دور الدولة والمجتمع في الاقتصاد الاسلامي، محمد كوراني

دور الدولة والمجتمع في الاقتصاد الإسلامي: تمارس الدولة الإسلاميّة مسؤوليّة تطبيق أحكام الإسلام، وحفظ العدل والأمن في المجتمع، فتّتصل بالمسؤوليات التفصيلية وفي جميع ميادين المجتمع في إطار تحقيق تلك الأهداف المركزيّة. ليس الدولة ـ في مفهوم الإسلام ـ شُرطيّاً يحصي أنفاس الفرد والمجتمع، كما إنّها ليست أداة لتحقيق مآرب أصحاب الأموال والتّجارة، بل جهاز لحفظ التقوى والعدل والأمن والرفاه لجميع أفراد المجتمع. وفي هذا الضوء ينبغي أن ندرس دور الدولة في الميدان الاقتصادي. وفي الحقيقة أنّ الدولة الإسلامية تستهدف من خلال دورها الاقتصاديّ تحقيق الغايات التالية:

1 ـ تربية الأمّة على القيم الإسلاميّة

هنالك علاقة وثيقة بين القيم التي يعتقد بها الإنسان وبين موقفه من الإنتاج والاستهلاك، حيث يحدّد علاقته من تلك القطّاعات وفق القيم التي يؤمن بها. ولذلك حرص الإسلام على تحديد مجموعة من القيم ذات الصّلة بالميدان الاقتصاديّ؛ لتؤدّي دوراً فاعلاً في تطوير الإنتاج وتوزيعه بشكل عادل وحفظه من الضياع. وفيما يلي أهمّ تلك القيم:

1.أ ـ حرمة الإسراف.

2.ب ـ حرمة التبذير.

3.ج ـ وجوب الإنفاق في بعض الجوانب واستحبابه في جوانب أخرى.

4.د ـ حرمة الاكتناز.

5.هـ ـ استحباب إقراض المال.

6.و ـ حرمة التخفيف في الميزان.

7.ز ـ حرمة الغشّ.. حرمة البخل… حرمة السّرقة…

ومجموعة هذه القيم تصنع شخصيّة تتلاحم مع الإنتاج، وتعمل بجدّ ومثابرة على تطويره، وتعي مصالح المجتمع وتلتزم بها، بيد أنّ المشكلة الاساسيّة في ضمان فاعلية هذه القيم… وهنا يأتي دور الدولة الإسلاميّة حيث تقوم بوظيفة تربية الأمّة في إطار سياسة تربويّة خاصّة تستهدف ترسيخ الإيمان بالقيم وتعميقها في شعور الإنسان المسلم.

2 ـ إيجاد الكفاءات الفنّية والتقنيّة

إنّ عملية الإنتاج تتظافر فيها جهود وكفاءات جميع أفراد المجتمع من أجل تطوير ثروة البلد، وهذه العمليّة بحاجة إلى كفاءات، إذ لا يمكن إدارة وحدة إنتاجيّة من دون كفاءة صناعيّة تلاحق السّلعة منذ البداية حتّى وصولها إلى المستهلِك.

إنّ الكفاءة ليست تراكماً تقنيّاً وعلمياً، وليست جمعاً للمعلومات فقط، إنّما هي فهم عميق للتقنية والتعامل معها بروح منفتحة تسعى لتطوير العمليّة الإنتاجيّة دون أن تقع في قبضة التطبيق الحرفي للمهارة الفنّية والصناعيّة، هي تمثّل القدرة على استيعاب التقنية والتعامل معها بذكاء ورغبة في التطوير. وهذه المسؤوليّة تقع على كاهل الدولة حيث تقوم بصناعة الكفاءات اللازمة لعملية الإنتاج، فالدولة لا تكتفي فقط بالقضاء على الأميّة، إنّما تعلّم المواطن كيف يتعامل مع الثروة والإنتاج.

وحين تقوم الدولة بمسؤوليّات خلق الكفاءة بذلك المعنى، فإنّها سوف تمنح المواطنين فرصاً للنموّ التقني في داخل البلد، ولا يضطرون للذهاب إلى الخارج من أجل اكتساب التقنيّة والكفاءة.

3 ـ وضع سياسات تفصيليّة للتنمية الاقتصاديّة

تضع أجهزة الدولة خططاً ترسم فيها منهجها الإنتاجي خلال أعوام الخطّة، وتحدّد فيها تصوّرها عن اتجاهات نشاطها، كما تضع خططاً سنويّة مفصّلة تلاحق أهداف الخطط الطويلة الأمد، وتناقش عمليات الاستثمار والإنتاج والعلاقات الاقتصاديّة، والبنية التحتيّة لاقتصاد البلد.إنّ رسم الخطط والسياسة الاقتصاديّة له أثر كبير في تنمية البلاد؛ لأنّه ينقل العمليّة الاقتصاديّة من مجرّد عمل اجتماعي متناثر إلى عمليّة اقتصاديّة واعية، تسير فيها العمليّة الإنتاجيّة وفق إطارات وأهداف مدروسة سابقاً.

4 ـ استثمارات الدولة في القطّاع العامّ

تملك الدولة في ضوء القانون الإسلامي موارد اقتصاديّة كبيرة، وتمارس استثمارها وفق مصالح الأمّة وحاجات المجتمع. ومن هذه الموارد:

1.أ ـ الأراضي الميتة، والعامرة طبيعيّاً، أو التي سلّمها أهلها إلى المسلمين.

2.ب ـ المعادن والمناجم.

3.ج ـ الغابات.

4.د ـ الأنهار والبحار وسواحلها.

5.هـ ـ قمم الجبال.

إنّ بعض هذه الموارد تمتلكها الدولة نيابة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتمارس استثمارها وصرف عوائدها على مشاريع الدولة، وبعض تلك الموارد تمتلكها الدولة نيابة عن المجتمع وتصرف عوائدها في المجالات الاجتماعيّة، وتمارس الدولة عمليّات الاستثمار نيابة عن الأمّة في الموارد التي تمتلكها الأمّة (مباحات عامّة).

إنّ الدولة تعمل على جذب أفراد المجتمع في إطار استثمارات القطّاع العامّ وفق صيغ خاصّة بالشكل الذي يخدم عمليّة الإنتاج، ويعالج الأزمات التي قد تحصل في بعض الفروع الاقتصاديّة.

فللدولة مرونة كافية في اختيار أسلوب الاستثمارات في القطّاع العامّ (بوصفها النّيابي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أو بوصفها النّيابي عن المجتمع)، وهي تختار الأسلوب الأفضل وفق خططها الخاصّة في هذا المجال.

إنّ الإسلام يعطي للدولة الإمكانات اللازمة من أجل ضمان استغلال أمثل للثروة، ومن أجل تطوير البناء الاقتصادي ورعاية مصالح الأمة. إلاّ أنّ قدرات الدولة وحقوقها في الثروة والاستثمار لا تسلب الأفراد فرص توظيف إمكاناتهم المادّية في جميع حقول الاستثمار الممكن في ضوء النظريّة الإسلاميّة.

5 ـ ممارسة الإنتاج بوصفها الرسمي

تمارس الدولة النشاطات الاقتصاديّة بوصفها جهة تملك الإمكانات اللازمة للمساهمة في عمليّة الإنتاج، فالدولة تستطيع أن توظّف جزءاً من دخلها لإنشاء الشركات الصناعيّة وتمارس دوراً اقتصاديّاً متميّزاً في الحياة الاقتصاديّة. وهذا الدور يختلف عن دور استثمار الأرض أو الماء، أو استغلال الغابات والجبال، فإنّ تلك العمليات تتمّ بوصفها النّيابي عن المجتمع، وهنا تتمّ بوصفها منافساً قويّاً لأفراد المجتمع، وهو ما يُصطَلح عليه بـ:(القطّاع العامّ).

فالدولة ـ على هذا الأساس ـ تمارس عملها الاقتصاديّ بشكل موازٍ لنشاطات أفراد المجتمع في الحقول الاقتصاديّة، فكما أنّ الفرد يستطيع أن يفتتح شركة نقل، أو ينشئ مصنعاً لإنتاج الورق مثلاً، كذلك تستطيع الدولة أن تقوم بذلك.

ويمكن أنّ نحدد أهمّ أعمال الدولة بالنقاط التالية:

أ ـ إنشاء المشاريع الكبيرة التي يعجز الأفراد ـ عادة ـ عن القيام بها؛ لاحتياجها إلى رؤوس أموال ضخمة كمصانع الأسلحة الثقيلة، وبعض الفروع الإنتاجيّة الأخرى.

ب ـ إنشاء المشاريع ذات الطابع الخدمي، أو المشاريع الصناعيّة البعيدة المدى التي تفرّ منها رؤوس الأموال الخاصّة عادة.

ج ـ منافسة الشركات والفروع الإنتاجيّة الخاصّة لتحديد أثمان السّلع وتطوير إنتاجها.

د ـ الاستفادة من الأرباح في زيادة مداخيل الدولة، ومن ثمّ توسيع نفقاتها على المشاريع الاجتماعيّة، وحفظ التوازن الاقتصادي، وضمان العاجزين عن المشاركة في العمل.

6 ـ إشراف وتدخّل الدولة في الأنشطة الاقتصاديّة

تمارس الحكومة دور الإشراف على الحركة الاقتصاديّة في تمام أشواطها، فتمنع بعض الأنشطة الإنتاجيّة، أو تُقيّد من دائرة عملها، أو تجمّدها لفترة زمانيّة محدّدة وفق مقتضيات المصلحة العامّة.

إن إشراف الحكومة يستهدف ما يلي:

أ ـ الحفاظ على ديمومة الحركة الاقتصاديّة ورفع الآثار السلبيّة التي تتمخّض عن حركة الإنتاج الفردي.

ب ـ المنع من الكسب اللامشروع كالقمار والربا وما شاكل ذلك.

ج ـ رعاية أصحاب الدخل الضعيف، وتقديم المساعدات والخدمات اللازمة لتأمين الحدّ الأدنى من حاجاتهم الضروريّة.

 

7 ـ المسائل الفقهية المستحدثة والتطور المجتمع

إنّ الاقتصاد الإسلامي يشتمل على جانبين: أحدهما قد مُلئ من قبل الإسلام بصورة منجزة لا تقبل التغيير والتبديل، والآخر يشكّل “تسلسل الأولويات” قد ترك الإسلام مهمّة ملئها إلى ولي الفقيه و ولي الأمر الأمر يملؤها وفقاً لمتطلّبات الأهداف العامّة للاقتصاد الإسلامي، ومقتضياتها في كلّ زمان خاصة في ظل العولمة والهيمنة الاستعمارية للدول العظمى. وفي ضوء ذلك يتاح للحكومة وضع شروط خاصّة للإنتاج، أو للتصدير، أو للاستيراد، أو للعمل بصورة عامّة وفق ما تمليه المصلحة العامّة والأهداف الأساسيّة التي تتوخّى الحكومة تحقيقها. من كتاب “العلوم الانسانية الاسلامية” لمؤلفه محمد كوراني

روابط إضافية

مقالات إضافية

التمهيد لاقتصاد حضاري رغم العقوبات،…

نتائج الخطط الخماسية في الجمهورية في المجموع حققت النجاحات التالية على صعيد…

مراحل التمهيدية لاقتصاد حضاري قبل…

١.الثورة ومحاربة الحرمان نجاح الثورة في ايران تزامنت مع بدء نشاطات لجهاد…

علماء اقتصاد في الغرب ينتقدون…

في مناخ الأزمة انطلقت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق الأسس الأخلاقية والدينية…

مقالات إضافية

التمهيد لاقتصاد حضاري رغم العقوبات،…

نتائج الخطط الخماسية في الجمهورية في المجموع حققت النجاحات التالية على صعيد…

مراحل التمهيدية لاقتصاد حضاري قبل…

١.الثورة ومحاربة الحرمان نجاح الثورة في ايران تزامنت مع بدء نشاطات لجهاد…

علماء اقتصاد في الغرب ينتقدون…

في مناخ الأزمة انطلقت أصوات في الغرب تنادي بتطبيق الأسس الأخلاقية والدينية…