المقال الخامس: الحكومة كوسيلة لتحقيق الأهداف السامية في الإسلام
الحكومة في التصور الإسلامي ليست غاية بحد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق الحق والعدل، وتطبيق القيم الإلهية. فلا ينظر الإسلام إلى الحكم باعتباره منصبًا شرفيًا أو هدفًا دنيويًا، بل كأداة لحفظ الشريعة وخدمة الناس وإقامة القسط بين العباد.
1. الحكومة في فكر أمير المؤمنين (عليه السلام)
من أبرز الشواهد على النظرة الإسلامية للحكم ما ورد عن الإمام علي (ع):
حين سأل ابن عباس عن قيمة نعله، قال: “ما قيمة هذا النعل؟” قال: لا قيمة لها.
فقال (ع): “والله لهي أحب إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا.”
المعنى: الحكم ليس هدفًا في ذاته، إنما يكتسب قيمته من قدرته على إقامة الحق والدفاع عن العدل.
2. الحكومة كوسيلة لتحقيق مقاصد الشريعة
الهدف الأساسي للحكومة هو تطبيق أحكام الإسلام، وبناء نظام عادل يحقق مصالح العباد ويمنع الظلم والفساد.
القيمة الحقيقية للحكم تكمن في كونه وسيلة لإقامة القسط كما قال تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25).
3. دور الحاكم في الإسلام
الحاكم الإسلامي ليس شخصًا يسعى إلى السلطة، بل هو خادم للأمة ومكلّف بتنفيذ الأحكام الإلهية.
يرفض الإسلام فكرة الحاكم المستبد الذي يفرض سلطته لمصالح شخصية.
يوجب على الحاكم المسؤولية أمام الله وأمام الناس، لأنه مؤتمن على حقوق العباد.
4. الحكومة ونشأة العلوم الإنسانية
الحكومة العادلة تسهم في إقامة بيئة علمية سليمة:
في ظل الحكم العادل، يزدهر البحث العلمي، لأن العلماء يعملون بحرية بعيدًا عن الهيمنة أو التوجيه السياسي الفاسد.
التاريخ الإسلامي يشهد أن العلماء مثل ابن سينا والخوارزمي ازدهرت علومهم في ظل رعاية حكومات تبنت الفكر والعلم.
5. السلطة مسؤولية لا شرف
الحكم لا يمثل رتبة روحية أو معنوية في ذاته، وإلا لما تمكن أحد من اغتصابه أو التخلي عنه.
الإمام علي (ع) صرّح في نهج البلاغة: “لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر… لألقيت حبلها على غاربها”، أي أنه كان سيترك الحكم لو لم يكن واجبًا لإحقاق الحق.
6. علاقة الحكومة بالولاية
الحكومة في الإسلام جزء من نظام الولاية، حيث تتحقق قيادة المجتمع وفق قواعد إلهية.
ولاية الفقيه في عصر الغيبة تعد امتدادًا لهذه الفكرة، باعتبارها نظامًا يحفظ الشريعة وحقوق الأمة.
الحكومة بلا ولاية تتحول إلى مجرد سلطة دنيوية، بينما الولاية تجعلها أداة لتحقيق الأهداف السامية.
7. الحكومة وعلوم الاجتماع
من منظور علم الاجتماع الإسلامي:
الحكومة ليست فقط مؤسسة سياسية، بل هي نظام يؤثر على الثقافة، والعلم، والأخلاق.
العدالة السياسية تساهم في خلق مجتمع متوازن ومترابط، بينما الظلم يؤدي إلى انهيار البنية الاجتماعية والأخلاقية.
8. الخلاصة
الحكومة في الإسلام ليست غاية، وإنما هي وسيلة لتحقيق العدالة، وإقامة نظام يحفظ القيم الإنسانية والدينية.
كلما اقتربت الحكومة من المبادئ الإسلامية والولاية الإلهية، كانت أكثر قدرة على بناء مجتمع مزدهر علميًا وأخلاقيًا.
