ملاحظات أخرى حول علم النفس في التصور الإسلامي من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية” محمد كوراني
الملاحظة الأولى: الايمان بالمعاد والآخرة و بالحلال والحرام الالهي وبالطهارة والنجاسة الشرعيتين وبثنائية الخوف والرجاء في المعتقد و ثنائية العقيدة والعمل في التكامل وأهمية الممارسة الدينية مثل العبادة وقراءة القرآن والدعاء والتوسل بأهل البيت والاولياء والصالحين في شفاء جميع الأمراض الحسية والمعنوية، و النفسية بل في الامراض الجسدية ايضا، كلها تشكل قواعد اساسية في علم النفس الاسلامي.
الملاحظة الثانية: أن الإسلام يأمر بالتداوي عند المتخصص والعالم والطبيب، ويدخل في ذلك أطباء النفس؛ لأن قسم من العلوم الاسلامية لاتظهر نتائجها الا في الدولة الاسلامية المثالية وهي لا تتحقق الا في آخر الزمان، لذلك في مراحل البرزخية علينا ان ناخذ من العلوم العصرية وهنا علينا الاستفادة من علم النفس الغربي او العالمي فيما لا يتعارض مع شريعة الاسلام. فأما في الدولة الاسلامية المثالية كل الاصول و قواعد هذه العلوم ستتغير.رغم الشبه الظاهري.
الملاحظة الثالثة: أنه لا تنافر ولا تناقض بين الطب والإسلام والعلم والشريعة في الواقع ولكن هناك تفاصيل لا يحددها الا المراجع الدينية وبعضها لا يشخصها الا من لديه علم من الله وبعضها غير مسموح به الا بأمر من الامام، ولذلك يقال في الطب النفسي فيما ثبت في التجربة وثبت نفعه، فإن الإسلام يأمر بالأخذ به.
الملاحظة الرابعة: حاليا و في ظل عدم وجود دولة اسلامية مثالية، ينبغي الجمع بين الاحكام الشرعية والعلاج بالأدوية الحسية والعلاجات النفسية، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمر بالرقى وأخذ الأدوية كما تقدم ذلك في الأحاديث.
الملاحظة الخامسة: مما قرَّره المطلعون والمتخصصون في علم النفس أن علم النفس ينقسم إلى ما هو صحيح مقبول، وإلى ما هو غير صحيح، فهناك نظريات في علم النفس هي مجرد تحليلات وأفكار من أصحابها، ولا دليل عليها لا من شرع ولا مِن حِسٍّ ولا تجربة، وهذا النوع ينبغي أن يعرض على الشريعة الإسلامية فما وافق قُبل، وما خالف رُدَّ؛ وإنما هي أهواء وآراء لأصحابها، وفيها مدارس مختلفة.
الملاحظة السادسة: أنه لا يوجد حقيقة ثابتة في الكتاب والسنة يمكن أن تناقض حقيقة علمية صحيحة في علم النفس، فمثلًا الذين ينكرون دخول الجن والمس وأثر إصابة العين، وغير ذلك من الحقائق الشرعية، إنما ينكرونها تبعًا لعلماء الغرب ضلوا وخالفوا العقل والحق والواقع في ذلك، وهم في إنكارها لا يَملكون إلا نظريات لا ترتقي للحقائق العلمية، وإنما هي مجرد آراء لأصحابها.
الملاحظة السابعة: الانطلاق بعلم النفس من الإسلام هو الانطلاق الصحيح والكامل الذي تتعانق فيه المادة والجسد مع الروح ومع الأخلاق والقيم العالية التي لها الأثر الكبير على نفسية الإنسان وسلوكه الطبيعي وهذا لا يتحقق الا في الدولة المثالية آخر الزمن حيث الحكم يكون لله و أن تكون جميع الاحكام خاضعة للشرع و أن يكون غالب الناس مؤمنون بالحق والحقيقة وهذا ما ورد في القرأن الكريم تحت عنوان ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا “.
الملاحظة الثامنة: التداخل بين علم النفس والإسلام، هو تداخل ينبع من الإيمان أن الخالق لهذه النفس وهذه الفطرة هو أعلم بها وما يصلحها وما يفسدها؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ الملك: 14.
الملاحظة التاسعة: إن العلاجات النبوية والأدعية والذكر والإيمان بالقدر والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالله تعالى وبالتوسل بالأولياء والصالحين والشهداء – لها الأثر الأول والكبير والأساس على نفسية الإنسان وسلوكه، وفيها العلاج والتخفيف من الضغوط النفسية بما يرجوه العبد من فضل الله والدار الاخرة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد: 28) لكن كل هذه العلاجات مرهونة ب”نمط الحياة المثالية” و لو عالج المريض نفسه بكل علاجات العالم والبيئة كانت مريضة وفاسدة، لا يؤثر عليه علاج و اذا تم علاجه فلا يدوم هذا العلاج.
الملاحظة العاشرة: علم النفس الاسلامي لا ينسى الفلاح يوم القيامة، لذلك قسم من إهتمامه ينصب على حفظ الايمان عند المريض و أن لاينسى المريض الفلاح في الآخرة و من هذا المنطلق يدخل مفاهيم مثل التقوي والصبر وأن المؤمن مبتلا وأن الدنيا دار بلاء، في حين ان علم النفس الغربي لا يؤمنون بعالم ما بعد الموت و عالم الآخرة والحشر والنشر.
نعود ونكرر علم النفس الاسلامي لا نقصد منه علم جديد بامكانكم التعبير عنه علم نفس اسلامي بل هو علم النفس بحسب التصور الاسلامي او علم النفس غير متحيز و غير ملغوم بالاصول العلمانية والالحاد، فهو علم نفس لا يدخله مفاهيم متحيزة للالحاد باسم العلمانية، لانه هو علم لا يمكن ان يتجاهل المفاهيم الاسلامية الوحيانية الربانية من منطلق خالق النفس المتجلية في كلام الله، خالق البشر و صانع فطرتهم، والعالم بالروح البشري ونفسه وهو العارف بسير الحياة من مرحلة قبل الخلق الذي يسميه الجهلة عالم العدم الى الولادة الى الموت وما نسميه عالم الآخرة، فعلم النفس الذي لم يعرف مفاهيم الجن والقرين والانفس وعالم الارواح ولم يخرج من زنازنة عالم المادة، قد يعالج بعض الحالات ولكن هو نفسه سوف ينهي حياته بالانتحار فاعتبر يا اولي الابصار.