينية سلفية داعشية متوحشة.